وضوء عثمان بن عفان من النشاه الي الانتشار

اشارة

سرشناسه : شهرستاني، سيدعلي

عنوان و نام پديدآور : وضوء عثمان بن عفان من النشاه الي الانتشار/ تاليف علي الشهرستاني؛ تلخيص و ترتيب قيس العطار.

مشخصات نشر : تهران : نشر مشعر، 1426ق.= 1384.

مشخصات ظاهري : 257 ص.

شابك : 13000 ريال: 964-7635-76-1

وضعيت فهرست نويسي : فاپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : عثمان بن عفان، 47 قبل از هجرت - 35ق.

موضوع : وضو -- تاريخ

موضوع : وضو -- احاديث

شناسه افزوده : عطار، قيس

شناسه افزوده : Attar, Qays

رده بندي كنگره : BP185/5 1384 /ش 9و63

رده بندي ديويي : 297/352

شماره كتابشناسي ملي : م 84-2340

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص:6

ص: 7

المقدمة

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

و بعد، فهذا هو الإصدار الثاني من سلسلة «بحوث في الوضوء النبوي»، و هو يتلو الإصدار الأوّل الذي بيّنّا فيه مبدأ الاختلاف في الوضوء النبوي، و أثبتنا أنّ الخلاف وقع فيه في عهد عثمان بن عفّان، و أنّه كان هو البادئ بالخلاف في الستّ الأواخر من عهده، و أنّه اختلف مع ناس من كبار صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، من الملتزمين بنهج التعبد المحض.

و الآن حاولنا تلخيص و ترتيب ماكتبه الاستاذ السيد علي الشهرستاني في البحث الروائي عن وضوء عثمان بن عفّان، و هو بحث لم يطبع إلى الآن، و بما أنّ هذا البحث بحث علمي تحقيقي موسَّع و يهمّ بالدرجة الأُولى أصحاب الاختصاص في الدراية و الرجال و الفقه، و يعسر فهمه على عامة الناس، رأينا من الضروري تلخيصه و ترتيبه بما يقرّبه من متناول أكبر عدد من القراء، و حاولنا إيضاح بعض المصطلحات في الهوامش لكي لايقف القارئ على ضبابية في الرؤية و الفهم.

و قد استعرضنا هنا الروايات العثمانية التي تحكي الوضوء البياني عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و هي روايات كثيرة جدّاً، ذكرنا منها عمدة ما يستدلون أو يمكن أن يستدلوا به على الوضوء الثلاثي الغَسلي (1) 1، و قد رأيناها جميعاً لا تصحّ أسانيدها، و تضطرب متونها، و يختلف الوضوء المحكي فيها حتى


1- أي الوضوء القائل بتثليث غسل الوجه و اليدين و الرجلين، و القائل بمسح كل الرأس مقابل الوضوء الثنائي المسحي القائل بأن غسل الوجه و اليدين مرّة فرض و مرتين مستحب، و الثلاث تبطله، و القائل بوجوب المسح بالرأس و الرجلين إلى الكعبين.

ص: 8

عن وضوء الغَسْليّين فضلًا عن اختلافه عن وضوء المَسحيّين.

و بعد المناقشة السندية و المتنيّة، و الوقوف على النتائج المتوصّل إليها، حاولنا دراسة هذه الروايات الوضوئية من زاوية ما سميناه ب «نسبة الخبر»، فعرضنا النتائج على نفسية و شخصية عثمان بن عفّان و المحيطين به من الذين التزموا هذا الوضوء و بثّوه بين المسلمين، و كيف أنّ الأمويين و المروانيين و وعّاظهم كانت لهم جهودٌ كبيرة في تنقيح و ترسيخ و تثبيت معالم هذا الوضوء بعد أن كان في بدايات نشوئه مرتبكَ المعالم غائم الصورة غير واضحها.

فقد نُشِر هذا الوضوء بأشكال مختلفه عن عثمان بواسطة جمهرة من التابعين، و لم يثبت عند القوم منها إلّاما رواه حمران بن أبان النمري الذي كانت له الخطورة الكبيرة في بث هذا الوضوء، ثمّ جاء من بعدُ محمد بن شهاب الزهري فقلّص أو حاول تقليص دائرة الاختلاف، فنجح و لكن ليس كل النجاح، فقد بقيت فجوات و هفوات في هذا الوضوء لا يمكن إنكارها.

بعد هذا، أمَلي أن أكون قد وُفّقت في هذا التلخيص و الترتيب، لإعطاء صورة واضحة جليّة بأقرب الطرق و أسهل العبارات لِما حَدَث للوضوء النبوي، راجياً من اللَّه القبول.

قيس العطار

ص: 9

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيد الأنبياء و خاتم المرسلين أبي القاسم محمّد و أهل بيته الطّيبين الطّاهرين.

و بعد، فإن الوضوء أمرٌ عبادي أَمَرَ اللَّه به في كتابه العزيز بقوله «يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمتُم إلى الصَلاةِ فاغسِلُوا وُجُوهَكُم و أَيدِيَكُم إِلى المرافق و امْسَحُوا بِرُؤُوسِكُم و أَرجُلِكُم إلى الكَعبَينِ» (1) 2.

و مارس النبي المصطفى صلى الله عليه و آله الوضوء مدّة عمره الشريف بعد مبعثه أمام المسلمين و كل يوم عدة مرات، و بيّن فصوله و أحكامه و نواقضه و كلّ ما يتعلق بهذا الأمر العبادي المهم، الذي هو مقدّمة لأهم الفروع، أعني الصلاة التي هي عمود الدين.


1- المائدة: 6.

ص: 10

إلّا أنّ الغريب في الأمر، هو وقوع الاختلاف بين المسلمين في هذا الأمر العبادي المهمّ الذي مارسه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمحضر المسلمين و عترته و أقربائه و أزواجه، و على رؤوس الملأ، ذلك الاختلاف الذي نراه اليوم قد وصَلَ إلى مفترقاتٍ بعيدة الفواصل، فما هو السرّ في ذلك؟

لقد درسنا و تتبّعنا هذه الحالة، و حاولنا تحديد زمن نشوء الخلاف في هذه المفردة العبادية، فما رأينا نصّاً أو علامة أو مؤشراً على وقوع الاختلاف فيه في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و لا في عهد أبي بكر و لا عمر، لكنّا وقفنا على نصوص و مؤشرات تدل على أنّ أوّل اختلاف وقع فيه كان في زمن عثمان بن عفّان، و بعد دراسة متأنّية عرضنا خلاصتَها في الإصدار الأول من هذه السلسلة، توصّلنا إلى نتائج باهرة حول الاختلاف في الوضوء و ماهيّته، و كيف وصل لنا الوضوء إلى هذا اليوم حاملًا معه هذا الكمَّ الكبير من الاختلافات، فكانت أمّهاتُ النتائج التي أفرزها البحث عَشْراً:

1- وحدة الوضوء في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و كذلك في عهد الشيخَين.

2- ظهور الخلاف في زمن عثمان بن عفّان.

3- اختلاف عثمان مع «ناسٍ» هم من أعاظم الصحابة.

4- إنّ البادئ بالخلاف و المخترع للوضوء الثلاثي الغسلي هو عثمان.

و أنّ بدء إحداثاته كان في الستّ الأواخر من سِنيِّ حكمه.

5- عدم ارتضاء الصحابة المتعبّدين لآراء عثمان الاجتهادية عموماً و الوضوئية خصوصاً.

ص: 11

6- مخالفة عثمان لسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سيرة الشيخَين التي ألزم بها نفسه.

7- إنّ مقتل عثمان كان بسبب إبداعاته الدينية مضافاً إلى سوء سيرته السياسية و المالية و الإدارية.

8- محاولة أميرالمؤمنين علي عليه السلام تصحيح ما حرّفه سابقوه، و منها تحريف عثمان للوضوء.

9- التلازم بين الوضوء الثنائي المسحي و المتعبّدين المدوّنين من جهة، و بين الوضوء الثلاثي الغسلي و المجتهدين المانعين للتحديث و التدوين من جهة أخرى.

10- إن الحكومات الأموية و العباسية كانت تناصر الخطّ الاجتهادي صاحب الوضوء الثلاثي الغسلي ضدّ الخطّ التعبدي، و تتخذ من مفردة الوضوء الثنائي المسحي سلاحاً تفتك عبرَهُ بأصحاب التعبد.

و بعد أن توصّلنا إلى هذه النتائج عبر دراسة تاريخية حديثية ممزوجة بدراسة ملابسات الأحداث، كان لا بدّ لنا من الوقوف على عمدة النصوص التي استدل بها القوم أو يمكن أن يُستدلَّ بها على الوضوء الثلاثي الغسلي، فرأينا أنّ خلاصة مرويّاتهم الصحيحة الثابتة عندهم ترجع إلى صحابيَّين: أوّلهما عثمان بن عفّان الأموي، و ثانيهما عبداللَّه بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري (1) 3. و مرويات عثمان بن عفّان هي الأكثر شيوعاً


1- أفردنا البحث عن صحة أو عدم صحة انتساب هذا الوضوء إلى هذا الصحابي الأنصاري في كُتيّب مفرد ضمن هذه السلسلة.

ص: 12

في الصحاح و السنن، حتى أنّ بعض مصادرهم اقتصرت في باب الوضوء على روايات عثمان فقط، فلذلك اقتضى البحث العلمي أن نستعرض روايات عثمان الحاكية للوضوء البياني، و مناقشة أسانيدها أوّلًا، ثمّ مناقشة متونها ثانياً، ثمّ الوقوف ثالثاً عند بعض روايات المرحلة الانتقالية عند عثمان من الوضوء الثنائي المسحي إلى الوضوء الثلاثي الغسلي، و أخيراً دراسة ملابسات الأحداث و مدى إمكان نسبة هذا الوضوء إلى عثمان أو عدم إمكانها، و ذلك عبر ما سميناه ب «نسبة الخبر إليه».

و من خلال هذه البحوث وقفنا على تطوّر السير الوضوئي عند عثمان و أتباعه، كما وقفنا على أن الراوي الأصلي لروايات الوضوء عن عثمان المعتمدة عندهم، إنّما ترجع أغلبها إلى حمران بن أبان/ طويدا اليهودي (1) 4، و روايات طويدا المعتمدة كلّها ترجع إلى ابن شهاب الزهري (2) 5، و قد تبنّى هذا الوضوء و بثّه جماعات عليها أكثر من علامة استفهام و سؤال من موالي و أمويين و طلحيين و زبيريين، و قَدَريين، ومقدوحين و... فوصل الوضوء العثماني عبر مخاضه الطويل إلى الوضوء الثلاثي الغسلي الذي تعمل به طائفة كبيرة من المسلمين اليوم.

فإليك روايات عثمان بن عفّان:


1- الإصدار الثالث من هذه السلسلة عن طويدا، اقرأه.
2- الذي وصفه عمرو بن عبيد ب (منديل الأمراء) سيأتي الكلام عنه لا حقاً.

ص: 13

الروايات الغَسلية

1- قال البخاري: حدثنا عبدالعزيز بن عبداللَّه الأويسي، قال:

حدّثني إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب: أنّ عطاء بن يزيد أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره أنّه رأى عثمان بن عفّان دعا بإناء فأفرغ على كفّيه ثلاث مرات فغسلهما، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثمّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غُفِر له ما تقدم من ذنبه (1) 6.

2- قال البخاري: حدّثنا أبو اليمّان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عطاء بن يزيد، عن حمران مولى عثمان بن عفّان: أنّه رأى


1- صحيح البخاري 1: 51- باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً.

ص: 14

عثمان دعا بوَضُوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغلسهما ثلاث مرات، ثمّ أدخل يمينه في الإناء، ثمّ تمضمض و استنشق و استنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل كلّ رجلٍ ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله يتوضأ نحو وضوئي هذا، و قال: من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه (1) 7.

3- قال البخاري: حدّثنا عبدان، أخبرنا عبداللَّه، أخبرنا معمِّر، قال: حدّثني الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن حمران، قال: رأيت عثمان رضي اللَّه عنه توضّأ فأفرغ على يديه ثلاثاً، ثمّ تمضمض و استنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثمّ غسل يده اليسري إلى المرفق ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل رجله اليمنى ثلاثاً، ثمّ اليسرى ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قال: من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ يصلي ركعتين لا يحدّث نفسه فيهما بشي ء، غفر له ما تقدّم من ذنبه (2) 8.

4- قال مسلم: حدّثني زهير بن حرب، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبي، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران مولى عثمان: أنّه رأى عثمان دعا بإناء فأفرغ على كفّيه ثلاث مرات فغسلهما، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض و استنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرات،


1- صحيح البخاري 1: 52- باب المضمضة في الوضوء.
2- صحيح البخاري 1: 234.

ص: 15

و يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل رجليه ثلاث مرّات، ثمّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه (1) 9.

5- قال مسلم: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبداللَّه بن عمرو بن سرح، و حرملة بن يحيى التجيبي، قالا: أخبرنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: أنّ عطاء بن يزيد الليثي أخبره: أنّ حمران مولى عثمان أخبره: أنّ عثمان بن عفّان رضى الله عنه دعا بوَضُوء، فتوضّأ فغسل كفّيه ثلاث مرات، ثمّ مضمض و استنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثمّ غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثمّ غسل اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه (2) 10.

6- قال النسائي: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبداللَّه، عن معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران بن أبان، قال:

رأيت عثمان توضّأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثمّ تمضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يديه؛ اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثمّ اليسرى مثل ذلك، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثمّ


1- صحيح مسلم 2: 205/ ح 4.
2- صحيح مسلم 2: 204/ ح 3.

ص: 16

اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ نحو وضوئي، ثمّ قال: من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ صلَّى ركعتين لا يحدّث نفسه فيهما بشي ء غفر له ما تقدّم من ذنبه (1) 11.

7- قال النسائي: أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة، قال: حدّثنا عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، عن شعيب و هو ابن أبي حمزة، عن الزهري: أخبرني عطاء بن يزيد، عن حمران: أنّه رأى عثمان دعا بوَضُوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلها ثلاث مرات، ثمّ أدخل يمينه في الوَضُوء فتمضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل كلّ رجل من رجليه ثلاث مرّات، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ وضوئي هذا، ثمّ قال:

من توضّأ مثل وضوئي هذا ثمّ قام فصلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه بشي ء، غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه (2) 12.

8- قال النسائي: أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، و الحرث بن مسكين- قراءة عليه و أنا أسمع، و اللفظ له- عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: أنّ عطاء بن يزيد الليثي أخبره: أنّ حمران مولى عثمان أخبره: أنّ عثمان دعا بوَضُوء فتوضّأ، فغسل كفّيه ثلاث مرّات، ثمّ مضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثمّ مسح برأسه، ثمّ


1- سنن النسائي 1: 64.
2- سنن النسائي 1: 65.

ص: 17

غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرّات، ثمّ غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قام فركع ركعتين لايحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه (1) 13.

9- قال الدارمي: أخبرنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا عبد الأعلى، عن معمِّر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان: أنّ عثمان توضّأ فمضمض و استنشق، و غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً، و مسح برأسه و غسل رجليه ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ كما توضّأت، ثمّ قال: من توضّأ وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه (2) 14.

10- قال أبو داود: حدّثنا الحسن بن علي الحلواني، حدّثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفّان، قال: رأيت عثمان بن عفّان توضّأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثمّ تمضمض و استنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثمّ اليسرى مثل ذلك، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثمّ اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال:

رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ مثل وضوئي هذا، ثمّ قال: من توضّأ مثل وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غَفَر اللَّه له ما تقدم


1- سنن النسائي 1: 80.
2- سنن الدارمي 1: 176.

ص: 18

من ذنبه (1) 15.

11- قال أبو داود: حدّثنا محمد بن المثنى، حدّثنا الضحاك بن مخلد، حدّثنا عبدالرحمن بن وردان، حدّثني أبو سلمة بن عبدالرحمن، حدّثني حمران، قال: رأيت عثمان بن عفّان توضّأ، فذكر نحوه- أي نحو ما تقدم في الإسناد العاشر- و لم يذكر المضمضمة و الاستنشاق، و قال فيه: و مسح رأسه ثلاثاً، ثمّ غسل رجليه ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ هكذا، و قال: من توضّأ دون هذا كفاه، و لم يذكر أمر الصلاة (2) 16.

12- أخرج الدارقطني، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، أخبرنا يوسف بن موسى، أخبرنا أبو عاصم النبيل، عن عبدالرحمن بن وردان، أخبرني أبو سلمة: أنّ حمران أخبره أنّ عثمان رضي اللَّه عنه دعا بوَضُوء فغسل يديه ثلاثاً، و وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه ثلاثاً، و غسل رجليه ثلاثاً، و قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ هكذا، و قال:

من توضّأ أقل من ذلك أجزأه (3) 17.

13- حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي (4) 18، حدّثنا يعقوب (5) 19، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي، عن مُعاذ بن عبدالرحمن التيمي، عن حمران بن أبان- مولى عثمان بن عفّان رضى الله عنه- قال:


1- سنن أبي داود 1: 26/ ح 106.
2- سنن أبي داود 1: 26/ ح 107.
3- سنن الدارقطني 1: 83- «باب دليل تثليث المسح»/ ح 14.
4- هو احمد بن حنبل.
5- هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري.

ص: 19

رأيت عثمان بن عفّان دعا بوَضُوء و هو على باب المسجد، فغسل يديه، ثمّ مضمض و استنشق و استنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرّات، ثمّ مسح برأسه، و أمرّ بيديه على ظاهر أذنيه، ثمّ مرّ بهما على لحيته، ثمّ غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرّات، ثمّ قام فركع ركعتين، ثمّ قال: توضّأتُ لكم كما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ، ثمّ ركعتُ ركعتين كما رأيته ركع، قال: ثمّ قال: قال رسول اللَّه حين فرغ من ركعتيه: من توضّأ كما توضّأت، ثمّ ركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما كان بينهما و بين صلاته بالأمس (1) 20.

14- قال أبو داود: حدّثنا محمد بن داود الاسكندراني، حدّثنا زياد بن يونس، حدّثنى سعيد بن زياد المؤذن، عن عثمان بن عبدالرحمن التيمي، قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء، فقال: رأيت عثمان بن عفّان سئل عن الوضوء، فدعا بماء، فأتي بميضأة، فأصغى على يده اليمنى، ثمّ أدخلها في الماء، فتمضمض ثلاثاً، و استنثر ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يده اليمنى ثلاثاً، و غسل يده اليسرى ثلاثاً، ثمّ أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه و أذنيه فغسل بطونهما و ظهورهما مرةً واحدة، ثمّ غسل رجليه، ثمّ قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ (2) 21.

15- قال أبو داود: حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى، أخبرنا


1- مسند أحمد 1: 68.
2- سنن أبي داود 1: 27/ ح 108.

ص: 20

عبيداللَّه- يعني ابن أبي زياد- عن عبداللَّه بن عبيد بن عمير، عن أبي علقمة: أنّ عثمان دعا بماء فتوضّأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثمّ غسلهما إلى الكوعين، قال: ثمّ مضمض و استنشق ثلاثاً، و ذكر الوضوء ثلاثاً، قال: و مسح برأسه، ثمّ غسل رجليه، و قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ مثل ما رأيتموني توضّأتُ، ثمّ ساق نحو حديث الزهري و أتمّ (1) 22.

و روى هذه الرواية الدارقطني بسنده عن عبيداللَّه بن أبي زياد القدّاح، أخبرنا عبداللَّه بن عبيد بن عمير، عن أبي علقمة، عن عثمان بن عفّان، قال: دعا يوماً بوَضُوء ثمّ دعا ناساً من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فأفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى و غسلها ثلاثاً، ثمّ مضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يده إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه ثم رجليه فأنقاهما، ثم قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ مثل هذا الوضوء الذي رأيتموني توضّأت له، ثمّ قال: من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى ركعتين كان من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، ثم قال:

أكذلك يا فلان؟ قال: نعم، ثمّ قال: أكذلك يا فلان؟ قال: نعم، حتّى استشهد ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله، ثمّ قال: الحمدُ للّه الذي و افقتموني على هذا (2) 23.


1- سنن أبي داود 1: 27/ ح 109. و المقصود بحديث الزهري هو الحديث الذي تقدم برقم (10).
2- سنن الدارقطني 1: 85- «باب ما روي في الحث على المضمضة و البدأة بها في أوّل الوضوء»/ ح 9.

ص: 21

16- قال الدارقطني: أخبرنا محمد بن القاسم بن زكريا، أخبرنا أبو كريب، أخبرنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل.

و حدّثنا دعلج بن أحمد، أخبرنا موسى بن هارون، أخبرنا أبوبكر ابن أبي شيبة، حدّثنا عبداللَّه بن نمير، حدّثنا إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال:

رأيت عثمان بن عفّان يتوضّأ فغسل يديه ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و مضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، و غسل ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه و أذنيه ظاهرهما و باطنهما، ثمّ غسل قدميه ثلاثاً، ثمّ خلّل أصابعه، و خلّل لحيته ثلاثاً حين غسل وجهه، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فعل كالّذي رأيتموني فعلتُ. لفظهما سواء حرفاً بحرف.

قال موسى بن هارون: و في هذا الحديث موضع فيه عندنا وَهَمٌ؛ لأنّ فيه الابتداء بغسل الوجه قبل المضمضة و الاستنشاق. و قد رواه عبدالرحمن بن مهدي عن إسرائيل بهذا الإسناد، فبدأ فيه بالمضمضة و الاستنشاق قبل غسل الوجه. و تابعه أبو غسان مالك بن إسماعيل عن إسرائيل، فبدأ فيه بالمضمضة و الاستنشاق قبل الوجه، و هو الصواب (1) 24.

و قال الدارقطني أيضاً: حدّثنا دعلج بن أحمد، أخبرنا محمد بن أحمد بن النضر، أخبرنا أبو غسان، أخبرنا إسرائيل.

و أخبرنا دعلج بن أحمد، أخبرنا موسى بن هارون، حدّثنا أبو خيثمة، أخبرنا عبدالرحمن بن مهدي، أخبرنا إسرائيل، عن عامر بن


1- سنن الدارقطني 1: 86/ ح 12.

ص: 22

شقيق، عن شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان بن عفّان توضّأ فغسل كفّيه ثلاثاً، و مضمض و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و غسل ذراعيه ثلاثاً، و مسح رأسه و أذنيه ظاهرهما و باطنهما، و خلّل لحيته ثلاثاً، و غسل قدميه، و خلّل أصابع قدميه ثلاثاً، و قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فعل كما فعلتُ. يتقاربان فيه (1) 25.

و قال الدارقطني أيضاً: أخبرنا دعلج بن أحمد، أخبرنا موسى بن هارون، أخبرنا أبي، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا إسرائيل، عن عامر بن شقيق بن جمرة، عن شقيق بن سلمة، قال:

رأيت عثمان توضّأ، فمضمض و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و خلّل لحيته ثلاثاً، و غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، و مسح رأسه ثلاثاً، و غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فعل هذا (2) 26.

17- قال الدارقطني: حدّثنا الحسين بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أخبرنا أيّوب بن سليمان بن بلال، حدّثني أبوبكر، عن سليمان بن بلال، عن إسحاق بن يحيى، عن معاوية بن عبداللَّه ابن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه عبداللَّه بن جعفر، عن عثمان بن عفّان:

أنّه توضّأ، فغسل يديه ثلاثاً كلّ واحدة منهما، و استنثر ثلاثاً، و مضمض ثلاثاً، و غسل وجههُ ثلاثاً، و غسل ذراعيه كلّ واحدة منهما ثلاثاً ثلاثاً، و مسح برأسه ثلاثاً، و غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً؛ كلّ واحدة منهما، ثمّ


1- سنن الدارقطني 1: 86/ ح 13.
2- سنن الدارقطني 1: 91/ ح 2.

ص: 23

قال: رأيتُ رسول اللَّه يتوضّأ هكذا (1) 27.

18- قال الطبراني في الأوسط: حدثنا معاذ، قال: حدثنا أبو مصعب، قال: حدثنا عطّاف بن خالد المخزومي، عن طلحة مولى آل سراقة، قال:

رأيت معاوية بن عبداللَّه بن جعفر يتوضّأ، فمضمض و استنشق، و غسل وجهه ثلاثاً، و غسل يديه ثلاثاً، و مسح برأسه، و غسل رجليه ثلاثاً، ثمّ قال: هكذا رأيت عبداللَّه بن جعفر يتوضّأ، و قال عبداللَّه بن جعفر: هكذا رأيت عثمان بن عفّان يتوضّأ، و قال عثمان: هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ (2) 28.

و قال في الصغير: حدثنا عمر بن سنان المنبجي بمنبج. أنبأنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، حدثنا عطاف بن خالد المخزومي، عن طلحة مولى آل سراقة، عن معاوية بن عبداللَّه بن جعفر، عن أبيه، قال:

رأيت عثمان بن عفّان توضّأ، فتمضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و غسل يديه ثلاثاً ثلاثاً، و مسح برأسه واحدة، و غسل رجليه ثلاثاً، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ (3) 29.

19- روى الدارقطني بسنده عن صفوان بن عيسى، عن محمد بن عبداللَّه بن أبي مريم، عن ابن دارة مولى عثمان، قال: دخلت عليه- يعني على عثمان- منزله، فسمعني و أنا أتمضمض، فقال: يا محمّدُ، قلت: لبيّك،


1- سنن الدارقطني 1: 91- «باب دليل تثليث المسح»/ ح 1.
2- المعجم الأوسط 8: 235.
3- المعجم الصغير 1: 187.

ص: 24

قال: ألا أحدّثك عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟

قلت: بلى.

قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أُتي بماء و هو عند المقاعد، فمضمض ثلاثاً، و نثر ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، و مسح برأسه ثلاثاً، و غسل قدميه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: هكذا وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحببت أن أُريكموه (1) 30.

و روى أحمد و الطحاوي و البيهقي بأسانيدهم عن صفوان بن عيسى، عن محمد بن عبداللَّه بن أبي مريم، قال: دخلتُ على ابن دارة مولى عثمان، قال: فسمعني أمضمض، فقال: يا محمد، قلتُ: لبيك، قال: ألا أخبرك عن وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟

قال: رأيت عثمان و هو بالمقاعد دعا بوَضُوء، فمضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه ثلاثاً، و غسل قدميه، ثمّ قال: من أحبّ أن ينظر إلى وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فهذا وضوء رسول اللَّه (2) 31.

20- قال الدارقطني: حدّثنا الحسين بن إسماعيل، أخبرنا شعيب بن محمد الحضرمي بمكة، حدّثنا الربيع بن سليمان الحضرمي، أخبرنا صالح بن عبدالجبار، حدّثنا ابن البيلماني، عن أبيه، عن عثمان بن عفّان:


1- سنن الدارقطني 1: 91/ ح 4.
2- مسند أحمد 1: 61، شرح معاني الآثار 1: 36، سنن البيهقي 1: 62. و اللفظ المثبّت لأحمد.

ص: 25

أنّه توضّأ بالمقاعد- و المقاعد بالمدينة حيث يصلّى على الجنائز عند المسجد- فغسل كفيه ثلاثاً ثلاثاً، و استنثر ثلاثاً، و مضمض ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و يديه إلى المرفقين ثلاثاً، و مسح برأسه ثلاثاً، و غسل قدميه ثلاثاً، و سلّم عليه رجل و هو يتوضأ فلم يردّ عليه حتّى فرغ، فلمّا فرغ كلّمه معتذراً إليه، و قال: لم يمنعني أن أردّ عليك إلّاأنني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول:

من توضّأ هكذا و لم يتكلّم، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله، غُفر له ما بين الوضوءَين (1) 32.

21- قال الدارقطني: حدّثنا الحسين بن إسماعيل، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، أخبرنا زيد بن الحباب، حدّثني عمر بن عبدالرحمن بن سعيد المخزومي، حدّثني جدي: أنّ عثمان بن عفّان خرج في نفر من أصحابه حتّى جلس على المقاعد، فدعا بوضوء، فغسل يديه ثلاثاً، و تمضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه مرّة واحدة، و غسل رجليه ثلاثاً.

ثمّ قال: هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ، كنت على وضوء و لكن أحببت أن أريكم كيف توضّأ النبيّ صلى الله عليه و آله (2) 33.

22- قال الدارقطني: حدّثنا أحمد بن محمد بن زياد، أخبرنا عبداللَّه ابن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، أخبرنا ابن الأشجعي، أخبرنا أبي، عن


1- سنن الدارقطني 1: 92- «باب تثليث المسح»/ ح 5.
2- سنن الدارقطني 1: 93- «باب دليل تثليث المسح»/ ح 8.

ص: 26

سفيان، عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، قال:

أتى عثمانُ المقاعدَ، فدعا بوَضوء، فمضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً ثلاثاً، و رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه هكذا يتوضّأ، يا هؤلاء أكذلك؟ قالوا: نعم، لنفرٍ من أصحاب رسول اللَّه عنده (1) 34.

و الرواية في مسند أحمد هكذا:

حدثنا عبداللَّه، حدثني أبي، حدّثنا ابن الأشجعي، حدثنا أبي، عن سفيان، عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، قال: أتى عثمان المقاعد، فدعا بوضوء، فتمضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه و رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هكذا يتوضّأ، يا هؤلاء أكذلك؟ قالوا: نعم، لنفرٍ من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنده (2) 35.

23- قال الحارث: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي النضر: أنّ عثمان دعا بوَضُوء- و عنده طلحة و الزبير و علي و سعد- ثمّ توضّأ و هم ينظرون، فغسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ أفرغ على يمينه ثلاث مرات، ثمّ أفرغ على يساره ثلاث مرات، ثمّ مسح برأسه، ثمّ رشّ على رجله اليمنى ثمّ غسلها ثلاث مرات، ثمّ رشّ على رجله


1- سنن الدارقطني 1: 85- «باب ما روي في الحث على المضمضة و الاستنشاق و البدأة بهما أوّل الوضوء»/ ح 10.
2- مسند أحمد 1: 67.

ص: 27

اليسرى ثمّ غلسها ثلاث مرات، ثمّ قال للذين حضروا: أنشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يتوضّأ كما توضّأتُ الآن؟ قالوا: نعم، و ذلك لشي ء بلغه عن وضوء رجال (1) 36.

و روى هذه الرواية أبو يعلى: حدثنا غسان، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي النضر، أنّ عثمان دعا بوضوء... و ساق مثله بزيادة «ثمّ رشّ على رجله اليمنى ثلاث مرات ثمّ غسلها، ثمّ رشّ على رجله اليسرى ثمّ غسلها ثلاث مرات» (2) 37.

24- قال أحمد: حدثنا عفّان، حدثنا همام، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه و آله بمثله.

و يعني بمثله الحديث الذى قبله، و هو قوله: حدثنا عفّان، حدثنا همام، حدثنا عامر- يعني الأحول- عن عطاء، عن أبي هريرة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله توضّأ فمضمض ثلاثاً و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و غسل يديه ثلاثاً، و مسح برأسه، و وضّأ قدميه (3) 38.

25- حدثنا عبداللَّه، حدثني محمد بن أبي بكر المقدّمي و أبو الربيع الزهراني، قالا: حدثنا حمّاد بن زيد، عن الحجاج، عن عطاء، عن عثمان،


1- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث 1: 39/ ح 69. و هو في مسند أبي يعلى 2: 8/ ح 633 «عن غسان بن الربيع عن الليث». و ذكره الهيثمي في زوائده 1: 229 و فيه «و رشّ على رجله اليمنى ثلاث مرات ثمّ غلسها، ثمّ رشّ على رجله اليسرى ثمّ غسلها ثلاث مرات».
2- المقصد العلي 1: 85/ ح 135، مجمع الزوائد 1: 229.
3- مسند أحمد 2: 348.

ص: 28

قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ فغسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً، و غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، و مسح برأسه و غسل رجليه غسلًا (1) 39.

حدثنا عبداللَّه، حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا حماد بن زيد، عن الحجاج، عن عطاء، عن عثمان، قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ فغسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً، و مسح برأسه و غسل رجليه غسلًا (2) 40.

26- قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن حجّاج، عن عطاء:

أنّ عثمان توضّأ ثلاثاً ثلاثاً، و مسح برأسه مسحة، و غسل رجليه غسلًا، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ (3) 41.

27- أخرج البيهقي في الخلافيات، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث بن سعد، عن خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عطاء بن أبي رباح: أنّ عثمان بن عفّان أُتي بوضوء، فذكر الحديث، قال: ثمّ مسح برأسه ثلاثاً حتّى قفاه و أذنيه- ظاهرهما و باطنهما- و غسل رجليه؛ اليمنى ثلاثاً، ثمّ غسل اليسرى ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ هكذا (4) 42.


1- مسند أحمد 1: 72.
2- مسند أحمد 1: 66.
3- مصنف ابن أبي شيبة 1: 19/ ح 12.
4- الخلافيات 1: 335- 336.

ص: 29

28- قال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا الجريري، عن عروة بن قبيصة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه: إنّ عثمان قال: ألا أريكم كيف كان وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قالوا:

بلى، فدعا بماء فتمضمض ثلاثاً، و استنثر ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه و غسل قدميه ثلاثاً، ثمّ قال: و اعلموا أنّ الأذنين من الرأس، ثمّ قال: قد تحرّيت لكم وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (1) 43.

و قال عبداللَّه: حدثني وهب بن بقية الواسطي، أنبأنا خالد- يعني ابن عبداللَّه- عن الجريري، عن عروة بن قبيصة، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، قال: كنت قائماً عند عثمان بن عفّان، فقال: ألا أنبئكم كيف كان رسول اللَّه يتوضّأ؟ قلنا: بلى، فدعا بماءٍ فغسل وجهه ثلاثاً، و مضمض و استنشق ثلاثاً، ثمّ غسل يديه إلى مرفقيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه و أذنيه، و غسل رجليه ثلاثاً، ثمّ قال: هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ (2) 44.

***** كانت هذه الروايات- الثمان و العشرون- هي أشهر ما روي عن عثمان في الوضوء.

و العشرة الأولى هي العمدة في روايات عثمان، و كلها يرويها الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران، عن عثمان.


1- مسند أحمد 1: 60- 61.
2- مسند أحمد 1: 74.

ص: 30

و الروايات (11- 15) أحسنُ حالًا من الباقيات.

و الروايات (16- 28) تبيّن لك تكثّر الطرق عن عثمان و كيفية انتشار وضوئه، و قد جَدْوَلْناها تسهيلًا للرجوع إليها:

1- 10- الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران، عن عثمان.

11- 12- أبو سلمة بن عبدالرحمان، عن حمران، عن عثمان.

13- معاذ بن عبدالرحمن التيمي، عن حمران، عن عثمان.

14- ابن أبي مليكة، عن عثمان.

15- أبو علقمة المصري، عن عثمان.

16- شقيق بن سلمة (أبو وائل)، عن عثمان.

17- 18- عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب، عن عثمان.

19- ابن دارة (زيد أو عبداللَّه)، عن عثمان.

20- عبدالرحمان البيلماني، عن عثمان.

21- جدّ عمر بن عبدالرحمن بن سعيد المخزومي، عن عثمان.

22- بسر بن سعيد، عن عثمان.

23- أبو النضر سالم، عن عثمان.

24- 27- عطاء بن أبي رباح، عن عثمان.

28- رجل من الأنصار، عن أبيه، عن عثمان.

ص: 31

المناقشة السندية

المناقشة السندية لمرويات حمران عن عثمان

قبل البدء بمناقشة الأسانيد، لابدّ من التأكيد على أنّ عمدة الأسانيد التي اعتُبرت في صحاح و مسانيد العامة هي الأسانيد الخمسة عشر الأولى (1- 15)، و الأكثر اعتماداً من هذه الخمسة عشر الثلاثة عشر الأولى (1- 13)، و التي عليها المدار من الثلاثة عشر هي العشرة الأولى (1- 10).

و الملاحظ بعد طرح الروايتين (14 و 15)- جانباً لما سيأتي من بيان ضعفهما- أنّ الأسانيد الثلاثة عشر الأولى كلّها تنتهي روايتها إلى حمران بن أبان عن عثمان بن عفّان.

تُرى من هو حمران بن أبان الذي اختصّ بنقل روايات عثمان الوضوئية؟!

إنّ هذا الرجل- أعني حمران- أورده الإمام البخاري في الضعفاء (1) 45.


1- تحرير تقريب التهذيب 1: 321، و هامش تهذيب الكمال 7: 306 نقلًا عن البخاري.

ص: 32

و صرح ابن سعد بأنّ أهل البصرة كانوا لا يحتجون به، حيث قال:

كان كثير الحديث، و لم أرهم يحتجّون به (1) 46.

فهذا هو رأي الرجاليين القدماء في حمران، و لم يوثّقه إلّاابن حبّان حيث ذكره في كتابه «الثقات» (2) 47، لكنك تعلم بأَنْ لا قيمة لتوثيقات ابن حبّان، لأنه يذكر في كتابه الثقات حتى من لا يعرفهم هو نفسُهُ (3) 48، و دافع عنه الذهبي و ذهب إلى توثيقه (4) 49.

لكنّ بشار عواد قال ملخِّصاً النتيجةَ النهائية حول حمران: ما وجدتُ أحداً وثّقه سوى ابن حبان و الذهبي، و قال ابن سعد: لم أرهم يحتجون بحديثه، و أورده البخاري في الضعفاء.

ثمّ قال: قلتُ: و يظهر من جماع ترجمته أنّ الرجل لم يكن أميناً تلك الأمانة التي تؤدي إلى توثيقه توثيقاً مطلقاً، فلعلّ هذا هو الذي تبيّن للبخاري، على أنّ البخاري و مسلماً قد احتجّا به في الصحيح!! (5) 50 اذاً، الروايات الثلاث عشرة الأولى كلّها ضعيفة بحمران بن أبان.

و إذا أردنا الوقوف أكثر فأكثر على حقيقة الحال، فلنقرأ ما قاله


1- طبقات ابن سعد 5: 283.
2- الثقات لابن حبان 4: 79.
3- انظر مقدمة لسان الميزان 1: 14- 15، و سلسلة الاحاديث الصعيفة للالبانى 2: 300 و مقدمة محقق المعجم الكبير للطبراني 1: 12- 17، و هامش سير أعلام النبلاء 18: 170.
4- ميزان الاعتدال 1: 2291.
5- تحرير تقريب التهذيب 1: 321- 322.

ص: 33

ابن قتيبة المتوفى سنة 276 ه في المعارف:

حُمْران مولى عثمان: هو حمران بن أبان بن عبد عمرو، ويُكنّى أبا زيد. و كان سَباه المسيَّبُ بن نجبة الفزاري زمن أبي بكر رضى اللَّه تعالى عنه من عين التمر، و أمير الجيش خالد بن الوليد، فوجده مختوناً. و كان يهوديّاً اسمه طويدا.

فاشتُري لعثمان ثمّ أعتقه و صار يكتب بين يديه، ثم غضب عليه فأخرجه إلى البصرة، فكان عاملَه بها، و هو كتب إليه في عامر بن عبد القيس حين سيّره.

و لما قُتِل مصعب وثب حمران فأخذ البصرة، و لم يزل كذلك حتى قدم خالد بن عبد اللَّه القسري فعزله، فلما قدم الحجّاج البصرة آذاه و أخذ منه مائة ألف درهم، فكتب حمران إلى عبد الملك يشكوه، فكتب عبدالملك: إنّ حمران أخو من مضى، و عمّ من بقي، فأَحسِنْ مجاورته، ورُدَّ عليه ماله. و تزوّج حمران امرأةً من بني سعد و تزوّج ولده في العرب (1) 51.

و قال ابن حجر في نزهة الالباب: طورط هو لقب حمران بن ابان مولى عثمان و كان يهودياً فاسلم... (2) 52


1- المعارف: 248.
2- نزهة الالباب في الالقاب: 448 الترجمة 1855 و يقتضى الترتيب الالفبائى لكتاب أن يكون طويط لا طورط راجع اصل الكتاب.

ص: 34

و قد اتفقت المصادر على أنّه كان من السَّبْي الفارسي بعين التمر الذي أُتي به سنة 12 للهجرة النبوية، و أنّ خالد بن الوليد وجده في كنيسة لليهود في ضمن أربعين غلاماً مختّنين، ففرّقهم في الناس، فكان حمران حصّة المسيب بن نجبة الفزاري، ثمّ باعه لعثمان (1) 53.

و كان اسمه طويدا كما تقدم عن ابن قتيبة، و كان اسم أبيه «أبّا» فقال بنو حمران: ابن ابان (2) 54. و ذكر لقبه في جميع نسخ فتوح البلدان التي رأيناها- مطبوعة و مخطوطة- التمري (3) 55.

فاتضح أنّ هذا الأسير- الفارسي اليهودي- كان اسمه طويدا ابن أبّا التمري لأنه كان يقطن عين التمر، لكنه لما دخل في العرب و تزوّج امرأة عربيّة ادّعى وُلْدُه أنّهم من ولد حُمران بن أبان النمريّ، فبدّلوا «طويدا» ب «حمران»، و «أبّا» ب «أبان»، و «التمري» ب «النمري»، وساعدهم على ذلك وجود قبائل من النمر بن قاسط في عين التمر كانت قد قاتلت خالد بن الوليد فأسرهم و قتلهم و أبادهم، و ذلك ما هيّأ الأمر لدخول حمران و وُلْدِه في النمر بن قاسط العربية.


1- انظر: طبقات ابن سعد 7: 148، و تهذيب الكمال 7: 303، و تاريخ الاسلام للذهبي: 395، و مختصر تاريخ دمشق 7: 253، و وفيات الأعيان 4: 181، و تاريخ بغداد 5: 332، و تاريخ الطبري 3: 415، و الأخبار الطوال: 112، و معجم البلدان 5: 301.
2- انظر: تهذيب الكمال 7: 303، و مختصر تاريخ دمشق 7: 253، و فتوح البلدان: 345، و طبقات ابن سعد 7: 148.
3- فتوح البلدان: 345.

ص: 35

و يؤكد ذلك قولُ مصعب بن الزبير لحمران: يابن اليهودية: إنّما أنت علج نبطي سُبيت من عين التمر (1) 56.

و يزيده تأكيداً قولُ الحجّاج ذات يوم و عنده عباد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران؟! لئن انتمى إلى العرب و لم يقل أنّ أباه «أُبَيّ» (2) 57 و أنّه مولى لعثمان، لأضربنّ عنقه (3) 58.

و كان عامر بن عبد القيس الزاهد العابد قَبْل هذين قد عيّر حُمرانَ بعدم عروبته، إذ أنَّ حمران وَشى بعامر عند عثمان، و دار بينهما كلامٌ، فقال حمران لعامر: لاكثّرَ اللَّهُ فينا مثلك، فقال له عامر: بل كثّر اللَّه فينا مثلك كسّاحين حجّامين (4) 59.

و هذا يوضّح أنّ حمران كان يهوديّ الأب و الأم، و أنّ عائلته كانت ملتزمةً بيهوديتها حريصةً على نشر تعاليمها، و لذلك أرسلت ولدها الصبيّ «طويدا» إلى كنيسة اليهود ليتعلم تعاليمهم (5) 60. و كان المسلمون يعرفون هذه الحقيقة، و يعرفون أنّ حمران دَعِيٌّ في العرب، و هذه المصادر ناطقة بإفشاء هذه الحقيقة التي حاول حمران و أولاده طمسها لكنها لم تُطمَس.

و النكتة الخطيرة الأخرى، هي أنّ هذا الرجلَ اليهودي الأصل و المنحدر- سُبِيَ سنة 12 للهجرة، و لم يُسلم إلّافي السنة الثالثة من


1- تاريخ الطبري 6: 154- 155.
2- في تهذيب الكمال 7: 301 «بن أبان، و يقال: ابن أبيّ، و يقال: ابنُ أَبَّا».
3- فتوح البلدان: 513، و أنساب الأشراف 13: 36.
4- انظر: المعارف: 194، و العقد الفريد 3: 378- 379.
5- انظر: تاريخ ابن خلدون 2: 82، و تاريخ ابن كثير 6: 354.

ص: 36

حكومة عثمان- اي في سنة 26- و رغم هذا الإسلام المتأخّر لمدة مديدة تراه قد تسنَّم مناصب خطيرة في دولة عثمان، حيث إنّه صيّره حاجبه وكاتبه (1) 61، و صار هذا الرجل يصلّي خلف عثمان بن عفّان فإذا أخطأ عثمان فتح عليه (2) 62، و ترقّى فصار خاتَمُ عثمان بيده (3) 63، و لمّا ثارت ثورة الأقطار، و خصوصاً المصريين، قال مروان لحمران: إن هذا الشيخ يعني عثمان قد وهن وخرف، فقم فاكتب إلى ابن أبي سرح أن يضرب أعناق مَن ألّب على عثمان، ففعلا (4) 64. ثمّ كان رجوع المصريين لقتل عثمان بسبب هذا الكتاب.

و كان حمران هذا يأخذ الرشوة، فإن المغيرة بن شعبة لما قدم على عثمان بمال من الكوفة جعل لحمران- حاجب عثمان- جُعْلًا ليخبره بمن يريد عثمان أن يستعمله بدلًا عنه، ففعل حمران ذلك (5) 65.

و لمّا رُفع لعثمان أن الوليد بن عقبة شرب الخمر، أرسل حمرانَ ليتحقق من المسألة، فرشاه الوليد، فرجع إلى عثمان و أطرى الوليد و كذّب


1- انظر: تهذيب الكمال 7: 305، و العقد الفريد 4: 70، 149، 168، و تاريخ خليفة: 106، و تاريخ الطبري 6: 180، و تاريخ دمشق 15: 178، و سير أعلام النبلاء 4: 183.
2- انظر: تهذيب الكمال 7: 304، و تاريخ دمشق 15: 177، و الاصابة 1: 380.
3- أنساب الاشراف 6: 182. و نص عبارته «و كان خاتم عثمان بديّاً في يد حمران بن أبان، ثمّ أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة، فكان معه».
4- البدء و التاريخ 2: 218.
5- تاريخ المدينة لابن شبة النميري 3: 1030- 1031. و لا يفوتك أنّه ذُكر تصحيفاً باسم «بحران حاجب عثمان».

ص: 37

شربه للخمر (1) 66.

و فوق ذلك نرى هذا الأجنبي الأسير يحظى حَظْوة عظيمة عند عثمان و عند معاوية و عند مروان، بل و عند الأمويين عموماً.

فقد اعتلَّ عثمان مرّةً علة شديدة خاف منها الموت، فدعا حمرانَ بن أبان و كتب عهداً لمن بعده- و هو عبدالرحمن بن عوف الزهري- و ربطه عثمان و بعث به إلى أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، لتوصله بعد الموت إلى عبدالرحمن، فأفشى حمرانُ ذلك إلى عبد الرحمن، و انتشر الخبر فغضب بنو أميّة، فضربه عثمان مائة سوط و سيّره إلى البصرة (2) 67. فلاحظ كيف صار حمران صاحبَ أخطر سرّ من أسرار عثمان.

قال الأصمعي: حدثني رجل، قال: قدم شيخ أعرابيٌّ فرأى حمران، فقال: من هذا؟ قالوا: حمران بن أبان، فقال: لقد رأيتُ هذا و قد مال رداؤه عن عاتقه، فابتدره مروان بن الحكم و سعيد بن العاص أيّهما يسوّيه (3) 68.

و عن عبداللَّه بن عامر، عن أبيه، قال: إنّ حمران بن أبان مدّ رجله،


1- انظر فتوح البلدان: 491، و مختصر تاريخ دمشق 7: 253، و معجم البلدان 1: 434- 435.
2- انظر تاريخ اليعقوبي 2: 169، و مختصر تاريخ دمشق 7: 254، و تهذيب الكمال 7: 304، و تاريخ المدينة 3: 1029- 1030. و رواها ابن عبد البر في التمهيد بسند صحيح.
3- انظر انساب الاشراف 6: 89، و تاريخ الطبري 6: 165، و الوافي بالوفيات 3: 169، و تهذيب الكمال 7: 305، و مختصر تاريخ دمشق 7: 254.

ص: 38

فابتدره معاوية و عبداللَّه بن عامر أيّها يغمزه (1) 69.

و يُعبِّر عنه عبدالملك بن مروان بأنّه بمنزلة عمّه و أخي أبيه، و أنّه رُبْعٌ من أرباع بني أميّة، فيكتب للحجاج حين أغرَم حمرانَ مائة ألف درهم: إنّ حمران أخو من مضى و عمّ من بقي، و هو رُبْعٌ من أرباع بني أُميّة، فارددْ عليه ما أخذتَ منه (2) 70.

و بعد كل ذلك يأتي ابن عبد البر بالعجائب، ليقول: و كان حمران أحد العلماء الجلّة أهل الوداعة و الرأي و الشرف بولائه و نسبه!! (3) 71، و يصفه الذهبي بوصف مذهل فيقول: الفارسي الفقيه (4) 72. و قد تقدم عليك قول ابن سعد: و كان كثير الحديث (5) 73.

و عند تحقيق الموضوع وجدنا أنّ حمران لا يروي إلّاعن عثمان و معاوية فقط مع أنّه عاصر كثيراً من الصحابة كالإمام علي و ابن عباس و أنس بن مالك و عبداللَّه بن عمر و عائشة... و غيرهم. و كلّ رواياته عن عثمان و معاوية لاتتجاوز عدد الأصابع، اللهمّ إلّاالوضوء العثماني فإنه هو الذي مُلئت به كتب العامة، و تكثرت عنه الطرق، حتّى أنّ بعض كتب


1- انظر مختصر تاريخ دمشق 7: 254، و تهذيب الكمال 7: 305، و الوافي بالوفيات 13: 169، و تاريخ الطبري 6: 165، و أنساب الأشراف 6: 89.
2- انظر أنساب الأشراف 6: 89، و تهذيب الكمال 7: 305، و الوافي بالوفيات 13: 169، و مختصر تاريخ دمشق 7: 254.
3- التمهيد 22: 211.
4- سير أعلام النبلاء 4: 182.
5- طبقات ابن سعد 5: 283.

ص: 39

العامة اقتصرت في رواية الوضوء الثلاثي الغسلي على رواية حمران عن عثمان!!

على أنّ الذين رووا الوضوء العثماني بواسطة حمران و بثّوه، كان قسم كبير منهم من الشعوبيين، و من موالي أبي بكر و عمر و آل أبي لهب و آل طلحة، و موالي لثقيف و مراد و عبس و بني أميّة و معاوية... فكانوا من الحاقدين على الاسلام، المصابين بعقدة السَّبْي.

و كانت من بؤر تمركزهم البصرة، التي كانت في السرّ- و أحياناً في العلن، إذ استولى عليها بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام حمرانُ و عدد من الموالي لصالح عبدالملك بن مروان (1) 74- تحت قبضة حمران و طابوره الخطير، و لذلك كان عدد كبير من رواة وضوء عثمان بطريق حمران من الموالي مَحْتِداً، و من الشاميين و البصريين مسكناً، و من القدريّين والسلطويين و أصحاب المخاريق، و من تُكُلِّم فيهم و طعنوا بشتى الطعون (2) 75.

بعد كل ما تقدّم عن حمران و ضعف الروايات التي يقع فيها، نقول: إنّ هناك رواةً آخرين مقدوحين في هذه الأسانيد العشرة:

ففي الإسناد الأوّل

إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، فإنّه لم


1- انظر أنساب الأشراف 6: 79- 93، و تاريخ دمشق 16: 125، و تاريخ الطبري 6: 153.
2- من شاء المزيد فليرجع إلى الجزء الثالث من هذه السلسلة، فإنه معقود لبيان حمران/ طويدا و منظومته السرية.

ص: 40

يثبت سماعه عن الزهري، و لم يكن ثبتاً فيما يرويه عنه.

قال صالح بن محمد الحافظ: سماعه من الزهري ليس بذاك، لأنّه كان صغيراً حين سمع من الزهري (1) 76.

و قال الذهبي: ليس هو في الزهري بذلك الثبت (2) 77.

و قال الذهلي: إبراهيم بن سعد الزهري، روى عن الزهري و عن أصحاب الزهري، فكثرت روايته لحديث الزهري و أغرب عنه (3) 78.

و قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، و ربّما أخطأ في الحديث (4) 79.

هذا كله، مع أنّ بعض تصريحات يحيى بن سعيد القطان يُفهَم منها تليينه، بل ربّما تضعيفه، فقد قال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ذُكِرَ عند يحيى بنِ سعيد القطان عقيلُ و إبراهيم بن سعد، فجعل كأنّه يضعّفهما، يقول: عقيل و إبراهيم بن سعد!! عقيل و إبراهيم بن سعد!! (5) 80 و قال ابن عدي: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا أحمد بن محمد الحمّاني، قال: رأيت إبراهيم بن سعد عند شريك، فقال: يا أبا عبداللَّه


1- تهذيب الكمال 2: 92.
2- هامش تهذيب الكمال 2: 94.
3- تهذيب الكمال 32: 310.
4- طبقات ابن سعد 7: 322.
5- انظر تهذيب التهذيب 1: 122- 123، و هامش تهذيب الكمال 2: 94. ثمّ إن أحمد بن حنبل راح يدافع عن إبراهيم بن سعد هذا، و يتّهم يحيى بن سعيد القطان بأنّه لم يخبر حاله.

ص: 41

معي أحاديث تحدثني؟ قال: أجدني كَسِلًا، قال: فأقرأها عليك؟ قال: ثمّ تقول ماذا؟ قال: أقول حدثني شريك، قال: إذاً تكذب (1) 81.

فخلاصة الاسناد الاوّل هو أنّ إبراهيم لم يثبت سماعه عن الزهري، و إذا ثبت فليس هو بالثبت، و أنّه يخطئ في بعض ما يحدّث به، و قد ليّنه القطان.

و كان هذا الراوي قد حَلَفَ و أقسم أن لا يحدّث حديثاً إلّاأن يُغنّي قبله!! قال الخطيب البغدادي: أتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه أحاديث الزهري فسمعه يتغنّى، فقال: لقد كنتُ حريصاً على أن أسمع منك، فأمّا الآن فلا سمعتُ منك حديثاً أبداً، فقال: إذاً لا أفقد إلّا شخصك، عَلَيَّ و عَلَيَّ إن حدّثتُ ببغداد- ما أَقَمْتُ- حديثاً حتّى أُغنّي قبله.

و شاعت هذه عنه ببغداد، فبلغت الرشيد، فدعا به، فسأله عن حديث المخزومية التي قطعها النبيُّ في سرقة الحُليّ، فدعا بعود، فقال الرشيد: أَعُود المجمر؟ قال: لا، و لكن عود الطرب، فتبسّم الرشيد، ففهمها إبراهيم بن سعد، فقال: لعلّه بلغك يا أميرالمؤمنين حديث السفيه الذي آذاني بالأمس و ألجأني إلى أن حلفت؟ قال: نعم، و دعا الرشيد بعُودٍ، فغنّاه:

يا أمّ طلحةَ إِنَّ البينَ قد أَفِداقَلَّ الثواءُ لئن كان الرحيلُ غدا

فقال الرشيد: مَن كان من فقهائكم يكره السماع؟ قال: من ربطه اللَّه، قال: فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا شي ء؟ قال: لا و اللَّه إلّاأنّ أبي أخبرني أنّهم اجتمعوا في مدعاةٍ كانت في بني يربوع، و هم يومئذ جِلّة،


1- الكامل لابن عدي 1: 246.

ص: 42

و مالِكٌ أقلّهم من فقهه و قدره، و معهم دفوف و معازف و عيدان، يغنّون و يلعبون، و مع مالك دفّ مربّع و هو يغينهم:

سُلَيمى أجمعت بينافأين لقاؤها أينا

و قد قالت لأترابٍ لها زُهْرٍ تَلاقَينا

تعالَين فقد طابَ لنا العيشُ تعالينا

فضحك الرشيد و وصله بمال عظيم (1) 82. فها هو يخلط الحديث النبوي الشريف بمقدمة غنائية، و يدّعي أنّ الإمام مالكاً كان بيده دفّ و يغنّي!!

كما أنّ في هذا الإسناد و الأسانيد التسعة الآتية ابن شهاب الزهري:

و سيأتيك تفصيل حاله في «نسبة الخبر إليه» لأن العشرة الأولى من روايات حمران عن عثمان- التي هي العمدة عندهم- كلّها رويت بطريق الزهري. فلنا معه وقفة هناك.

و في الإسناد الثاني

مضافاً إلى حمران و سلطوية الزهري:

أبو اليمّان الحكم بن نافع البهراني، فإنّ سماعَهُ من شعيب لم يثبت، إذ كان قد أخذ كتبَ شعيبٍ وراح يحدث عنها، فأحاديثه عن شعيب منقطعة.

فقد صرّح أبو زرعة و محمّد بن عوف بأنّ أبا اليمان لم يسمع من شعيب إلّاحديثاً واحداً (2) 83.


1- تاريخ بغداد 6: 84.
2- انظر تصريح أبي زرعة في تهذيب الكمال 7: 15، و تصريح محمد بن عوف في سير أعلام النبلاء 10: 322.

ص: 43

قال ابن شعيب بن أبي حمزة: إن أبا اليمان جاءني فأخذ كتب شعيب منّي بَعْدُ، و هو يقول: «أخبرنا»، فكأنّه استحلّ ذلك بأن سمع شعيباً يقول لقومٍ: «ارووه عنّي» (1) 84.

و حدّث أبوبكر الأثرم أنّه سمع أبا عبداللَّه أحمد بن حنبل حيث سُئل عن أبي اليمان... فقال للسائل: أيّ شي ء تنبش على نفسك؟! ثمّ قال.

أبو عبداللَّه: هو يقول «أخبرنا شعيب» و استحلّ ذلك بشي ءٍ عجيب... (2) 85 و هذا التدليس من أبي اليمان يجعل روايته عن شعيب منقطعة.

و في الإسناد الثالث و الرابع

حمران بن أبان، و قد عرفت حاله.

و في الإسناد الخامس

حرملة بن يحيى التجيبي، أبو حفص المصري، فقد قال أبو حاتم:

يكتب حديثه و لا يحتج به (3) 86.

و قال ابن عدي: سألت عبداللَّه بن محمد بن إبراهيم الفرهاذاني أن يملي عَلَيَّ شيئاً من حديث حرملة، فقال لي: يا بُني، و ما تصنع بحرملة؟

حرملةُ ضعيف! ثمّ أملى عَلَيَّ عن حرملة ثلاثة أحاديث لم يزدني عليها (4) 87.


1- تهذيب الكمال 7: 150.
2- تهذيب الكمال 7: 149.
3- الجرح و التعديل 3/ الترجمة 122.
4- الكامل في ضعفاء الرجال 2: 458، طبقات الحفاظ: 214.

ص: 44

و قال الدوري: سمعت يحيى يقول: كان شيخ بمصر يقال له: حرملة، كان أعلم الناس بابن وهب، فذكَرَ عنه يحيى أشياء سمجة كرهتُ ذِكرْها (1) 88. و هو مع ذلك ممن وثّقه ابن شاهين (2) 89 وغيره!!

كما إن في هذا الإسناد يونس بن يزيد بن أبي نجاد الأيلي، أبو يزيد القرشي، فهو و إن وثّقه العجلي و النسائي و يحيى بن معين (3) 90، لكنّ هناك من وصفه بأوصاف تُنزله عن درجة الوثاقة، فقد قال يعقوب بن شيبة:

صالح الحديث، عالم بحديث الزهري (4) 91.

و قال وكيع: لقيت يونس بن يزيد الايلي فذاكرته باحاديث الزهري المعروفة فجهدت أن يقيم لي حديثاً فما اقامه (5) 92.

و قال محمد بن سعد: كان حلو الحديث كثيره و ليس بحجة، و ربّما جاء بالشي ء المنكر (6) 93.

و قال أبو زرعة: لا بأس به (7) 94.

و قال ابن خراش: صدوق (8) 95.


1- تاريخ ابن معين برواية الدوري 2: 366، تهذيب الكمال 5: 55.
2- انظر هامش تهذيب الكمال 5: 552.
3- انظر تثيق العجلي في كتابه الثقات: 488، و توثيق النسائي في تهذيب الكمال 32: 557، و توثيق يحيى بن معين في الجرح و التعديل 9/ الترجمة 1042.
4- تهذيب الكمال 32: 557.
5- الجرح و التعديل 1: 224.
6- الطبقات الكبرى 7: 520.
7- الجرح و التعديل 9: الترجمة 1042.
8- تهذيب الكمال 5: 557.

ص: 45

و قال ابن حجر: ثقة إلّاأنّ في روايته عن الزهري وَهَماً قليلًا، و في غير الزهري خطأ (1) 96.

و أنت تعلم أنّ قولهم «صالح الحديث» «لا بأس به» «صدوق» «ليس بحجة» يعني نزوله عن مرتبة الوثاقة، فيكون عدُّ روايته صحيحةً في غاية الإشكال.

و في الإسناد السادس و السابع و الثامن

حمران بن أبان، و قد عرفت حاله.

و في الإسناد التاسع

عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد السامي القرشي البصري، فهو و إن وثقه ابن معين (2) 97 و أبو زرعة (3) 98، لكنّ هناك من ليّنه و وصفه بما ينزل به عن الوثاقة.

قال أبو حاتم: صالح الحديث (4) 99.

و قال النسائي: ليس به بأس (5) 100.


1- تقريب التهذيب 2: 386.
2- الجرح و التعديل 6/ الترجمة 147، تهذيب الكمال 16: 361.
3- الجرح و التعديل 6/ الترجمة 147، تهذيب الكمال 16: 361.
4- الجرح و التعديل 6/ الترجمة 147.
5- تهذيب الكمال 16: 362.

ص: 46

و قال ابن سعد: لم يكن بالقوي في الحديث (1) 101.

و قال الذهبي: صدوق (2) 102.

و قال محمد بن بشار: و اللَّه ما كان يدري عبد الأعلى بن عبد الأعلى أنّ طرفيه أطول أو أنّ رجليه أطول (3) 103!

و فوق هذا فإنه كان قدريّاً، فقد قال العقيلي: حدثنا عبداللَّه بن أحمد، قال: قال أبي أي أحمد بن حنبل: عبد الأعلى بن عبد الأعلى كان يرى القَدَر (4) 104.

و قال ابن حبّان: كان متقناً في الحديث، قَدَريّاً غير داعية إليه (5) 105.

و قال ابو داود: تغيّر بعد الهزيمة (6) 106، و في سؤالات الآجري: تغيّر عند الهزيمة (7) 107.

و من كان هذا حاله، فلا يُحكَم لمرويّاته بالصحّة، بل يحكم لها بأنّها حَسَنةٌ، هذا إذا صحّ أنه لم يكن داعياً للقدر، فأما إذا كان داعية له سقطت روايته حتى عن درجة الحُسْن.

و إذا علمتَ بأنّ الهزيمة- هزيمة إبراهيم بن عبداللَّه بن الحسن- كانت سنة 145 ه، تبين لك أنّ نصر الجهضمي روى عن عبد الأعلى بعد تغيّره،


1- طبقات ابن سعد 7: 290.
2- المغني في الضعفاء 6/ الترجمة 3445.
3- الضعفاء للعقيلي 3: 59.
4- الضعفاء للعقيلي 3: 58.
5- الثقات لابن حبان 7: 130.
6- هامش تهذيب الكمال 16: 362.
7- سؤالات الآجري 1: 350.

ص: 47

لأنّ عبد الأعلى مات سنة 189 ه، و نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي مات سنة 250 ه، فإذا أردنا أن نفرض سماعه من عبد الأعلى قبل الهزيمة فلا بد أن يكون عمره أكثر من 105 أعوام بمقدار يمكن له معه تحمّل الرواية، كأن يكون نصر ولد سنة 137 ليكون عمره 8 سنوات عند الهزيمة، و هذا بعيد جدّاً؛ لأنّ ذلك يلزم منه أن يكون عُمْر نصر 113 سنة، و هذا العمر الطويل له لم ينصّ عليه أحد.

و في الإسناد العاشر

الحسن بن علي الخلال الحلواني، الذي وثقة النسائي (1) 108 و يعقوب بن أبي شيبة (2) 109 و الخطيب البغدادي على ما حُكِي عنه (3) 110، و لكنّ هناك من قدحوه و ذموه وجرحوه، فقد قال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل فيه: لم يحمده أبي (4) 111، و قال عنه أحمد أيضاً: تبلغني عنه أشياء أكرهُها (5) 112، و قال عنه أيضاً: ما أعرفه بطلب الحديث، و لا رأيته يطلب الحديث (6) 113، و قال عنه:


1- تهذيب الكمال 6: 262.
2- تهذيب الكمال 6: 262.
3- حكاه المزي عنه في تهذيب الكمال 6: 262، لكنّا ما وجدنا هذا التوثيق في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7: 366، فراجعْه.
4- تهذيب الكمال 6: 262، تاريخ بغداد 7: 365- 366، تهذيب التهذيب 2: 303.
5- تهذيب الكمال 6: 262، تاريخ بغداد 7: 365- 366، تهذيب التهذيب 2: 303.
6- تهذيب الكمال 6: 262، تاريخ بغداد 7: 365- 366، تهذيب التهذيب 2: 303.

ص: 48

أهل الثغر عنه غير راضين (1) 114.

و قال داود بن الحسين: سألتُ أباسلمة بن شبيب عن علم الحُلواني فقال: يُرمى في الحشّ (2) 115.

فالإمام أحمد ذمّه بشكل يوجب التوقّف في قبول مروياته، و أبو سلمة بن شبيب لم يقبل علم الحلواني أصلًا، بل نرى الإمام أحمد لايقتصر على جرحه الفردي، بل نقل لنا عدم رضى أهل الثغر عنه، و هم مجموعة من المسلمين، و هذا ذمٌّ جمعي ليس هو كالذمّ الفردي.

و خلاصة الكلام فيه أن توثيقه مطلقاً مشكل، و طرحه مطلقاً مشكل أيضاً، فلا بد من التوقّف في مروياته و النظر فيها، فإذا عارضته رواية الثقات فلا يُحتجّ به.

هذا حال أسانيد الروايات العشر الأولى، و تبقى الروايات الثلاث الأخرى (11، 12، 13)، فهي عن حمران أيضاً، و هي ضعيفة السند من جهة حمران أيضاً، لكنّ الروايتين (11 و 12) رواهما أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، عن حمران. والرواية (13) رواها مُعاذ بن عبدالرحمن التيمي عن حمران. و لكي تقف على حال هذه الأسانيد الثلاثة نقول:

في الإسناد الحادي عشر

محمد بن المثنّى بن عبيد العنزي البصري، الزَّمِن، الذي وُصِف


1- تهذيب الكمال 6: 262، تاريخ بغداد 7: 365- 366، تهذيب التهذيب 2: 303.
2- تهذيب الكمال 6: 262، و الحشُّ هو الكنيف.

ص: 49

بأوصاف تدل على عدم ضبطه و أنه ليس بالثبت في الحديث:

قال النسائي: لا بأس به، كان يغيّر في كتابه (1) 116.

و قال صالح بن محمد الحافظ: صدوق اللهجة، و كان في عقله شي ء (2) 117.

و قال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق (3) 118.

و قال الخطيب البغدادي: كان صدوقاً، ورعاً، فاضلًا، عاقلًا (4) 119.

و قد عرفت أن «لا بأس به» و «صدوق» و «صالح» و ما شابهها تُشعر بعدم شريطة الضبط، فمرويات مثل هؤلاء لا يعتمد عليها إلّابعد النظر، هذا مع سلامة الراوي من باقي القدوح، و أمّا إذا كان الراوي يغيّر في كتابه و كان في عقله شي ء، فالاعتماد على رواياته يكون سفهاً واضحاً.

كما أنّ فيه عبدالرحمن بن وردان، أبابكر المكّي، الذي قال يحيى بن معين في حقه: صالح (5) 120.

و قال ابو حاتم: ما بحديثه بأس (6) 121.

و قال الدارقطني: ليس بالقوي (7) 122.


1- تهذيب الكمال 26: 363.
2- تهذيب الكمال 26: 363.
3- الجرح و التعديل 8/ الترجمة 409.
4- تاريخ بغداد 3: 285.
5- تهذيب الكمال 17: 477.
6- الجرح و التعديل 5/ الترجمة 1401.
7- تهذيب التهذيب 6: 293.

ص: 50

و قال ابن حجر: مقبول (1) 123.

و هذه الألفاظ كما قلنا تُنْزِل الراوي عن مرتبة الوثاقة و تكون روايته حسنةً لا صحيحة، هذا إذا كان باقي الرواة ثقاةً عدولًا و أمّا هنا فقد علمت أنّ في هذه الرواية محمد بن المثنى الزمن، و عبدالرحمن بن وردان، و حمران بن أبان طويدا اليهودي!!

و في الإسناد الثاني عشر

عبدالرحمن بن وردان، و حمران بن أبان، و قد علمت حالهما، فالرواية ساقطة عن الاحتجاج بها سنداً.

و في الإسناد الثالث عشر

إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، الذي مرّ عليك أنه ليس بالثبت، و أنّه يخطئ في بعض ما يحدّث به، و أن يحيى بن سعيد القطان قد ليّنه بل ربّما ضعّفه، كما مرّ عليك أنّ هذا الراوي كان لا يحدّث بحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّاأن يُغنِّيَ قبله، و ادّعى على الإمام مالك أنّه كان معه دفّ مربّع و هو يغنّي في مدعاةٍ لبني يربوع، و لذلك أجازه هارون الرشيد و وصله بمال عظيم.

كما أنّ في هذا الحديث محمد بن إسحاق بن يسار، الذي كان جدّه


1- تقريب التهذيب 2: 502.

ص: 51

يسار من سَبْي عين التمر- أي سُبي مع حمران بن أبان- و قد وردت في محمد بن إسحاق جروحات كثيرة جدّاً، فقد قال الإمام مالك: دجّال من الدجاجلة (1) 124. و في آخر: اشهد انه كذاب (2) 125.

و قال الجوزجاني: يُرمى بغير نوعٍ من أنواع البدع (3) 126.

و قال هشام بن عروة: ابن إسحاق كذاب (4) 127.

و قال أبو داود الطيالسي: ما رويت عنه إلّابالاضطرار (5) 128.

و قال أحمد بن حنبل: كان يدلّس، و قال أيضاً: ليس بحجّة (6) 129. و في آخر: كان ابن اسحاق يشتهى الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه (7) 130 و قال عبداللَّه بن احمد عن ابيه: لم يكن يحتج به اى احاديث ابن اسحاق في السنن (8) 131.

و قال ابن أبي خيثمة: قال ابن معين: ليس بذاك، ضعيف (9) 132.

و عن أبي خيثمة، عن ابن معين: سقيم ليس بالقوي (10) 133.

و قال الميموني: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحاق ضعيف (11) 134.


1- سير أعلام النبلاء 7: 38.
2- الضعفاء و المتروكين لابن الجوزي 3: 41، الكامل في الضعفاء 6: 103.
3- تهذيب الكمال 24: 418.
4- سير أعلام النبلاء 7: 54.
5- سير أعلام النبلاء 7: 52.
6- تهذيب الكمال 24: 422.
7- سير أعلام النبلاء 7: 46.
8- المصدر نفسه.
9- تاريخ بغداد 1: 232.
10- تاريخ بغداد 1: 232، تهذيب الكمال 24: 423.
11- سير أعلام النبلاء 7: 47.

ص: 52

و قال النسائي: ليس بالقوي (1) 135.

و قال الدارقطني: لا يحتج به (2) 136.

و كان يحيى بن سعيد القطان يضعّفه (3) 137.

و بعض هذه الطُّعون يكفي في إسقاط الراوي و روايته، فكيف بها و قد اجتمعت كلّها في محمد بن إسحاق.

هذا مع أنّ معاذ بن عبدالرحمن بن عثمان بن عبيداللَّه بن عثمان التيمي، من آل طلحة، لم يوثّقه أحد سوى ابن حبان حيث ذكره في الثقات، و الذهبي، و قد علمت أنّ انفراد ابن حبان بالتوثيق لا تقوم به حجّة، و الذهبي متأخِّر فلا قيمة لتوثيقه، و لذلك فإنّ أحسن ما يمكن أن يقال فيه هو أنّه «صدوق»، و هي مرتبة دون الوثاقة.

فيكون هذا الإسناد مبتلى بحمران، و إبراهيم بن سعد، و محمد بن إسحاق، و معاذ بن عبدالرحمن التيمي.

إلى هنا تنتهي المناقشة السندية للروايات التي رواها حمران بن أبان (طويدا اليهودي)، و هناك روايات رواها عن عثمان أناس غير حمران، و هي الروايات (14- 28)، و التي سنناقش أسانيدها الآن.


1- الضعفاء للنسائي/ الترجمة 513.
2- سير أعلام النبلاء 7: 54.
3- سير أعلام النبلاء 7: 52.

ص: 53

المناقشة السندية لمرويّات غير حمران عن عثمان

ص: 54

ص: 55

و أوّلها السند الرابع عشر

و فيه سعيد بن زياد المؤذّن، مولى جهينة ابن زهرة، فإنّه لم يَرِدْ فيه توثيق الّا من ابن حبّان، و قد عرفت مراراً أنّ انفراد ابن حبان بالتوثيق لا يساوي شيئاً، فالرجُل مجهول الحال.

قال عثمان بن سعيد قلت ليحى بن معين: فسعيد الموذن؟ قال:

لا اعرفه (1) 138.

كما أنّ هذا السند مبتلى بالإرسال، فإنّ عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة التيمي الأحول، لم يسمع من عثمان، قال أبو زرعة: عبداللَّه بن أبي مليكة عن عمر مرسل، و عن عثمان مرسل (2) 139.

و السند الخامس عشر

فيه عبيداللَّه بن أبي زياد القداح، فإن مجموع الأقوال الواردة فيه تدلّ


1- تاريخ بن معين (الدارمي): 118.
2- المراسيل لابن أبي حاتم: 99/ الترجمة 183.

ص: 56

على أنّه ضعيف.

قال العقيلي: كان يروي المراسيل، و لا يقيم الحديث (1) 140.

و قال ابن معين- وفق رواية معاوية بن صالح، و الدوري، و جعفر ابن أبان، عنه-: ضعيف (2) 141.

و قال أبو داود: أحاديثه مناكير (3) 142.

و قال النسائي: ليس به بأس (4) 143. و قال أيضاً: ليس بالقوي (5) 144.

و قال في موضع آخر: ليس بثقة (6) 145.

و قال يحيى بن سعيد القطان: كان وسطاً، لم يكن بذاك (7) 146.

و أدرجه البخاري في الضعفاء (8) 147.

و هذه الأقوال جميعاً يظهر منها أنّ هذا الرجل ضعيف، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الذهبي ذكره في كتبه الثلاثة: ميزان الاعتدال (9) 148، و ديوان


1- الضعفاء، للعقيلي 3: 118.
2- الضعفاء، للعقيلي 3: 119، و تهذيب الكمال 19: 42، و المجروحين لابن حبان 2: 66. و انفرد أبو مريم بالنقل عن ابن معين بأنه قال: ثقة. تهذيب الكمال 19: 43.
3- تهذيب الكمال 19: 43.
4- تهذيب الكمال 19: 43.
5- الضعفاء و المتروكين، للنسائي: الترجمة 255.
6- تهذيب الكمال 19: 44.
7- الضعفاء، للعقيلي 3: 119.
8- ضعفاء البخاري الصغير: 146/ الترجمة 214.
9- ميزان الاعتدال 3: الترجمة 5360.

ص: 57

الضعفاء (1) 149، و المغني في الضعفاء (2) 150، و لم يدافع عنه، مع أنّه يدافع بكل حيلة عن الرواة المقدوحين محاولًا توثيقهم، و حيث سكت عن القدح و لم يدافع عنه فهمنا ميله إلى أقوال التليين.

هذه هي أحسن الروايات حالًا وقد استُدِل بها على الوضوء العثماني الثلاثي الغَسلي، و هي كما ترى كلّها لا تنهض للحجية، خصوصاً بعد أن علمت بأنّ الثلاث عشرة الأولى كان رأس الحربة فيها حمران بن أبان (طويدا بن أبَّا) اليهودي التمري!!

و أمّا باقي الروايات فما هي إلّاتكثير لروايات عثمان الوضوئية، تُرى لماذا هذا التكثّر عن عثمان؟ و ماهي قيمة هذه الروايات الوضوئية العثمانية التي كانت منتشرة في القرون الأولى، و ما زالت تملأ بطون الصحف و الأوراق، مع أنّ حالها يُرثى له؟ فإنّك إذا وقفتَ على أسانيد هذه الروايات التكثيرية- مضافاً لما سيأتي بيانه في مناقشة متونها- عرفت أنّ في انتشارها سرّاً تكمن وراءه عدة دوافع.

أمّا السند السادس عشر

فيُضعَّف من جهتين، أُولاهما: من جهة عامر بن شقيق بن جمرة


1- ديوان الضعفاء 2: الترجمة 2692.
2- المغني في الضعفاء 2: 3922.

ص: 58

الأسدي، فقد قال فيه يحيى بن معين: ضعيف الحديث (1) 151.

و قال أبو حاتم: ليس بقويّ، و ليس من أبي وائل بسبيل (2) 152.

و قال ابن حجر: ليّن الحديث (3) 153.

و تكلم فيه احمد بشى ء (4) 154.

و قال ابن حزم الأندلسي و هو في معرض الكلام على تخليل اللحية في هذا الحديث: و هذا حديث لا يصحّ؛ لأنّ عامراً ليس مشهوراً بقوّة النقل (5) 155.

و مما يؤيّد كونه ممّا لا يمكن الاحتجاج به، أنّ متن هذا الحديث معلول، و لا يمكن صدوره عن شخص واحد بهذه الأشكال المرتبكة كما سيأتي بيانها في المناقشة المتنيّة.

و الجهة الثانية التي يضعّف بها هذا السند: هي من قِبَلِ أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي، فإنّه كان سلطويّاً و من وعّاظ السلاطين، مضافاً إلى ما فيه من مغمز التدليس (6) 156 أو الإرسال الخفي (7) 157.

لقد كان شقيق بن سلمة يفضّل عليّاً على عثمان- كما هو الحق- ثمّ انقلب فصار يفضّل عثمان على عليّ، قال حماد بن زيد: قال عاصم بن


1- الجرح و التعديل 6/ الترجمة 1801.
2- الجرح و التعديل 6/ الترجمة 1801.
3- تقريب التهذيب 1: 387.
4- بحر الدم: 224، علل أحمد بن حنبل: 60.
5- انظر هامش تهذيب الكمال 14: 42 عن إكمال مغلطاي.
6- هو رواية الراوي عمن سمع منه، ما لم يسمع منه بالصيغة الوهمية.
7- هو رواية الراوي عمن عاصره، و لم يسمع منه بالصيغة الوهمية.

ص: 59

بهدلة: قيل لأبي وائل: أيّهما احبّ إليك، علي أو عثمان؟ قال: كان عليٌّ أحبَّ إليَّ، ثمّ صار عثمان أحبَّ إليَّ من عليّ (1) 158.

كما كان هذا الرجل مدافعاً عن الحجاج الثقفي، فقد أخرج أبو نعيم بسنده عن الزبرقان، قال: كنت عند أبي وائل- شقيق بن سلمة-/ فجعلتُ أسبُّ الحجاج و أذكر مساوئَه، فقال: لا تسبَّهُ، و ما يدريك لعله قال:

اللهم اغفرْ لي، فغَفَر له (2) 159!!

و كان أبو وائل يُرسِل، قال أبو زرعة: أبو وائل عن أبي بكر الصديق مُرسل (3) 160.

و قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: أبو وائل سمع من أبي الدرداء؟ قال:

أدركه و لا يحكي سماع شي ء، أبو الدرداء كان بالشام، و أبو وائل كان بالكوفة، قلت: كان يدلّس؟ قال: لا هو كما يقول أحمد بن حنبل. يعني انّه كان يرسل و لا يدلّس (4) 161.

و قال أحمد بن محمد الأثرم: قلت لأبي عبداللَّه: أبو وائل سمع من عايشة؟ قال: ما أرى، أُدْخِلَ بينهما مسروق في غير شي ء (5) 162.

و مع كل هذا فلا نستبعد أن يكون أبو وائل قد دلّس حديث الوضوء عن عثمان أو أنّه أرسله إرسالًا خفيّاً، فما قاله أبو حاتم من أنّ أبا وائل كان يرسل و لا يدلّس، عجيب، لأنّ كون أبي وائل يحدّث عن صحابيّ بشكل


1- تهذيب الكمال 12: 553.
2- حلية الأولياء 4: 102.
3- المراسيل لابن أبي حاتم: 77.
4- المراسيل لابن أبي حاتم: 77.
5- المراسيل لابن أبي حاتم: 77.

ص: 60

يخفى على السامع هو عين التدليس، فإنّ معنى التدليس هو الرواية عن المعاصِرِ مع عدم سماعه منه.

و الذي يزيد هذا الاحتمال قُرباً هو أنّ أبا وائل كوفي، و عثمان في المدينة، فمتى رأى وضوءه و رواه عنه؟! فكما أن أبا وائل لم تصحَّ روايته عن أبي الدرداء الذي كان في الشام، فكذلك لا تصحّ روايته عن عثمان الذي كان في المدينة.

و أمّا السند السابع عشر

ففيه عبدالحميد بن عبداللَّه بن عبداللَّه بن أويس، أبوبكر بن أبي أويس الأعشى، فقد ضعفه النسائي (1) 163.

و قال الازدي: كان يضع الحديث (2) 164.

و قال عنه ابن معين مرة: ثقة، و قال اخرى: ليس بن بأس (3) 165.

و قال ابن حزم: أبوبكر متكلم فيه (4) 166، و قال أيضاً: غمز غمزاً شديداً (5) 167، و في نص قالت: مذكور عنه في روايته أمرٌ عظيم (6) 168.


1- تهذيب التهذيب 6: 118.
2- ميزان الاعتدال 4: 244/ الترجمة 4769، المغني في الضعفاء 2: 587/ الترجمة 3481، و لكن القوم لمّا لم يعجبهم ذلك حَمَلوا على الأزدي حملات شعواء، فقال الذهبي: و هذه زلة قبيحة منه، و قال بشار عواد في تحرير تقريب التهذيب 2: 299 لو لم يذكر قول الازدي لكان أحسن.
3- تهذيب الكمال 16: 445.
4- المحلى 3: 273.
5- المحلى 4: 138.
6- المحلى 7: 384.

ص: 61

كما أن فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيداللَّه التيمي، الضعيف جدّاً، و الذي لا يمكن الاحتجاج به لا في الأصول و لا في الاعتبار.

قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عنه، فقال: ذاك شِبْهُ لا شي ء (1) 169.

و قال أيضاً: نحن لا نروي عنه شيئاً (2) 170.

و قال أحمد بن حنبل: مُنكَر الحديث ليس بشي ء (3) 171.

و قال أيضاً: متروك الحديث (4) 172.

و قال يحيى بن معين: ضعيف. و قال مرّة أخرى: ضعيف، ليس بشي ء، لا يُكتَب حديثه (5) 173.

و قال عمرو بن علي: متروك الحديث، منكر الحديث (6) 174.

و قال النسائي: ليس بثقة (7) 175. و قال أيضاً: متروك الحديث (8) 176.

و قال أبو زرعة: واهي الحديث (9) 177.


1- تهذيب الكمال 2: 490.
2- تهذيب الكمال 2: 490.
3- الجرح و التعديل 1: 237.
4- تهذيب الكمال 2: 491.
5- تهذيب الكمال 2: 491.
6- تهذيب الكمال 2: 491.
7- تهذيب الكمال 2: 491.
8- تهذيب الكمال 2: 491.
9- الجرح و التعديل 1: 237.

ص: 62

و قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس بقوي، و لا يمكننا أن نعتبر حديثه (1) 178.

و قال الدارقطني: إسحاق بن يحيى ضعيف (2) 179.

و صرّح بشار عواد أيضاً بانّه ضعيف (3) 180.

كما أن في هذا السند أيوب بن سليمان بن بلال التيمي، مولى عبداللَّه بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر، فإنّه أيضاً مخدوش، فقد قال الساجي و ابو الفتح: يحدّث بأحاديث لا يُتابَع عليها ثم ساق الازدي له احاديث غريبة صحيحة (4) 181.

و قال ابن عبدالبر في التمهيد: أيوب بن سليمان بن بلال ضعيف (5) 182.

و ليَّنَه الدارقطني بقوله: ليس به بأس (6) 183.

كما لينّه الباجي بقوله: و هو صالح لا بأس به (7) 184.

و مع توثيق ابن حبان له (8) 185، و أبي داود فيما روى عنه الآجري (9) 186، (10) 187


1- الجرح و التعديل 1: 237.
2- سنن الدارقطني 1: 91/ ذيل ح 1. و من كل هذه الأقوال تعلم مقدار مجافاة البخاري و الترمذي للحقيقة حيث قالا أنه متكلّم فيه من قِبَلِ حِفظه، مع أنك وقفتَ على أنه ضعيف في نفسه، مضافاً الى كونه واهي الحديث.
3- تحرير تقريب التهذيب 1: 124.
4- تهذيب التهذيب 1: 404.
5- هامش تهذيب الكمال 3: 473.
6- تهذيب التهذيب 1: 404.
7- التعديل و التجريح 1: 369.
8- ثقات ابن حبان 8: 126.
9- تهذيب التهذيب 1: 404.
10- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، وضوء عثمان بن عفان من النشأة إلي الإنتشار، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

ص: 63

فإن أحسن، ما يكون هو أنّ الرواية التي يقع فيها أيّوب بن سليمان تصلح للشواهد و المتابعات و لا يمكن الاحتجاج بها، فإذا ضممت إلى أيوب المليَّنِ إسحاقَ بن يحيى المضعَّف، و عبدالحميد بن عبداللَّه الذي قيل بأنّه يضع الحديث، عرفتَ سقوط قيمة هذا السند.

و أمّا السند الثامن عشر

ففيه طلحة مولى آل سراقة، و هو مجهول الشخص و الحال (1) 188، و قد وصلت جهالته إلى حدّ أنّهم احتملوا اتّحاده مع طلحة بن سَمرُة المجهول، و مع طلحة- عن أبي شهدة- المجهول (2) 189.

كما أنّ فيه عطاف بن خالد بن عبداللَّه بن العاص المخزومي، الذي لم يكن الإمام مالك بن أنس يرضاه.

قال مطرف: قال لي مالك: عطّاف يحدّث؟! قلت: نعم. فأعظَمَ ذلك! (3) 190 و قال مالك: عطّاف يحدّث؟! قيل: نعم، قال: إنّا للّه و إنا إليه راجعون! (4) 191


1- انظر التاريخ الكبير للبخاري 4: 350، و الجرح و التعديل 4: 481.
2- انظر هامش الجرح و التعديل 4: 481، و لسان الميزان 3: 211.
3- تهذيب التهذيب 7: 222. سير أعلام النبلاء 8: 273.
4- تهذيب التهذيب 7: 222. الكامل في ضعفاء الرجال 5: 378.

ص: 64

و قال أحمد بن حنبل: لم يرضَهُ ابن مهدي (1) 192.

و قال الدارقطني: ضعيف (2) 193.

و ضعّفه العقيلي (3) 194، و البيهقي (4) 195، و ذكره ابن الجوزي في الضعفاء (5) 196.

و لينه يحى بن معين و البزار و ابو زرعة و ابو حاتم الرازيان و ابن عدى و ابو داود و النسائي.

و قال ابن حزم الأندلسي: إنّ عطاف بن خالد ساقطٌ لا تحلّ الرواية عنه إلّاعلى بيان ضعفه (6) 197.

و مع ضعف طلحة و عطاف، نرى أنّ عطافاً الضعيف تفرّد بهذه الرواية عن طلحة مولى آل سراقة المجهول، و الحديث الذي يرويه غير الثقة مع الانفراد يكون ضعيفاً.

قال الطبراني بعد إخراجه هذا الحديث في معجمه الأوسط: لم يروِ هذا الحديثَ عن معاوية بن عبداللَّه بن جعفر إلّاطلحة مولى آل سراقة، تفرّد به عطاف (7) 198.

و قال بعد إخراجه هذا الحديث في معجمه الصغير: لم يروه عن عبداللَّه بن جعفر الا ابنه معاوية، و لا عن معاوية إلّاطلحة، تفرّد به عطاف (8) 199.


1- تهذيب الكمال 20: 140.
2- الضعفاء و المتروكين/ الترجمة 425.
3- هامش تاريخ الثقات، للعجلي: 335.
4- المجموع للنووي 9: 62.
5- الضعفاء لابن الجوزي/ الورقة 107.
6- المحلى 4: 127.
7- المعجم الاوسط 8: 235.
8- المعجم الصغير 1: 187.

ص: 65

فهذا الحديث مُبتلى بعطاف الضعيف، و طلحة المجهول، و بالتفرّد المُسقِط للرواية.

و أما السند التاسع عشر

ففيه ابن دارة مولى عثمان، و هو مجهول الشخص و الحال و لا يُعرَف عنه إلّاأنّه من موالي عثمان المخترع للوضوء الثلاثي الغسلي.

قال ابن حجر: و ابن دارة مجهول الحال (1) 200.

و قال الشوكاني: ابن دارة مجهول الحال (2) 201.

و حاول القوم عدّه في الصحابة- ليتسنّى لهم أن يقولوا أنّه صحابي ثقة- لكن خانهم خفاء حال هذا الرجل عليهم، بل خفاء اسمه!

قال ابن حجر: و اختُلِف في اسمه، فذكره ابن منده في الصحابة فسمّاه عبداللَّه، و لم يذكر دليلًا على صحبته... و سمّاه البخاري زيداً (3) 202.

و قال ابن الأثير: و اختُلِف في اسمه، فقيل: عبداللَّه، و قيل: زيد بن دارة (4) 203.


1- تلخيص الحبير 1: 411.
2- نيل الاوطار 1: 197.
3- تعجيل المنفعة: 533.
4- أسد الغابة 3: 152. و لا ينقضي العجب من ابن حبان حيث ذكره في كتابه الثقات 4: 247 مع أنّه كما عرفت مجهول.

ص: 66

هذا من جهة السند، و من جهة المتن، ترى هذا الحديث مضطرباً أيضاً، لأنّ فيه تارة أنّ ابنَ دارة هو الذي دخل على عثمان، و سمعه عثمان يتمضمض فدعاه لتعليم الوضوء، و تارة أخرى أن محمد بن عبداللَّه بن أبي مريم هو الذي دخل على ابن دارة فسمعه ابنُ دارة يتمضمض فدعاه لتعليم الوضوء.

و امّا السند العشرون

ففيه صالح بن عبدالجبار الحضرمي، الذي قال عنه ابن القطان:

صالح بن عبدالجبار لا أعرفه إلّافي هذا الحديث، و هو مجهول الحال (1) 204.

و قال ابن حجر: و قال العقيلي في ترجمة ابن البيلماني: روى عنه صالح بن عبدالجبار مناكير (2) 205.

و قد ذكر بعض مناكيره الذهبي في ميزان الاعتدال (3) 206، و ابن عدي في الكامل في الضعفاء (4) 207.

و قال العقيلي: و صالح بن عبدالجبار يحدّث عن ابن البيلماني نسخةً فيها مناكير (5) 208.

كما أن في هذا الحديث محمد بن عبدالرحمن ابن البيلماني، الضعيف المنكر الحديث الذي لا يُحتجّ به عند الجميع.


1- نصب الراية 1: 32.
2- لسان الميزان 3: 172.
3- انظر: ميزان الاعتدال 3: 407.
4- انظر: الكامل في الضعفاء 6: 178- 181 في ترجمة ابن البيلماني.
5- ضعفاء العقيلي/ الورقة 196.

ص: 67

قال ابن حبان في المجروحين: حدّث محمد عن أبيه عبدالرحمن ابن البيلماني بنسخة شبيهاً بمائتي حديث كلّها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به و لا ذكره في الكُتُب إلّاعلى جهة التعجُّب (1) 209.

و قال ابن عدي: و كل ما رُوي عن ابن البيلماني فالبلاء فيه من ابن البيلماني (2) 210.

و قال ابن معين: ليس بشي ء (3) 211.

و قال أبو حاتم و البخاري و النسائي: منكر الحديث (4) 212. و زاد البخاري: كان الحميدي يتكلم فيه يضعّفه (5) 213.

و ذكره أبو نعيم في الضعفاء و قال: منكرالحديث (6) 214، و ذكره أبو زرعة الرازي في أسامي الضعفاء (7) 215.

و قال الهيثمي في مجمع الزوائد بعد نقله هذا الحديث: و فيه محمد بن عبدالرحمن بن البيلماني، و هو مجمع على ضعفه (8) 216.

و قال ابن حجر في التقريب: ضعيف. و تعقّبه بشّار عواد بقوله: بل


1- المجروحين 2: 264- 265.
2- الكامل في ضعفاء الرجال 6: 181.
3- تهذيب الكمال 25: 595.
4- تهذيب الكمال 25: 595.
5- التاريخ الكبير 1: 163/ الترجمة 484.
6- الضعفاء لابي نعيم/ الترجمة 216.
7- أسامي الضعفاء/ الترجمة 295.
8- مجمع الزوائد 1: 239.

ص: 68

متروك، فقد قال أبو حاتم و البخاري و النسائي و أبو نعيم: منكر الحديث، و قال ابن حبان: حدّث عن أبيه بنسخة... الخ، وضعّفه الباقون جدّاً، فلا يقال في مثل هذا ضعيف (1) 217.

كما أنّ عبدالرحمن ابن البيلماني ضعيف أيضاً، و خصوصاً في ما يرويه عنه ابنه محمد (2) 218.

قال البزار: له مناكير، و هو ضعيف عند أهل العلم (3) 219.

و قال الدارقطني: ضعيف لا تقوم به حجة (4) 220.

و قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ضعيف (5) 221.

و قال ابن حجر أيضاً في تلخيص الحبير: و محمد ابن البيلماني ضعيف جداً، و أبوه ضعيف أيضاً (6) 222.

و قال الزيلعي: قال ابن القطان: واعلم أنّ محمد بن الحارث هذا ضعيفٌ جداً، و هو أسوأُ حالًا من ابن البيلماني و أبيه (7) 223.

و قال صالح جزرة: حديثه منكر، و لا يعرف أنه سمع من أحدٍ من


1- تحرير تقريب التهذيب 3: 277- 278.
2- جاء في تهذيب التهذيب 6: 135 «لا يجب أن يعتبر بشي ء من حديث عبدالرحمان البيلماني اذا كان من رواية ابنه محمد، لان ابنه محمد بن عبدالرحمن يضع على ابيه العجائب» و انظر تفات ابن حبان 5: 91.
3- كشف الاستار: 1293، 1296، 2060.
4- سنن الدارقطني 2: 135.
5- تحرير تقريب التهذيب 2: 308.
6- تلخيص الحبير 1: 411.
7- نصب الراية 5: 427. و لاحظ كيف صارا مضرب المثل في الضعف.

ص: 69

الصحابة إلّامن سرق. قال ابن حجر: قلت: فعلى مطلق هذا يكون حديثه عن الصحابة المسمَّين أوّلًا و هم: ابن عباس، و ابن عمر، و ابن عمرو، و معاوية، و عمرو بن أوس، و عمرو بن عنبسة، و عثمان بن عفّان، و سعيد بن زيد مُرسلًا عند صالح (1) 224.

فهذا الراوي ضعيف، بل لم تصحّ له رواية عن أحدٍ من الصحابة سوى سرق.

فهذا الحديث، مرسل، و ضعيف من جهة محمد ابن البيلماني، و أبيه عبدالرحمن ابن البيلماني، و صالح بن عبدالجبار الحضرمي.

و أمّا السند الحادي و العشرون

ففيه عمر بن عبدالرحمن بن سعيد المخزومي، المجهول الحال، إذ لم يَرِد فيه سوى قول أبي حاتم الرازي: عمر بن عبدالرحمن بن سعيد الصرم المخزومي، روى عن جدّه، روى عنه زيد بن الحباب (2) 225.

و عند ما حاول ابن حجر في تقريب التهذيب رفع حاله بقوله:

مقبول، تعقّبه بشار عواد بقوله: بل مجهول الحال، فقد روى عنه اثنان فقط، أحدهما الواقدي، و ذكره ابن حبّان وحده في الثقات (3) 226.

هذا مع أنّ سعيد بن يربوع المخزومي عَمِيَ و ذهب بصره في خلافة


1- تهذيب التهذيب 6: 150.
2- الجرح و التعديل 6: 120.
3- تحرير تقريب التهذيب 3: 101. و لا يخفى عليك أنّه يعني أنّ توثيق ابن حبّان لوحده لا يُعتدُّ به.

ص: 70

عمر (1) 227، فلا يمكنه أن يرى الوضوء العثماني ثمّ و يرويه (2) 228.

و أمّا السند الثاني و العشرون

ففيه أحمد بن محمد بن زياد، البصري الصوفي، شيخ الدارقطني، فهو و إن وثّقه الخليلي و السلمي (3) 229، لكن عِيب عليه أخذُه الأجرة على التحديث!

قال مسلمة: كان ثقة حسن الأداء... يأخذ الأجرة على التحديث (4) 230.

و قال ابن القطان: لم يعبه إلّاأخذ البرطيل على السماع (5) 231.

و صرّح ابن حجر بأنّه له أوهام (6) 232.

و روى الدارقطني عنه حديثاً بسنده عن سمي عن أنس، ثمّ قال: هذا وَهَمٌ قبيح، و لا يصحّ عن سمي عن أنس شي ء، و الوهم فيه من شيخنا (7) 233.


1- التاريخ الكبير 3/ الترجمة 1511، و تهذيب التهذيب 11: 113.
2- ربّما يقال أنّ الراوي هو «عمر بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد المخزومي» عن جدّه، فيكون جدّه الرواي للوضوء هو عبدالرحمن لا سعيد، لكن يقال: إن هذا مجرّد احتمال، هذا أوّلًا، و ثانياً: على فرض التسليم، نقول: إنّ عبدالرحمن لما قتل عثمان كان له من العمر ست سنوات، فلا يعتد بروايته إلّاعلى وجه لا يعتد به.
3- لسان الميزان 1: 309.
4- لسان الميزان 1: 309.
5- لسان الميزان 1: 309.
6- لسان الميزان 1: 309.
7- لسان الميزان 1: 308- 309.

ص: 71

كما أنّ فيه ابن الأشجعي، فهو مردّد بين «أبي عبيدة بن عبيداللَّه بن عبيد الرحمن الأشجعي»، و «عبّاد بن عبيداللَّه بن عبيدالرحمن الأشجعي»، فلا يُدرى أنّهما شخصان أم شخصٌ واحد، و قد صرّح المزّي في تهذيب الكمال بأنّه لا يدري أهما اثنان أو واحد (1) 234.

و صرّح الذهبي في ترجمة الأشجعي بأنّهما اثنان، فقال في أثناء عدّه من روى عنه: و ابناه أبو عبيدة و عباد (2) 235.

و استظهر ابن حجر أنّهما شخص واحد (3) 236، ثمّ حاول رفعه بقوله مقبول (4) 237، لكنّ الحق هو أنّه مجهول، و لذلك قال الهيثمي في مجمع الزوائد- بعد أن روى حديثاً عن بريدة عن النبي-: و فيه أبو عبيدة ابن الأشجعي، و لم أجد من سمّاهُ و لا تَرْجَمَهُ (5) 238.

و الملاحظ أنّ رواية أحمد فيها «ثمّ مسح برأسه و رجليه ثلاثاً ثلاثاً»، و رواية الدارقطني فيها «ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً ثلاثاً، و رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه»، تُرى من هو المتلاعب في نقل هذا الوضوء؟! إنّ ذلك ما سيتّضح لك عند المناقشة الدلالية.


1- انظر تهذيب الكمال 34: 423- 424.
2- سير أعلام النبلاء 8: 515.
3- انظر تهذيب التهذيب 12: 143، و تقريب التهذيب 2: 179 و 4: 233.
4- تقريب التهذيب 4: 233.
5- مجمع الزوائد 1: 52.

ص: 72

و أمّا السند الثالث و العشرون

ففيه أنّ أبا النضر سالم بن أبي أميّة التيمي- مولى عمر بن عبيداللَّه بن معمر التيمي- لم يسمع من عثمان، بل كان يُرسِل، فروايته عن عثمان منقطعة.

قال الهيثمي: أبو النضر لم يسمع من أحد من العشرة (1) 239.

و قال الدارقطني في خصوص هذا الحديث: و رواه يزيد بن أبي حبيب عن أبي النضر مرسلًا عن عثمان، و لم يأتِ بحُجّة (2) 240.

و كما أرسل أبو النضر عن العشرة، فكذلك أرسل عن عثمان بن أبي العاص (3) 241، و عن عوف بن مالك (4) 242.

كما أن في هذا الحديث غسان بن الربيع، الذي ضعّفه الدارقطني مرّة، وليّنه مرة أخرى بقوله: صالح (5) 243.

و قال ابن حجر و الذهبي: ليس بحجّة في الحديث (6) 244.

و اورده الذهبى و ابن الجوزى في الضعفاء (7) 245.

يضاف الى كل ذلك أنّ الطرق المعتمدة عندهم «عن أبي النضر عن بسر بن سعيد» و «عن وكيع بن الجراح» ليس فيها إلّاالوضوء ثلاثاً


1- مجمع الزوائد 1: 299. و عثمان عندهم من جملة العشرة.
2- العلل، للدار قطني 3: 17.
3- (4)
4- تهذيب التهذيب 3: 432. تهذيب التهذيب 3: 432.
5- مجمع الزوائد 1: 229.
6- لسان الميزان 4: 418، ميزان الاعتدال 5: 403. و انفرد ابن حبّان كما هو دأبه فذكره في كتابه الثقات 9: 2.
7- أنظر المغني في الضعفاء 2: 506، الضعفاء و المتروكين لابن الجوزي 2: 246.

ص: 73

ثلاثاً، و ليس فيها ما زاده ابن الأشجعي من رواية الوضوء البياني، و لا ما أرسله أبو النضر عن عثمان من الوضوء البياني و تسمية الذين شهدوا لعثمان. و ستقف على المتلاعب الزائد في نقل هذا الوضوء العثماني.

و أمّا السند الرابع و العشرون

ففيه عطاء بن أبي رباح، من مولّدي الجُند، ولد في خلافة عثمان- بعد سنتين أو أكثر من خلافته- و نشأ بمكة، فإنه لم يسمع من عثمان، فروايته عنه مُرسَلَة، كما أنها مرسلة عن كثير من الصحابة، فضلًا عن إرساله عن النبي صلى الله عليه و آله.

قال ابن حجر: أرسل عن عثمان بن عفّان (1) 246.

و قال الذهبي: و أرسل عن النبي صلى الله عليه و آله، و عن أبي بكر، و عتاب بن أسيد، و عثمان بن عفّان (2) 247.

و قال أحمد: ليس في المرسَلات أضعفُ من مرسلات الحسن البصري و عطاء بن أبي رباح، فإنهما كانا يأخذان عن كلّ أحد (3) 248.

و قال علي بن المديني: كان عطاء يأخذ عن كُلّ ضرب (4) 249.

كما أنّ فيه همّام بن يحيى، البصري، الذي نصّوا على أنّه كان ضعيف الحافظة رديئَها، فإذا حدّث من كتابه كان حديثُه صالحاً، لكنّ هذا الرجل


1- تهذيب التهذيب 7: 199.
2- سير أعلام النبلاء 5: 79.
3- ميزان الاعتدال 5: 90.
4- تهذيب الكمال 20: 83.

ص: 74

كان عنده كرّاس عن عطاء بن أبي رباح وقع منه وضاع، فحديثه في الوضوء هنا يكون مِن حفظه، فيكون ضعيفاً، بل إنّ يحيى بن سعيد القطّان ضعَّفَهُ حفظاً و كتابةً، و البرديجي و أبو زرعة و الساجي ليّنوه، كل ذلك لسوء حفظه كما يبدو.

و كان عبدالرحمن بن مهدي يقول: إذا حدّث همّام من كتابه فهو صحيح، و كان يحيى بن سعيد لا يرضى كتابه و لا حفظه (1) 250.

و كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بهمّام (2) 251، و لا يحدّث عن همّام (3) 252، و يقول: لا أروي عن همام بن يحيى (4) 253.

قال عمرو بن علي: سمعتُ إبراهيم بن عرعرة قال ليحيى: «حدثنا عفّان، حدثنا همام» فقال له: اسكت ويحك! (5) 254 و قال يزيد بن زريع: همام حفظه ردي ء، و كتابُهُ صالح (6) 255. و في لفظ الذهبي: كتابُهُ صالح، و حفظه لا يسوى شيئاً (7) 256.

و قال الساجي: صدوق سيّ ء الحفظ، ما حدّث من كتابه فهو صالح، و ما حدّث مِن حفظه فليس بشي (8) 257.


1- هامش تهذيب الكمال 30: 308.
2- تهذيب التهذيب 11: 69.
3- تهذيب التهذيب 11: 69.
4- الكامل في الضعفاء 7: 129.
5- تهذيب التهذيب 11: 69.
6- تهذيب التهذيب 11: 69.
7- ميزان الاعتدال 7: 92.
8- تهذيب التهذيب 11: 70.

ص: 75

و قال أبوبكر البرديجي: همّام صدوق، يُكتَبُ حديثه و لا يُحتجُّ به (1) 258.

و سُئل أبو زرعة عنه، فقال: لا بأس به (2) 259.

فالجميع مطبقون على سوء حفظه، و أنّه إذا حدّث من كتابه كان صالحاً (3) 260، سوى يحيى بن سعيد القطان الذي لم يرضَ كتابه و لا حفظه.

لكن همّاماً أضاع ما كتبه عن عطاء بن أبي رباح المُرْسِل، قال أحمد بن حنبل: حدثنا عفّان، قال همّام: كتبتُ عن عطاء كرّاسةً و وقعت مني (4) 261.

و قد اعترف هو بعد ردح من الزمن بأنّه كان يخطئ في تحديثه بسبب عدم مراجعته لكتبه؛ قال الحسن بن علي الحلواني: سمعت عفّان يقول:

كان همّام لا يكاد يرجع إلى كتابه و لا ينظر فيه، و كان يُخالف فلا يرجع إلى كتابه، ثمّ رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفّان، إنّا كنا نخطئُ كثيراً، فنستغفر اللَّه تعالى!! (5) 262 كما أن فيه عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج الأموي، الذي كان عبداً لأمّ حبيب، أو مولى لأمية بن خالد، فإنه كان مشهوراً بالتدليس


1- تهذيب التهذيب 11: 70.
2- الجرح و التعديل 9: 107.
3- لا صحيحاً كما زعم ابن مهدي.
4- الكامل في الضعفاء 7: 129.
5- تقريب التهذيب 1: 520.

ص: 76

و الإرسال، و قد أجمع أئمة الرجال على أنّه يُحتج بحديثه إذا صرّح بالسماع، و عدم الاحتجاج به إذا لم يصرّح بالسماع، و هنا لم يصرح بالسماع واكتفى بالعنعنة «أي عن عطاء» و لم يقل «حدثني عطاءٌ» أو «سمعتُ عطاءً»، فهذا يكون بحكم المنقطع.

قال أبوبكر الأثرم: قال أحمد بن حنبل: إذا قال ابن جريج «قال فلان» و «أُخبرتُ» جاء بمناكير، و إذا قال «أخبرني» و «سمعتُ» فحسبكَ به (1) 263.

و قال أبو الحسن الميموني، عن أحمد بن حنبل: إذا قال ابن جريج «قال» فاحذره، و إذا قال «سمعتُ» أو «سألتُ» جاء بشي ء ليس في النفس منه شي ء (2) 264.

و قال يحيى بن سعيد: إذا قال «حدَّثني» فهو سماع، و إذا قال «أخبرني» فهو قراءة، و إذا قال «قالَ» فهو شبه الريح (3) 265.

و قال الدارقطني: تجنَّب تدليس ابن جريج. فإنه قبيحُ التدليس، لا يدلّس إلّافيما سمعه من مجروح (4) 266.

و لا يخفى عليك أنّ العنعنة هنا تعني عدم التصريح بالسماع، فتكون روايته كالمنقطعة. هذا كلّه بغضّ النظر عن قول يزيد بن زريع فيه: كان ابن جريج صاحب غثاء (5) 267.


1- تهذيب الكمال 18: 348.
2- تهذيب الكمال 18: 348.
3- تهذيب التهذيب 6: 404.
4- تهذيب التهذيب 6: 405.
5- تاريخ بغداد 10: 404.

ص: 77

و عن قول مالك بن أنس: كان ابن جريج حاطب ليل (1) 268.

و أمّا السند الخامس و العشرون

ففيه عطاء بن أبي رباح المُرسِل الذي لم يسمع من عثمان- كما تقدم.

كما أنّ فيه الحجاج بن أرطاة بن ثور، الذي كان كثيرَ الخطأ و التدليس (2) 269.

و قال يحيى بن معين: صدوق ليس بالقويّ، يدلّس (3) 270... و قال مرّة أُخرى: ضعيف (4) 271.

و قال العجلي: صاحب إرسال... إنما يعيب الناسُ منه التدليس (5) 272.

و قال أبو زرعة: صدوق مدلّس (6) 273.

و قال النسائي: ليس بالقوي (7) 274.

و قال ابن سعد: و كان ضعيفاً في الحديث (8) 275.

و قال الدارقطني: لا يُحتجُّ به (9) 276.


1- تهذيب الكمال 18: 349.
2- تقريب التهذيب 1: 250.
3- تهذيب الكمال 5: 425.
4- تاريخ بغداد 8: 236.
5- الثقات، للعجلي: 107.
6- تهذيب الكمال 5: 425.
7- تاريخ بغداد 6: 236.
8- طبقات ابن سعد 6: 359.
9- هامش تهذيب الكمال 5: 427.

ص: 78

و قال يحيى بن سعيد القطان: تركتُ الحَجّاج عَمْداً و لم أكتب عنه حديثاً قط (1) 277.

و قال عبداللَّه بن المبارك: كان الحجاج يدلّس، كان يحدّثنا الحديثَ عن عمرو بن شعيب مما يحدّثه العرزمي، و العرزمي متروكٌ لا نقر به (2) 278.

و قال يعقوب بن أبي شيبة: واهي الحديث، في حديثه اضطراب كثير (3) 279.

و قال أحمد: كان من الحفّاظ، فقيل له: فَلِمَ ليس هو عند الناس بذاك؟ قال: لأنّ في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث إلّا فيه زيادة (4) 280.

و قال أحمد: كان حجّاج يدلّس، فإذا قيل له: مَن حدّثك؟ يقول:

لا تقولوا هذا، قولوا: مَن ذكرتَ!! (5) 281 و قال أبو حاتم الرازي: صدوق يدلّس عن الضعفاء (6) 282.

فهذا الراوي ضعيفٌ، و على أحسن الفروض فهو صالح و ليس بالقوي، و هو في كل ذلك مدلِّسٌ فإذا لم يصرّح بالسماع- كما في هذه


1- تهذيب الكمال 5: 425.
2- تهذيب الكمال 5: 425.
3- تهذيب الكمال 5: 427.
4- سير أعلام النبلاء 7: 70.
5- سير أعلام النبلاء 7: 73.
6- الجرح و التعديل 3: 154.

ص: 79

الرواية حيث عنعن و لم يصرح بالسماع- كانت روايته كالمنقطعة.

و امّا السند السادس و العشرون

ففيه عطاء بن أبي رباح المُرسِل الذي لم يسمع من عثمان- كما تقدم.

كما أنّ فيه الحجاج بن أرطاة بن ثور، الضعيف، أو الصالح ليس بالقوي، المجمع على أنّه مدَلّس، و لم يصرح بالسماع هنا أيضاً.

كما أنّ فيه أبا معاوية الضرير، الذي كان مضطرب الحديث في غير الأعمش، يدلّس و يُخطئ. و قد عرفتَ بأنّ المدلّس إذا لم يصرّح بالسماع يكون حديثه كالمنقطع.

قال أحمد بن حنبل: أبو معاوية الضرير- في غير حديث الأعمش- مضطرب لا يحفظها حفظاً جيداً (1) 283.

و قال ابن خراش: هو في الأعمش ثقة، و في غيره فيه اضطراب (2) 284.

و قال ابن نمير: كان يضطرب في غيره أي في غير الأعمش اضطراباً شديداً (3) 285.

و قال أبو داود: أبو معاوية إذا جاز حديثَ الأعمش كَثُر خطأُه، يُخطِئ على هشام بن عروة، وعلى ابن إسماعيل، و على عبداللَّه بن عمر (4) 286.

و قال يحيى: روى أبو معاوية عن عبيداللَّه بن عمر أحاديث


1- تهذيب الكمال 25: 128.
2- تهذيب الكمال 25: 132.
3- تاريخ بغداد 5: 247.
4- تاريخ بغداد 5: 248.

ص: 80

مناكير (1) 287.

و قال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة؟ قال: فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النبي صلى الله عليه و آله (2) 288.

و وصفه الدارقطني بالتدليس (3) 289.

و قال ابن سعد: كثير الحديث، يدلّس (4) 290.

و قال يعقوب بن شيبة: ربّما دلّس (5) 291.

فأبو معاوية في حديث الأعمش ثقة، و في حديث غير الأعمش مضطرب، و يدلّس و يخطئ.

و أما السند السابع و العشرون

ففيه عطاء بن أبي رباح المرسِل، الذي لم يسمع من عثمان- كما تقدم.

و يزيده هنا وضوحاً قول البيهقي بعد أن رواه: و هو مُرْسَل (6) 292، و قول الزيلعي: و هو منقطع فيما بين عطاء بن أبي رباح و عثمان (7) 293، و قول ابن حجر: رواه البيهقي من حديث عطاء بن أبي رباح عن عثمان، و فيه انقطاع (8) 294.


1- تاريخ بغداد 5: 245- 246.
2- هامش تهذيب الكمال 25: 134.
3- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس: 73.
4- تهذيب التهذيب 9: 139.
5- تاريخ بغداد 5: 249.
6- سنن البيهقي 1: 63.
7- نصب الراية 1: 32.
8- تلخيص الحبير 1: 411.

ص: 81

كما أن فيه يحيى بن عبداللَّه بن بكير (1) 295 مولى بني مخزوم، أبا زكريا المصري، فقد قال النسائي: ضعيف (2) 296.

و قال في موضع آخر: ليس بثقة (3) 297.

و قال أبو حاتم: يُكتب حديثه و لا يُحتج به (4) 298.

و قال يحيى بن معين: سألني عنه أهل مصر فقلتُ: ليس بشي ء (5) 299.

وليّنه الساجي بقوله: صدوق، روى عن الليث فأكثر (6) 300.

و قال يحيى بن معين: سمع يحيى بن بكير الموطّأ بعرض حبيب كاتب الليث، و كان شَرَّ عرض، كان يقرأ على مالك خطوط الناس و يصفح ورقتين ثلاثة (7) 301.

و قال مسلمة بن قاسم: تكلّم فيه لأن؛ سماعه من مالك إنّما كان بعرض حبيب (8) 302.

هذا مع أنّه قد وثقه جماعة منهم يعقوب بن سفيان، و ابن قانع، و الخليلي، و الذهبي (9) 303، و ذكره ابن حبان في ثقاته (10) 304.


1- و ينسب إلى جده فيقال يحيى بن بكير.
2- تهذيب التهذيب 11: 237.
3- تهذيب التهذيب 11: 237.
4- تهذيب التهذيب 11: 237.
5- تهذيب التهذيب 11: 238.
6- تهذيب الكمال 31: 404.
7- تهذيب التهذيب 11: 238.
8- تهذيب التهذيب 11: 238.
9- انظر هامش تهذيب الكمال 31: 404، و تهذيب التهذيب 11: 238.
10- الثقات لابن حبان 9: 262.

ص: 82

فأحسن ما يقال فيه: هو أنّ مروياته تُعتبر فيُؤخذ منها ما يوافق الثقات، و لعلّه إلى هذا أشار ابن حجر في هدي الساري حيث قال: إنّ البخاري انتقى من حديثه ما وافقه عليه الثقات (1) 305. و قد وقفتَ على أنّ رواة الوضوء العثماني ليسوا ثقاتاً، بمعنى أنّه لم يصحّ إلى الآن أحد أسانيد الوضوء إليه.

كما أن فيه سعيد بن أبي هلال الليثي، أبا العلاء المصري، مولى عروة بن شييم الليثي، فقد قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: ما أدري أيّ شي ء؟! يخلط في الأحاديث (2) 306.

وليّنه أبو حاتم بقوله: لا بأس به (3) 307.

و قال ابن حزم: ليس بالقوي (4) 308.

و قال الساجي: صدوق (5) 309.

و مع توثيقات مَن وثّقه يكون حاله كما قال ابن حجر: صدوق... إلّا أنّ الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط (6) 310. فتكون روايته ليست


1- هامش تهذيب الكمال 31: 404.
2- تهذيب التهذيب 4: 95.
3- تهذيب التهذيب 4: 95.
4- تهذيب التهذيب 4: 95.
5- تهذيب التهذيب 4: 95.
6- تقريب التهذيب 2: 45.

ص: 83

صحيحة. هذا إذا كان هو لوحده في الرواية، فكيف و قد اجتمع معه يحيى بن عبداللَّه بن بكير، و اتفق القوم على أنّ عطاءً لم يسمع من عثمان!

و أمّا الرواية الثامنة و العشرون

فحسبنا جهالة الرجل من الأنصار، و جهالة أبيه، و يبدو أنهم أرادوا نشر وضوء عثمان بكل حيلة و وسيلة.

و كذلك عروة بن قبيصة، فإنه مجهول الحال و الهوية، و انفراد ابن حِبّان بذكره في الثقات (1) 311 لا يساوي شيئاً.

أضف إلى ذلك أنّ كلّاً من يزيد بن هارون، و خالد بن عبداللَّه إنّما سمعا من سعيد بن إياس الجريري البصري بعد اختلاطه، و كان قد اختلط أيام الطاعون (2) 312.


1- الثقات، لابن حبان 7: 287.
2- انظر تاريخ البخاري الكبير 3/ الترجمة 152، و المجموع في الضعفاء و المتروكين: 121/ الترجمة 271، و تهذيب الكمال 10: 340، و ثقات العجلي 1: 181/ الترجمة 531.

ص: 84

ص: 85

المناقشة الدلالية

تبيّن من خلال الاستعراض السريع و المناقشة لأسانيد الوضوء العثماني، أنّ روايات حمران عن عثمان كلّها ضعيفة بنفس حمران و ببعض الآخرين، و أنّ روايات غير حمران عن عثمان ضعيفة أيضاً إمّا بضعف بعض رواتها، و إمّا بأنها مرسلة، أو أنّ فيها تدليسَ بعض المدلّسين، أو أنّ بعضها يُستشمُّ منها رائحة الوضع. و إذا كانت روايات حمران عن عثمان هي أصحّ ما عندهم في الوضوء و راويها حمران/ طويدا اليهودي، فإنّ باقي الروايات لاتحتاج إلى مزيد بيان لضعفها.

و إذا تجاوزنا مرحلة المناقشة السندية، و عبرنا إلى مرحلة المناقشة المتنيّة الدلاليّة، رأينا روايات عثمان تتضارب مع وضوء صحابة آخرين من عدّة جوانب.

فوضوء علي بن أبي طالب عليه السلام، و عبداللَّه بن العباس، و أنس بن مالك يقول: بأنّ غسل الوجه و اليدين مرّة هو الواجب، و مرتين هو السُّنّة

ص: 86

المستحبة، و الثلاثة بدعةٌ يبطل بها الوضوء، كما يقول بأن فرض الرأس و الرِّجْلين هو المسح لا الغسل.

و وضوء المؤيدين لعثمان أيضاً نراه يختلف عن وضوء عثمان، فإن الوضوء الذي نسبوه لعبداللَّه بن زيد بن عاصم الأنصاري (1) 313 يقول: بأن النبي صلى الله عليه و آله غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، لكن روايات عثمان كلّها لا تنقل إلّاثلاثاً ثلاثاً.

و في حين تهمل أكثر روايات عثمان كيفية مسح الرأس أو بعضه، و تُبيّن بعضها المسح مع حكم الأذنين، و لا تُفصِّل أكثر من ذلك، نرى هناك روايات نقلوها عن عبداللَّه بن زيد بن عاصم الأنصاري و الربيع بنت المعوَّذ تقول بأنّ النبي صلى الله عليه و آله مسح بيديه رأسه مُقبِلًا و مدبراً، أو أنّه بَدَأ من مقدّم رأسه و انتهى إلى قفاه ثمّ ردّهما إلى المكان الذي بدأ به منه.

و لم يصحّ عندهم عن باقي رواتهم للوضوء الثلاثي الغسلي في تخليل اللحية شي ء، إلّاما جاء عن عثمان في تخليل اللحية...

و إذا تجاوزنا اختلافات وضوء عثمان عن وضوء باقي الصحابة، رأينا الاضطراب واضحاً في رواياته هو نفسه، و رأينا بعد ذلك دلائل و مؤشرات و ملامح التدرّج في كيفية بناء الهرم الوضوئي العثماني، بدءً من عثمان و مروراً بحمران و الحجّاج و ابن شهاب و غيرهم من أتباع النهج الحاكم، و أنّ معالم هذا الوضوء الجديد لم تكن واضحة بشكل دقيق محدّد


1- سيأتيك في كتاب آخر إن شاءاللَّه، عدم صحة انتساب هذا الوضوء له، و أنّ الأمويين القرشيين نسبوه إليه ليجرّوا الأنصار إلى صفّ المؤيّدين لوضوء عثمان.

ص: 87

حتّى عند عثمان نفسه فضلًا عن أتباعه و المتبنّين لوضوئه. فلذلك جاءت الروايات عنه و عن أتباعه مشوّشه مرتبكة، فمرّت عصراً بعد عصر بحالة الغربلة، حتى قُلِّصت دائرة الخلاف- في عصر الزهري- إلى أقل ما يمكن، و هو ما عليه الوضوء العثماني المعمول به اليوم على ما فيه من اختلافات متبقّية.

ولكي تقف على صورة أوضح لهذا المدّعى نعرض اليك عشرة نماذج فقط من الاضطرابات في وضوء عثمان، و كيف سعى أتباعه جاهدين لبثّ وضوئه و خَنْق أنفاس الوضوء الثنائي المسحي الأصيل:

(1)- إنّ الرواية رقم (15) رواها أبو داود بسنده عن أبي علقمة و فيها «و ذكر الوضوء ثلاثاً، قال: و مسح برأسه، ثمّ غسل رجليه»... ثمّ ساق نحو حديث الزهري و أتم.

و حديث الزهري هو الرواية رقم (10) و فيها «ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثمّ اليسرى مثل ذلك».

و لكنّ الدارقطني روى الرواية (15) بنفس الطريق الذي رواه أبو داود- عن عبيداللَّه بن أبي زياد القدّاح- و المتن فيها «ثمّ مسح برأسه ثمّ رجليه فأنقاهما»

فرواية الدارقطني عن أبي علقمة ظاهرة في مسح الرأس و الرجلين؛ لأن الانقاء أعمّ من المسح و الغَسْل، و قد تكون في المسح أصرح؛ لقوله ثمّ مسح برأسه ثمّ رجليه. لكن رواية أبي داود عن أبي علقمة فيها غسل الرجلين!! فإمّا أن يكون المتأخّرون أو بعضهم تلاعبوا و حمّلوا أفهامهم

ص: 88

على الرواية، أو أن يكون أبو علقمة هو الذي يحدّث كلّ يوم بشكل لا يتفق مع ما حدّث به من قبل.

و الذي يؤكد لك أنّ القوم تلاعبوا و حمّلوا أفهامهم على الرواية، هو أنّ المتقي الهندي المتوفى سنة 975 ه نقل في كنز العمال رواية الدارقطني و حَشَرَ فيها الغسل فقال: «ثمّ مسح برأسه، ثمّ غسل رجليه فأنقاهما» (1) 314.

(2)- إنّ الرواية (16) رُوي متنُها عن عامر بن شقيق عن أبي وائل بأشكال مختلفة، و عامر بن شقيق هو السبب في هذا الاضطراب، فإنّه ليس مشهوراً بقوة النقل- كما قال ابن حزم (2) 315.

- أ- قال موسى بن هارون: و في هذا الحديث موضعٌ فيه عندنا وَهَمٌ، لأنّ فيه الابتداء بغسل الوجه قبل المضمضة و الاستنشاق (3) 316.

- ب- حاول موسى بن هارون تصحيح هذا الاضطراب، فقال: و قد رواه عبدالرحمن بن مهدي عن إسرائيل بهذا الإسناد، فبدأ فيه بالمضمضة و الاستنشاق قبل غسل الوجه... (4) 317 لكن رواية ابن مهدي عند ما رفَعَتْ إشكال تأخُّر المضمضمة و الاستنشاق، وقعت في إشكالٍ آخر، و هو انّها ذكرت الوضوء و لم تذكر فيه غسل الذراعين، فقد روى ابن الجارود المتوفى سنة 307 ه قال: حدثنا


1- كنز العمال 9: 441/ ح 26883.
2- انظر: هامش تهذيب الكمال 14: 42.
3- سنن الدارقطني 1: 86/ ضمن ح 12.
4- سنن الدارقطني 1: 86/ ضمن ح 12.

ص: 89

إسحاق بن منصور، أنبأنا عبدالرحمن- يعني ابن مهدي- قال: حدثنا اسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان توضّأ فغسل كفيه ثلاثاً، و مضمض و استنشق، و غسل وجهه ثلاثاً، و مسح رأسه و أذنيه ظاهرهما و باطنهما و لم يذكر غسل الذراعين و غسل رجليه... قيل لإسحاق: ليس فيه «و غسل ذراعيه»؟ قال: ما كان عندي أعطيتك (1) 318.

فهنا لا يحتمل أن يكون إسحاق قَدْ سَهَا؛ لأنّه صرّح بأنّه أعطاهم ما عنده، أي أنّه أخبرهم بما سمعه كما سمعه و لم يكن فيه غسل الذراعين.

و الذي يؤكد ذلك، هو أن عبدالرزاق روى عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل- شقيق بن سلمة- هذا الوضوء فقال:

فغسل كفَّيه ثلاثاً ثلاثاً، و مضمض و استنشق و استنثر، و غسل وجهه ثلاثاً ثلاثاً. قال: و حَسِبْتُهُ قال: و ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً (2) 319... فإنّه لمّا كان سمع هذا الوضوء دون ذكرٍ لغسل الذراعين، و رأى أنّ هذا الوضوء ناقص، حاول سدّ الفجوة بقوله «و حسبتُهُ قال»!!

و روى ابن خزيمة هذه الرواية بسنده عن إسحاق بن منصور، عن عبدالرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق بن سلمة، و ليس فيها ذِكْر اليدين، ثمّ قال عبدالرحمن بن مهدي: و ذكر يديه إلى المرفقين و لا أدري كيفَ ذكَرَهُ!! (3) 320


1- المنتقى من السنن: 30/ ح 72.
2- مصنَّف عبدالرزاق 1: 41/ ح 125.
3- صحيح ابن خزيمة 1: 87/ ح 152.

ص: 90

- ج- إن جميع روايات أبي وائل فيها «و مسح رأسه ثلاثاً» و «مسح برأسه و أذنيه ظاهرهما و باطنهما»، مع أنّ مسح الرأس ثلاثاً خلاف ما عليه الحفاظ الثِّقات، قال البيهقي: روي مسح الرأس ثلاثاً من أوجُهٍ غريبة عن عثمان، و فيها مسح الرأس ثلاثاً، إلّاأنّها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة (1) 321،

و قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلّها تدلّ على أنّ مسح الرأس أنّه مرّة... (2) 322- د- إن البخاري و مسلماً و الترمذي و أبا داود و النسائي و ابن ماجة و الدارمي و مالكاً و أحمد، لم يروِ أحدٌ منهم عن أبي وائل الوضوءَ البياني المُفصّل، إذ أنّهم أخرجوا لعامر بن شقيق عن أبي وائل بعض جزئيات الوضوء، و أكثرهم اكتفوا بإخراج قول أبي وائل عن عثمان: «إن رسول اللَّه توضّأ فخلّل لحيته» أو «توضّأ ثلاثاً ثلاثاً» و لم يخرّجوا هذا الوضوء المفصّل المضطرب.

فإذا لاحظت جميع الروايات المنتهية إلى عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان، و لاحظت اضطراباتها، مع أنّ الطرق كلها صحيحة إلى عامر بن شقيق، علمتَ أنّ المتلاعب بنقل هذا الوضوء هو عامر أو أبو وائل أو عثمان.


1- تلخيص الحبير 1: 412، عن السنن الكبرى للبيهقي 1: 62.
2- سنن أبي داود 1: 32.

ص: 91

(3)- إن الروايتين (17) و (18) مرويتان عن عبداللَّه بن جعفر، عن عثمان، و الرواية رقم (18) برواية الطبراني في الأوسط فيها قوله «و مسح برأسه» دون بيان عدد المسح، لكنّ نفس هذه الرواية رواها الطبراني في الصغير و فيها قوله «و مسح برأسه واحدة» فأضاف قيد الوحدة.

و جاءت الرواية رقم (17) لتقول: «و مسح برأسه ثلاثاً» فأضافت التثليث في مسح الرأس. فمن هو المتلاعب؟ إن ذلك لا يخرج عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيداللَّه التيمي، الضعيف، أو طلحة مولى آل سراقة المجهول!

(4)- إن الرواية (19) مضطربة، لأنّ متنها- طبق رواية الدارقطني- ينصّ على أنّ ابن دارة مولى عثمان المجهول دخل على عثمان، فسمعه عثمان يتمضمض فدعاه لتعليم الوضوء، و أمّا متنها طبق رواية أحمد و الطحاوي و البيهقي، فينص على أنّ محمد بن عبداللَّه بن أبي مريم هو الذي دخل على ابن دارة، فسمعه ابنُ دارة يتمضمض فدعاه لتعليم الوضوء.

هذا، مع أنّها تدّعي تثليث مسح الرأس، و هو خلاف ما عليه الحفاظ الثقات- كما علمت.

(5)- إن الرواية (20) التي رواها الدارقطني المتوفى سنة 385 ه بسنده عن محمد بن عبدالرحمان بن البيلماني، عن أبيه، عن عثمان، فيها قوله «و مسَحَ برأسه ثلاثاً، و غسل قدميه ثلاثاً».

و هذه الرواية نفسها رواها أبو يعلى الموصلي المتوفى سنة 307 ه بسنده عن محمد بن عبدالرحمان بن البيلماني، عن أبيه، عن عثمان، و فيها

ص: 92

«و مسح برأسه ثمّ غسل رجليه» (1) 323.

فرواية أبي يعلى ليس فيها تثليث مسح الرأس و لا تثليث غسل الرجلين، لكنّها صارت بعد مرور مدّة من الزمن عند الدارقطني فيها زيادة تثليث مسح الرأس و تثليث غسل الرجلين، و يبدو أنّ المتلاعب هو صالح بن عبدالجبار الحضرمي- الواقع في رواية الدارقطني- المجهول الحال، أو أنّ محمد بن عبدالرحمان بن البيلماني هو الذي يحدّث كل يوم بشكل من الأشكال.

فأصل الرواية فيها غسل الرجلين فقط، و لمّا كانت كل روايات عثمان المعتمدة عندهم فيها تثليث غسل الرجلين، حاولوا قَوْلَبَة هذه الرواية في قالب الوضوءالعثماني فزادوا قيد التثليث في الرجلين، و عمَّمُوه إلى تثليث مسح الرأس أيضاً. و تثليثُ مسح الرأس و إن قالوا أنّه غير محفوظ عن عثمان، لكن هناك من عمل به و قال بصدوره عن عثمان، حيث قال البيهقي:

إلا أنّها اي الروايات القائلة بمسح الرأس ثلاثاً مع خلاف الحفاظ


1- في المقصد العلي 1: 86/ ح 139 «حدثنا عبيداللَّه بن عامر القواريري، حدثنا محمد بن الحارث، حدثني محمد بن عبدالرحمن بن البيلماني، عن أبيه، قال: رأيت عثمان بن عفّان جالساً بالمقاعد يتوضّأ، قال: فمرَّ به رجل فسلم عليه فلم يردّ عليه حتى فرغ من وضوئه، ثمّ دخل المسجد، فوقف على الرجُل فقال: لم يمنعني أن أردّ عليك إلّاأني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: من توضّأ فغسل يديه ثمّ تمضمض ثلاثاً و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و يديه إلى المرفقين، و مسح برأسه ثمّ غَسَل رجليه، ثمّ لم يتكلم حتى يقول: أشهد أن لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له و أنّ محمّداً عبده و رسوله، غُفِر له ما بين الوضوءين».

ص: 93

الثقات، ليست بحجة عند أهل المعرفة، و إن كان بعض أصحابنا يحتجّ بها (1) 324.

و قال أيضاً- عند ذكره لرواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران، قال: «توضّأ عثمان على المقاعد ثلاثاً...»-: و على هذا اعتمد الشافعي في تكرار المسح (2) 325.

فيبدو أنّ صالح الحضرمي كان يذهب إلى تثليث مسح الرأس فسخّر هذه الرواية لصالِحِه، أو أنّ محمد بن عبدالرحمان بن البيلماني لم يكن عنده أمرُ الوضوء العثماني مستقرّاً تماماً فكان يرتبك و يضطرب في نقله.

(6)- إنّ الرواية رقم (22) رواها أحمد المتوفّى سنة 241 ه بسنده عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن عثمان و فيها: «ثمّ مسح برأسه و رجليه ثلاثاً ثلاثاً».

و نفس هذه الرواية رواها الدارقطني، عن شيخه أحمد بن محمد بن زياد المتوفّى سنة 340 محرّفة عن أصلها، إذ صارت الرواية: «ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً ثلاثاً، و رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه».

فالرواية الأُولى ظاهرة في مسح الرأس و الرجلين ثلاثاً ثلاثاً، لكن يبدو أنّ احمد بن محمد بن زياد شيخ الدارقطني لم يعجبه هذا المنقول،


1- سنن البيهقي 1: 62.
2- سنن البيهقي 1: 62. و انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1: 108 حيث قال: و احتج الشافعي بحديث عثمان الآتي في صحيح مسلم: «أن النبي توضّأ ثلاثاً ثلاثاً».

ص: 94

فحاول تسخيره طبقاً لفهمه للوضوء العثماني، فعَطَفَ الرِّجلَين على غسل الوجه و اليدين، فبدّل العبارة إلى «غسل... رجليه ثلاثاً ثلاثاً» و اضطُرّ من بعد ذلك إلى تأخير مسح الرأس، فقال: «ثمّ مسح برأسه»، فجاء بوضوء لم يَقُلْ به مُسْلمٌ، إذ كيف يتأخّر المسح بالرأس عن مسح أو غسل الرجلين؟! فلاحظ كيف انقلبت الرواية القائلة بمسح الرأس و الرجلين خلال مائة سنة إلى رواية قائلة بغسل الرجلين ثلاثاً ثلاثاً قبل المسح بالرأس!!

و لما كان الوضوء الثابت- عندهم- عن عثمان، فيه مسح الرأس مرّة، و رواية أحمد ظاهرة في مسح الرأس ثلاثاً، راح أحمد بن محمد بن زياد شيخ الدارقطني لِيصُبَّها في هذا المصبّ، فقال: «ثمّ مسح برأسه»، فقد تلاعب فى هذه الرواية على صعيدين:

- أ- إنّ أصل الرواية عند أحمد فيها تثليث مسح الرأس، و تثليث مسح الرجلين، فقلبها أحمد بن محمد بن زياد إلى توحيد مسح الرأس.

- ب- كما قلب تثليث مسح الرجلين، إلى تثليث غسلهما.

و هو في أثناء هذا التبديل أخَّرَ مَسْحَ الرأس عن غسل الرجلين؛ و لهذا قال الدارقطني: صحيحٌ إلّاالتأخير في مسح الرأس فإنّه غير محفوظ، تفرد به ابن الاشجعي، عن أبيه (1) 326.

هذا، مع أنّ الروايات- بطرق كثيرة- عن سالم أبي النضر لم يذكر فيها إلّا أنّ عثمان توضّأ ثلاثاً ثلاثاً، دون وضوء بياني مفصّل، و لذلك قال


1- سنن الدارقطني 1: 85/ ضمن ح 10.

ص: 95

الدارقطني: رواهُ العدنيان- عبداللَّه بن الوليد، و يزيد بن أبي حكيم- و الفريابي، و أبو أحمد، و أبو حذيفة، عن سفيان الثوري بهذا الإسناد، و قالوا كلهم: إنّ عثمان توضّأ ثلاثاً ثلاثاً، و قال: هكذا رأيت رسول اللَّه يتوضّأ، و لم يزيدوا على هذا.

و خالفهم وكيع؛ رواه عن الثوري، عن أبي النضر، عن أبي أنس مالك بن أبي عامر، عن عثمان: إنّ النبي توضّأ ثلاثاً ثلاثاً (1) 327.

فالوضوء الذي رواه أبو النضر هو وضوءٌ مجملٌ ليس فيه تفصيل كيفية الغسل و المسح، لكنّ الرواية رقم (22) التي رواها ابن الأشجعي المجهول تدّعي التفصيل و إشهاد بعض الصحابة، و قد ألمح الدارقطني الى تلاعب ابن الأشجعي، مع أننا لا نبرّئ ساحة سالم أبي النضر عن هذا التلاعب.

(7)- إنّ الرواية رقم (23) رواها الحارث بن أبي أسامة المتوفّى سنة 282 ه بسنده عن سالم أبي النضر، عن عثمان، و فيها: «ثمّ رش على رجله اليمنى ثم غسلها ثلاث مرات، ثم رش على رجله اليسرى ثم غسلها ثلاث مرات».

و نفس هذه الرواية رواها أبويعلى المتوفى سنة 307 ه، و فيها: «ثمّ رش على رجله اليمنى ثلاث مرات ثمّ غسلها، ثمّ رش على رجله اليسرى ثمّ غسلها ثلاث مرات».

و نقل الهيثمي رواية أبي النضر هذه و ذكر فيها مثل رواية أبي يعلى.


1- سنن الدارقطني 1: 85/ ضمن ح 10.

ص: 96

فرواية الحارث تنقل أنّ الرشَّ كان أوّلًا ثمّ الغسل ثلاث مرات، و رواية أبي يعلى ظاهرةٌ في أنّ الرشَّ كان ثلاث مرّات و الغسل مرّة واحدة.

و يلاحظ أنّ الرواية رقم (22) لم تذكر أسماء الذين شهدوا لعثمان بأنّ وضوءه مثل وضوء النبي، و اكتفت بعبارة «لِنَفَرٍ من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنده»، و كذلك الرواية رقم «15» برواية الدارقطني بسنده عن أبي علقمة عن عثمان اقتصرت على قوله «حتى استشهد ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله». و جاءت الرواية (23) لتدّعي أنّ الذين شهدوا لعثمان هم: علي، و طلحة، و الزبير، و سعد بن أبي وقاص.

لكنّ الرواية (15) رواها أبو داود في سننه و ليس فيها ذكرٌ أصلًا لصحابةٍ شهدوا لعثمان، و الرواية (22) يبدو أنّها محرّفة عن الرواية (21) فإن فيها «إنّ عثمان خرج في نفر من أصحابه حتّى جلس على المقاعد»، فحرّف أبو النضر سالم و أبو علقمة عبارة «أصحابه»- أي أصحاب عثمان- إلى «أصحاب النبي»، و زاد أبو النضر في الرواية (23) ذكر أسماء أربعة من الصحابة كلّهم اعداءٌ سياسيون و فقهيون لعثمان بن عفّان، و الذي يوضح هذا الأمر هو أنّ أحداً من هؤلاء الأربعة لم يروِ وضوءً ثلاثياً غسليّاً مثل وضوء عثمان، بل نرى الإمام عليّ بن أبي طالب- أحد الاربعة الذين أشهدهم عثمان حسب تلك الرواية- يخالف وضوء عثمان و يلتزم الوضوءَ النبويَّ الثنائيَّ المسحيّ.

على أنّ مسلم النيسابوري صرّح بأنّ زيادة «و عنده رجال من

ص: 97

أصحاب رسول اللَّه» لم يروها إلّاقتيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي النضر عن أبي أنس عن عثمان، و أمّا أبوبكر بن أبي شيبة و زهير بن حرب، فلم يرويا إلّا «انّ عثمان توضّأ بالمقاعد فقال: ألا أريكم وضوء رسول اللَّه؟ ثمّ توضّأ ثلاثاً ثلاثاً» (1) 328.

أضف إلى ذلك أنّ الرواية التي رواها أحمد و البزار في مسنديهما، و ابن أبي شيبة في مصنفه، تقول عن حمران بن أبان، عن عثمان بن عفّان: أنه دعا بماءٍ فتوضّأ و مضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه و ظهر قدميه، ثمّ ضحك فقال لأصحابه: ألا تسألوني عمّا أضحكني؟ فقالوا: ممَّ ضحكت يا أميرالمؤمنين؟ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دعا بماءٍ قريباً من هذه البقعة، فتوضّأ كما توضّأتُ، ثمّ ضحك، فقال لأصحابه: ألا تسألوني ما أضحكني؟ فقالوا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟

فقال:... (2) 329 فعثمان هنا أَرى أصحابَه هو- لا أصحاب رسول اللَّه- الوضوء ثمّ ادّعى أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أرى ذلك لأصحابه، فكأنّ القوم استغلّوا ادعاء عثمان هذا فنسبوا إلى الأربعة المذكورين من أصحاب رسول اللَّه أنّهم شهدوا لعثمان بوضوئه الجديد.

(8)- إن الرواية رقم (25)- من طريق المقدمي و أبي الربيع الزهراني


1- صحيح مسلم 1: 142.
2- مسند أحمد 1: 58، و مسند البزار 2: 74/ ح 420، و مصنف ابن أبي شيبة 1: 16/ ح 56.

ص: 98

- فيها تقديم غسل الوجه على غسل اليدين أي الكفّين، مع أنّ الذي عليه جميع المسلمين هو استحباب غسل اليدين- أي الكفين- قبل البدء بتوضئة الوجه، لكن رواية عطاء بن أبي رباح هذه تقول نقلًا عن عثمان:

«رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ فغسل وجهه و يديه ثلاثاً، و غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، و مسح برأسه و غسل رجليه غسلًا».

و إذا كانت نفس هذه الرواية- من طريق المقدمي فقط- تقصد باليدين الكفين أيضاً كما في أختها المتقدّمة، فتبقى هذه الرواية ليس فيها ذكر غسل الذراعين، و النص هو: «رأيت رسول اللَّه توضّأ فغسل وجهه ثلاثاً و يديه ثلاثاً، و مسح برأسه و غسل رجليه غسلًا» فإذا كانت اليدان يُرادَ بهما الكفّان، فأين حكم غسل الذراعَين؟! و إذا كانت اليدان يُراد بهما الذراعان، فأين حكم غسل الكفَّين؟

و الملاحظ أنّ الروايات رقم (24) (25) (26) (27) كلها رواها عطاء بن أبي رباح عن عثمان، و بغضّ النظر عن أنّ عطاءً لم يسمع من عثمان و لم يره، نرى أنّ هناك اضطرابات و اختلافات في مرويّاته تدلّ على ما حَدثَ من مراحل للوضوء العثماني المخترع.

فالروايتان (24) (25) اللتان رواهما أحمد المتوفّى سنة 241 ه فيهما قوله «و مسح برأسه» دون ذكر عددٍ أصلًا.

و الرواية رقم «26» التي رواها ابن أبي شيبة المعاصر لأحمد فيها قوله «و مسح برأسه مسحةً» حيث قَيَّدتِ المسح بواحدةٍ.

و جاءت الرواية (27) التي رواها البيهقي المتوفى سنة 458 ه لتقول:

ص: 99

«ثمّ مسح برأسه ثلاثاً حتّى قفاه، و أُذنيه ظاهرهما و باطنهما»، فزادت هذه الرواية التثليث في مسح الرأس، كما أنّها زادت أنّ المسح كان إلى القفا، و فوق ذلك زادت مسح الأذنين ظاهرهما و باطنهما. هذا مع أنّ الروايات كلّها عن عطاء بن أبي رباح!! فلماذا هذا التطور خلال قرنَين من الزمن؟ و من هو المتلاعب؟ يبدو أن بعض الرواة كانوا يحدّثون بما يعجبهم و بما يرتأونه في الوضوء، أو أنّ عطاء كان يحدّث كل مرّة بشكل مخالف للمرة الأخرى.

و مثل ذلك نرى الاختلاف في حُكم القدمين.

فالرواية رقم (24) تقول «و وضّأ قدميه» دون تبيين أنّ المراد من التوضئة المسح أو الغسل.

و الروايتان (25) (26) تقولان «و غسل رجليه غَسْلًا» فتُطَوِّران التوضئة إلى معنى الغسل مرّة واحدة، و تؤكّدان الغسل بقولهما «غَسْلًا».

و تأتي الرواية (27)- التي رواها البيهقي بعد قرنين- لتقول: «و غسل رجليه؛ اليمنى ثلاثاً، ثمّ غسل اليسرى ثلاثاً». فانظر إلى هذا التدرُّج في صياغة الوضوء الغسلي الثلاثي، مضادَّةً للوضوء الأصيل الثنائي المسحي.

(9)- إن الرواية رقم (28) فيها موضعان من التلاعب:

- أ- الرواية من طريق يزيد بن هارون عن الجريري- بعد غض النظر عن ضعف سندها- فيها إدراج قوله «و اعلموا أنّ الأذنين من الرأس»، فإنّه لم يثبت أنّ النبي قاله، لكنّ عثمان أو أحد الرواة أدخله في حديث الوضوء، و قد ذكر ابن حجر حديث «الأذنان من الرأس» و أنّه

ص: 100

مرويٌّ عن ثماني نفرٍ من الصحابة هم: أبو أمامة، و عبداللَّه بن زيد، و ابن عباس، و أبو هريرة، و أبو موسى، و عبداللَّه بن عمر، و عائشة، و أنس بن مالك، و لم يذكر معهم حديث عثمان هذا أصلًا، و صرّح بأنّه في حديث أبي امامة و عبداللَّه بن زيد مدرج، و لم تصحّ باقي الأسانيد، فهي بين ضعيفة و مرسلة و منقطعة و مُعلّة (1) 330.

فحديث عثمان هنا ضعيف سنداً، و إذا تجاوزنا هذا الضعف فإن فيه هذا الإدراج. و يبدو أنّ يزيد بن هارون هو الذي تلاعب هذا التلاعب، لأنّ الرواية الأخرى من طريق خالد بن عبداللَّه ليس فيها هذا الإقحام.

- ب- الرواية من طريق خالد بن عبداللَّه عن الجريري، فيها تقديم غسل الوجه على المضمضمة و الاستنشاق، و هو خلاف ما عليه جميع المسلمين، فإن هذه الرواية تقول: «فغسلَ وجهه ثلاثاً، و مضمض و استنشق ثلاثاً، ثمّ غسل يديه...»

(10)- إن روايات عثمان متضاربة فيما بينها مضافاً إلى كونها متضاربة مع غيرها، فبعض رواياته تقول بأنّه مسح برأسه دون ذكر قيد الوحدة أو التثليث، و بعضها تذكر أنه مسح برأسه مرّة واحدة فقط، و بعضها تقول أنّه مسح رأسه ثلاث مرات، و بعضها تذكر أنه مسح برأسه و أذنيه ظاهرهما و باطنهما، و في بعضها أنه أمرّ بيديه على ظاهر أذنيه دون باطنهما، و بعضها لا تذكر ذلك عنه، و في روايةٍ أنّه قال: «و اعلموا أنّ الأذنين من الرأس»، لكن باقي الروايات لا تذكر هذا القول عنه.


1- انظر: تلخيص الحبير 1: 433.

ص: 101

و في بعض روايات عثمان أنه «طهَّر قدميه» دون ذكر مسح و لا غسل، و في بعضها أنه «مسح رجليه» أحياناً- كما سيأتي توضيحه- و في بعضها أنه «مسح برجليه فأنقاهما»، و في بعضها أنّه «غسل رجليه»، و في بعضها أنه «غسل رجليه ثلاثاً»، و في بعضها أنه رشّ على رجله ثمّ غسلها ثلاث مرات، و في بعضها أنّه رشّ ثلاث مرات ثمّ غسلها.

و بعض رواياته تذكر أنّه خلّل أصابعه حين غسل رجليه، و بعضها لا تذكر هذا التخليل، و بعضها تذكر أنّه خلّل لحيته ثلاثاً، و بعضها لا تذكر تخليل اللحية، و بعضها تذكر أنّه لم يخلّل لحيته و لكن مرَّ بيديه على لحيته.

و الرواياتُ عند جميع المسلمين تذكُر أنّ الوضوءَ مرة واحدة مجزئٌ، و مرّتين أيضاً مستحبٌّ و سُنّة، و اختلفوا في جواز التثليث و عدمه.

و الغريبُ هنا أنّ روايات عثمان كُلُّها لا تذكُر إلّاالتثليث!! «غسل الوجه ثلاثاً» و «غسل اليدين ثلاثاً»، و غالبها تذكر «غسل الرجلين ثلاثاً» و ليس فيها و لا رواية واحدة في توحيد أو تثنية غسل الوجه و اليدين، و فوق ذلك نرى بعض الروايات عنه تثلّث حتى مسح الرأس!! فما سرّ الإصرار على التثليث فقط دون التوحيد و التثنية.

و في جانب آخر نرى روايات عثمان تكيل الثواب جزافاً على الوضوء الثلاثي الغسلي، و تختلف في تحديد مدّة فاعليّة هذا الثواب، فيقول عثمان تارة: «من توضّأ كوضوئي هذا ثمّ صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشي ء غُفِر له ما تقدم من ذنبه»، و يقول تارة أخرى: «من توضّأ دون هذا كفاه،

ص: 102

و لم يذكر أمر الصلاة»، و يقول ثالثة: «غُفِر له ما كان بينها و بين صلاته الأخرى»، و يقول رابعة: «خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه».

و ظاهرة كيل الثواب بلا حساب تعدّ من ظواهر الوضع في الحديث، فقد قال أبو اليقظان عطية الجبوري: من علامات الوضع في الحديث الإكثار من الأجر بلا حساب (1) 331.

و قال الدكتور السباعي ضمن بيانه لعلامات الوضع في المتن: اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير... مثل «من صلى الضحى كذا و كذا ركعة أُعطي ثواب سبعين نبيّاً» و مثل «من قال لا إله إلّا اللَّه خلق اللَّه تعالى له طائراً له سبعون ألف لسان، لكلّ لسان سبعون ألف لغة يستغفرون له» (2) 332.

و هناك تضاربات و اضطرابات أخرى يستطيع القارئ النّبيه الوقوف عليها بمجرّد تدقيقه في الروايات العثمانية التي عرضناها في هذا الكتاب، مع أنّنا لو لاحظنا باقي الروايات التي لم نذكرها عن عثمان، لرأينا ركاماً هائلًا من الاختلالات التي تدل بما لا يقبل الشك على أنّ وضوءه الذي ينقله ليس هو الوضوء النبوي الأصيل، بل هو وضوء خاصٌّ بعثمان ارتآه و سخّر له الأيادي الأموية، و أيادي مواليه، و صنائع الأمويين، ثمّ بثّه بين المسلمين فذاع و شاع.


1- مباحث في تدوين السنة المطهّرة، للجبوري: 49.
2- السنة و مكانتها في التشريع الاسلامي: 102.

ص: 103

المرحلة الانتقالية

بعد أن فرغنا من المناقشات السندية لروايات عثمان، و رأيناها جميعاً لا تنهض كل واحدة منها للحجية، و علمنا مواطن الضعف و الخدشة فيها، و بعد أن ناقشنا متونها، و وقفنا على ما فيها من اضطرابات و اختلافات، و ما فيها من علامات الوضع و الخَلْق و التبني لوضوء جديد لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه و آله و لا في زمن أبي بكر و لا عمر.

بعد كل ذلك نقول:

إنّ مما لاخلاف فيه بين المسلمين، هو أن عثمان بدأ بالإحداثات الدينية و السياسية في الست الأواخر من حكومته، لا في الست الأوائل، فقد تولّى عثمانُ الحُكْمَ سنة 23 ه و قتل سنة 35 ه، و كان بَدْءُ إحداثاته سنة 29 ه.

قال الطبري في أحداث هذه السنة- أعني سنة 29 ه-: فذكر الواقدي، عن عمر بن صالح بن نافع، عن صالح مولى التؤمة، قال: سمعت

ص: 104

ابن عباس يقول: إنّ أوّل ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أي بشكل علني أنّه صلّى بمنى في ولايته ركعتين، حتى إذا كانت السنة السادسة أتمّها، فعاب ذلك غيرُ واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله... حتى جاءه علي فيمن جاءه، فقال له: و اللَّهِ ما حَدَثَ أمرٌ، و لا قدُمَ عهد، و لقد عهدتَ نبيّك صلى الله عليه و آله يصلي ركعتين، ثمّ أبابكر، ثمّ عمر، و أنت صدراً من ولايتك، فما أدري ما ترجع إليه؟! فقال: رأيٌ رأيته (1) 333.

و قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبداللَّه، عن الزهري، قال: لمّا ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميراً، يعملُ ستَّ سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً... ثمّ توانى في أمرهم و استعمل أقر باءه و أهل بيته في الست الأواخر... (2) 334 و قد اتفق المؤرخون و كتّاب السير كلّهم على هذه الحقيقة، و ذكرنا لك آنفاً مفردة واحدة في إحداثه الفقهي في الصلاة بمنى، كما ذكرنا لك نصّاً في إحداثاته السياسية و استعماله أقرباءَه و أهل بيته، و كلا هذين الإحداثين بَدءا في سنة 29 ه، أي في الست الأواخر من حكومته.

و يبدو أنّ عثمان في أوائل سنين حكومته كان يتوضّأ وضوءً ثنائياً مَسْحيّاً، ثمّ تدرّج قليلًا قليلًا فابتكر الوضوء الثلاثي الغسلي، و كانت معالمُهُ مشوّشة مرتبكة عند عثمان نفسه، و قد التزم نشر هذا الوضوء جماعةٌ من عثمانيي الهوى و المشرب و على رأسهم حمران بن أبان (طويدا


1- تاريخ الطبري 4: 267/ أحداث سنة 29 ه.
2- طبقات ابن سعد 3: 64.

ص: 105

اليهودي) فأخذوا يبثّون هذا الوضوء الجديد المرتبك المعالم المضطرب المختلف في الجزئيات و التفاصيل، و كان أوَّل من ضَيَّق دائرة التشويش و الاضطراب في هذا الوضوء الجديد هو حمران بن أبان، لكنّ ذلك لم يفِ بالمطلوب و بقيت المعالم غائمة إلى حدّ كبير لكن بدرجة أقل من الأول، ثمّ جاء ابن شهاب الزهري- منديل الأمراء الأمويين- فقلّص دائرة التهافتات إلى أقل ما يمكنه، و هذّب و شذّب الوضوء العثماني، فصار مدار أخذ أبناء العامّة و الجماعة في الوضوء على رواية «منديل الأمراء الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي الشامي، عن حمران بن أبان (طويدا اليهودي)، عن عثمان» و هي الروايات العشر الأولى التي كان و مازال عليها اعتماد القوم.

و لتبيين هذه الحقيقة، نعرض لك الآن بعض روايات عثمان الوضوئية الذاهبة إلى المسح لا الغسل، و التي رجّحنا أنّها صدرت في النصف الثاني من الستّ الأوائل من عهده، و هذه الروايات المسحية، التي فيها تثليث المغسولات تمثل المرحلة الانتقالية عند عثمان و منظومته من الوضوء المسحي إلى الغسلي.

1- قال عبداللَّه: حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن حمران بن أبان، عن عثمان بن عفّان:

أنّه دعا بماءٍ فتوضّأ و مضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه و ظهر قدميه، ثمّ ضحك فقال لأصحابه: ألا تسألوني عما أضحكني؟ فقالوا: ممّ ضحكت يا

ص: 106

أميرالمؤمنين؟ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دعا بماءٍ قريباً من هذه البقعة، فتوضّأ كما توضّأتُ ثمّ ضحك، فقال لأصحابه: ألا تسألوني ما أضحكني؟

فقالوا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ فقال: إنّ العبد إذا دعا بوضوء، فغسل وجهه حطّ اللَّه عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، و إن مسح برأسه كان كذلك، و إذا طهّر قدميه كان كذلك (1) 335.

2- قال الدارقطني: حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، حدثنا أحمد بن المقدام، أخبرنا محمد بن بكر، أخبرنا عبيداللَّه بن أبي زياد القدّاح، أخبرنا عبداللَّه بن عبيد بن عمير، عن أبي علقمة، عن عثمان بن عفّان، قال: دعا يوماً بوَضُوء، ثمّ دعا ناساً من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فأفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى وغسلها ثلاثاً، ثمّ مضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يده إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه، ثمّ رجليه فأنقاهما، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ مثل هذا الوضوء الذي رأيتموني توضّأتُ له، ثمّ قال: من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ صلى ركعتين كان من ذنوبه كيوم ولدته أمّه. ثمّ قال: أكذلك يا فلان؟ قال: نعم، ثمّ قال: أكذلك يا فلان؟

قال: نعم، حتّى استشهد ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله، ثمّ قال: الحمدُ للّه


1- مسند أحمد 1: 58. و هي في مصنف ابن أبي شيبة 1: 16/ ح 56، و فيها أيضاً «و مسح برأسه و ظهر قدميه». و هي كذلك في مسند البزار 2: 74/ الحديث 420.

ص: 107

الذي و افقتموني على هذا (1) 336.

3- قال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا ابن الأشجعي، حدثنا أبي، عن سفيان، عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، قال: أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء، فتمضمض و استنشق، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه و رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هكذا يتوضّأ، يا هؤلاء أكذلك؟ قالوا: نعم، لنفر من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنده (2) 337.

4- قال أحمد: حدثنا عفّان، حدثنا همام، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه و آله بمثله.

و يعني ب «مثله» الحديث الذي قبله، و هو قوله: حدثنا عفّان، حدثنا همام، حدثنا عامر- يعني الأحول- عن عطاء، عن أبي هريرة: أنّ النبي صلى الله عليه و آله توضّأ فمضمض ثلاثاً، و استنشق ثلاثاً، و غسل وجهه ثلاثاً، و غسل يديه ثلاثاً، و مسح برأسه و وضّأ قدميه (3) 338.

و هذه الروايات الأربع، مرّت مناقشة ثلاثٍ منها، و هي الروايات رقم (2) (3) (4)، و ستأتيك مناقشة الرواية الأولى منها.

فأمّا الثانية هنا- و هي التي مرت برقم (15)- ففيها عبيداللَّه بن أبي


1- سنن الدارقطني 1: 85/ ح 9. و هي التي مرت برقم (15) من رواية الدارقطني. و قد علمت أنّ الرواية عند أبي داود في سننه 1: 27/ ح 109 محرّفة بقوله: «و مسح برأسه ثمّ غسل رجليه».
2- مسند احمد 1: 67. و هي الرواية التي مرت برقم (22).
3- مسند أحمد 2: 348. و هي الرواية التي مرت برقم (24).

ص: 108

زياد القداح الضعيف.

و أمّا الثالثة هنا- و هي التي مرت برقم (22)- ففيها ابن الأشجعي المردّد بين «أبي عبيدة بن عبيد الرحمن الاشجعي» و «عباد بن عبيداللَّه بن عبيدالرحمن الاشجعي» فلا يُدرى أنهما شخصان أم شخص واحد، و على فرض كونهما شخصاً واحداً فهو مجهول الحال.

و أمّا الرابعة هنا- و هي التي مرت برقم (24)- ففيها عطاء بن أبي رباح الذي لم يسمع من عثمان و كان يُرسل عنه، كما أنّ فيها همام بن يحيى البصري الضعيف الحافظة الكثير الخطأ، الذي أضاع كرّاسه الذي كان كتبه عن عطاء، كما أنّ فيها ابن جريج الذي كان حاطبَ ليلٍ، و صاحب غثاء، و قد عنعن الرواية هنا عن عطاء و لم يصرّح بالسماع منه، فتكون روايته كالمنقطعة.

و أمّا الأولى، فاليك الكلام في حالها، فإنّ فيها:

محمد بن جعفر الهذلي، المعروف بغُنْدُر، البصري، فإن هذا الرجل كان كثير النّسيان بليداً.

ذكر أحمد بن حنبل أنّه كان بليداً (1) 339.

و قال علي بن عثّام: كان مغفّلًا (2) 340.

و إذا أردت معرفة قيمة هذا الرجل، و مقدار بلادته، فاليك ما قاله يحيى بن معين، قال: اشترى غندر سمكاً، و قال لأهله: أصلحوه، و نام،


1- تهذيب الكمال 25: 7.
2- سير أعلام النبلاء 9: 101.

ص: 109

فأكل عيالُهُ السمك و لطّخوا يده، فلما انتبه قال: هاتوا السمك، قالوا: قد أكلتَ، قال: لا، قالوا: فشُمَّ يدك، ففعل، فقال: صدقتم، و لكنّي ما شبعتُ (1) 341!!!

و قال صاحبُ البصري: قلتُ لغندر: إنّهم يعظمون ما فيك من السلامة (2) 342، قال: يكذبونَ عَلَيَّ، قلتُ: فحدثني بشي ءٍ يصحّ منها، قال:

صُمتُ يوماً فأكلتُ فيه ثلاث مرات ناسياً، ثمّ أتممتُ صومي (3) 343.

و قال يحيى بن معين: دخلنا على غندر، فقال: لا أحدّثكم بشي ء حتى تجيئوا معي الى السوق، و تمشون فيراكم الناس، فيكرموني، قال:

فمشينا خلفه إلى السوق، فجعل الناس يقولون له: من هؤلاء يا ابا عبداللَّه و هي كنية غندر؟ فيقول: هؤلاء أصحاب الحديث جاءوني من بغداد يكتبون عني (4) 344.

كما أنّ فيها قتادة الذي صرّح يحيى بن سعيد بأنّه لم يسمع من مسلم بن يسار (5) 345.

و قبل كل ذلك، فإنّ فيها حمران بن أبان- طويدا اليهودي- الذي عرفت حاله و وقفت على بعض أدواره.


1- سير أعلام النبلاء 9: 101، تهذيب الكمال 25: 9، ميزان الاعتدال 3: الترجمة 7324.
2- لاحظ عدوله عن لفظة «البلادة».
3- سير أعلام النبلاء 9: 101.
4- سير أعلام النبلاء 9: 101.
5- تهذيب الكمال 27: 553.

ص: 110

و من جملة ما مرّ نخرج بنتيجة مفادها أنّ جميع الروايات في الوضوء العثماني غير صحيحة بناءً على ما قرّره أبناء العامّة من قواعد في الدراية و الرجال. و لكننا سندرس القضية من زوايا أخرى، إذ أنّنا سندرسها من ناحية أنّ مجموع هذه الروايات- على علّاتها- تدلّ على نَحْوِ صدور عن عثمان بن عفّان، و من ناحيةٍ تاريخية إذ المنهج التاريخي لا يأبى أن نأخذ مجموع الروايات و ندرسها و نحللها لنخرج بالصورة الواضحة لما كان عليه السير الوضوئي، و كيف تدرّج المخترعون له و المتبنون له إلى أن أوصلوه إلى ما هو عليه اليوم عند طائفة من المسلمين.

إن المباني الدرائية و الرجالية قد تقول أنّ الرواية الفلانية ضعيفة بفلان، فتسقطها عن الاعتبار، و تكتفي بذلك، لكننا وفق منهجنا التحليلي التاريخي لا بدّ أن نرى ناشر هذه الرواية من هو؟ و ما كانت عليه هذه الرواية في القرن الأول و الثاني و مدى تأثيرها على المسلمين آنذاك؟ فإن شيوع هذه الرواية بهذه الكثرة و نشرها عِبْر شبكات بصريّة و شامية لا يأتي من فراغ. و لذلك نرى طائفة كبيرة من المسلمين اليوم يعملون بهذه الروايات و يحتالون لتصحيحها بكل حيلة، و هذا يدل على أنّ لها جذوراً و امتدادات و التزامات سلطوية فاتت عليهم، فدونوها و شُحنت بها كتبهم.

و من خلال هذه الرؤية نرى أنّ هذه الروايات الأربع تدل على المرحلة الانتقالية و تمثّل حلقة من سلسلة تطور الوضوء عند عثمان و شبكته من الوضوء الثنائي المسحي إلى الوضوء الثلاثي الغسلي.

ص: 111

فالرواية رقم (1) تنقل لنا أنّ عثمان غسل وجهه ثلاثاً، و ذراعيه ثلاثاً، و مسح برأسه و ظهر قدميه، فجاء بالوضوء الأصيل و لم يَزدْ إلّا التثليث في الغسلات، و ذلك أنه لما توضّأ هذا الوضوء روى أنّه كان يتتبّع فيه وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لكنه عندما راح ينقل وضوء النبي صلى الله عليه و آله نقلَهُ دون التثليث (1) 346، و سمّى مسح ظهر القدمين «طهّر قدميه»، و ذلك بمحضر جماعة غير محدّدة من أصحاب عثمان الرائين لوضوئه.

و تقدمت الرواية رقم (2) خطوةً بالوضوء العثماني الجديد، فذكرت أنّه «مسح برأسه ثمّ رجليه»، فعَدَلت عن «ظهر القدمين» إلى لفظ «الرجلين» لتوحي بأنّ الممسوحَ ليس خصوص ظهر القدمين، بل الرِّجلين، ثمّ أضافت هذه الرواية زيادةَ «فأنقاهما» لتوكّد المبالغة في المسح.

و جاءت الرواية رقم (3) محافظةً على أصل مسح الرأس و الرجلين، لكنها أضافت إليهما التثليث في مسح الرأس و الرجلين، مضافاً إلى تثليث غسل الوجه و اليدين، و نقلتْ لنا استشهاد عثمان لجماعة لم تذكر أسماؤهم من أصحاب رسول اللَّه (2) 347.

ثمّ جاءت الرواية رقم (4) لترسل تثليث المغسولات إرسال


1- و ذلك لأنه نقل قول النبي صلى الله عليه و آله «إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حط اللَّه عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك» فلم ينقل التثليث للغسلات.
2- تقدم عليك أنّ عثمان استشهد جماعة من أصحابه لا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

ص: 112

المسلمات، و لتذكر مسح الرأس دون أي توضيح، و لتُعمِّي حكم الرجلين قائلة «و وضّأ قدميه» فإنّ «وضّأ» بمعنى حَسَّنَ و نظَّفَ كما نص عليه أرباب اللغة، فلا يدرى ما هو مراده من التوضئة، أهو المسح أم الغسل؟

و بعد هذه المراحل تطور الوضوء العثماني فصار يغسل الرجلين ثلاثاً ثلاثاً، و تطوّر حتى صار يغسل الرأس ثلاثاً، و تطور حتى صار يمسح الأذنين باطنهما و ظاهرهما.

و تطوّر هذا الوضوء إلى أن صار أبو هريرة يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، و يخاف أن يراه الناس و يغسل رجليه حتى يرفع الغسل في ساقيه.

فقد روى النسائي في سننه بسنده عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة و هو يتوضّأ للصلاة، و كان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة، هذا الوضوء؟! فقال لي: يا بني فروخ (1) 348 أنتم هاهنا؟! لو علمتُ أنكم هاهنا ما توضّأت هذا الوضوء (2) 349...

و روى أحمد بسنده عن نعيم الُمجْمِر أنه قال: رقيتُ مع أبي هريرة على ظهر المسجد و عليه سراويل من تحت قميصه، فنزع سراويله، ثمّ توضّأ و غسل وجهه و يديه، و رَفَعَ في عضديه الوضوءَ، و رجليه فرفع في ساقيه، ثمّ قال: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: إنّ أمتي يأتون يوم القيامة غرّاً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرَّته


1- بنو فرّوخ: من لم يكن من العرب. ذكر اخبار اصبهان: 5.
2- سنن النسائي 1: 95/ باب حلية الوضوء.

ص: 113

فليفعل (1) 350.

و أبو هريرة مات سنة 59 ه، و أبو حازم سلمان الاشجعي مات على رأس المائة (100 ه) (2) 351، و نعيم الُمجْمِر مات قريب سنة 120 ه (3) 352، فيكونان قد رأيا وضوء أبي هريرة هذا في العصر الأموي، و بعد أن سار الوضوء العثماني- الذي التزمه الموالي و الامويون و أعداء علي عليه السلام- خطوات واسعة.

و الذي يؤكّد كون أبي هريرة كان يرى هذا الوضوء في العهد الأموي هو ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن أبي زرعة، قال: دخلتُ مع أبي هريرة دار مروان بن الحكم، فدعا بوضوء فتوضّأ، فلما غسل ذراعيه جاوز المرفقين، فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين، فقلت: ما هذا؟! قال: هذا مبلغ الحلية (4) 353.

و روى أيضاً رواية أخرى بسنده عن أبي زرعة، قال: دخلتُ على أبي هريرة فتوضّأ إلى منكبيه و إلى ركبتيه، فقلت له: ألا تكتفي بما


1- مسند أحمد 2: 400. و لما كان هذا الوضوء عجيبا، بَتَرَ البخاري هذه الرواية فرواها في صحيحة 1: 43 مكتفيا بنقل قول نعيم المجمر: رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضّأ فقال: اني سمعت رسول اللَّه... الخ.
2- تقريب التهذيب 1: 375. و في تهذيب الكمال 11: 259 أن أبا حازم قاعَدَأبا هريرة خمس سنين.
3- سير اعلام النبلاء 5: 227/ الترجمة رقم 94. و فيه أنّ نعيم المجمر جالَسَ أبا هريرة عشرين سنة.
4- المصنف، لابن أبي شيبة 1: 58/ ح 606.

ص: 114

فَرَضَ اللَّه عليك من هذا؟! قال: بلى، و لكنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول:

«مَبْلَغُ الحليةِ مَبْلَغُ الوضوء»، فأحببت أن يزيدني في حليتي (1) 354.

و أبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير البجلي (2) 355، وفد مع جدّه جرير على معاوية (3) 356، و كان انقطاعه إلى أبي هريرة (4) 357، و قد صرّح هذا الراوي بأنّ أبا هريرة كان يتوضّأ هذا الوضوء في زمان مروان بن الحكم، أي بعد أن قطع الوضوء العثماني شوطاً، و تبناه الأمويون و أذنابهم، و قد صرّح هؤلاء الرواة الثلاثة الملازمون لأبي هريرة بأنّه لم يدّع أنّه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ هذا الوضوء المخترع، بل استدل تارة بحديث إطالة


1- المصنف، لابن أبي شيبة 1: 58/ ح 607.
2- جرير بن عبداللَّه البجلي، أسلم قبل وفاة النبي باربعين يوماً، و كان رئيس بجيلةفي حروب العراق زمان عمر، و كان عاملًا لعثمان على اذربيجان، و لمّا قام اميرالمؤمنين علي عليه السلام باعباء الخلافة بايعه جرير بعد الجمل، ثمّ أرسله اميرالمؤمنين إلى معاوية ليأخذ منه البيعة، فابطأ و تواطأ مع معاوية، و اتهمه الناس بذلك، ثمّ هَرَبَ إلى قرقيسياء و لم يشارك مع علي عليه السلام في صفين، و كان مسجدُهُ في الكوفة أحد المساجد الملعونة، و قد بايعا هو و الاشعث بن قيس ضَبّاً بدلًا عن بيعتهم لعلي عليه السلام، فقال علي عليه السلام: أما إنهما يحشران يوم القيامة و إمامهما ضبٌّ. مات سنة 51 ه أو 54 ه و ذلك أنه خرج من الكوفة مع جماعة و نزلوا قرقيسيا و قالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. (انظر وقعة صفين: 55 و 59 و 61، و شرح النهج 1: 28 و 3: 116، و 4: 76، و الغارات 2: 484، و تاريخ الطبري 3: 561، و أسد الغابة 1: 280، و تاريخ بغداد 1: 91).
3- سير أعلام النبلاء 5: 8/ الترجمة 3.
4- تهذيب الكمال 33: 324/ الترجمة 7370.

ص: 115

الغرّة و أخرى بحديث مبلغ الحلية (1) 358، و يستتر تارة أخرى بوضوئه الذي يبلغ به إبطه و هو في كل ذلك ملتزمٌ بوضوء عثمان في كنف الأمويين.

و قد تبع بعض القوم أبا هريرة في هذا الوضوء- مع أنّ القاضي عياض صرّح بأنّ الناس مجمعون على خلافه- فراحوا يختلفون في حكم المسألة، قال النووي: فاتفق أصحابنا على استحباب غسل مافوق المرفقين


1- قال القرطبي في تفسير 6: 86 قال القاضي عياض: و الناس مجمعون على خلافه اي خلاف أبي هريرة في وضوئه هذا و أن لا يُعتدى بالوضوء حدوده... و قال غيرُهُ: كان هذا الفعل مذهباً له و مما انفرد به، و لم يحكه عن النبي و انما استنبطه من قوله «انتم الغر المحجلون» و من قوله «تبلغ الحلية» كما ذَكَرَ. و لذلك تعجّب ابن حجر من رفع ابي هريرة فعله هذا إلى النبي، حيث روى مسلم في صحيحه 1: 149 بسنده عن نعيم بن عبداللَّه المجمر، قال: رأيت أبا هريرة يتوضّأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثمّ غسل يده اليمنى حتى شرع في العضد، ثمّ اليسرى حتى شرع في العضد، ثمّ مسح راسه. ثمّ غسل رجله اليمنى حتى اشرع في الساق ثمّ غسل رجله اليسرى حتى اشرع في الساق، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول اللَّه يتوضّأ و قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: انتم الغر المحجلون يوم القيامة من اسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليُطل غرته و تحجيله. قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1: 423 و أعجب من هذا ان أبا هريرة رفعه إلى النبي في رواية مسلم!!! و قال الالباني في ارواء الغليل 1: 133 نقلا عن ابن القيم في حادي الارواح 1: 316 فهذه الزيادة اي فمن استطاع منكم فليُطل غرته مدرجة في الحديث، فهي من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه و آله، بَيَّنَ ذلك غير واحد من الحفاظ، وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن ان تكون من كلام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فإن الغرّة لا تكون في اليد، لا تكونُ إلّافي الوجه، و إطالتها غير ممكنة؛ تدخل في الرأس فلا تسمّى تلك غرة.

ص: 116

و الكعبين، ثمّ جماعة منهم أطلقوا استحباب ذلك و لم يحدّوا غاية الاستحباب بحدٍّ... و قال جماعة: يستحبّ إلى نصف الساق و العضد، و قال القاضي حسين و آخرون: يبلغ به الإبط و الركبة، و قال البغوي:

نصف العضد فما فوقه و نصف الساق فما فوقه (1) 359!!! فانظر إلى أين وصل وضوء عثمان!!

و مثل صنيع أبي هريرة كان يصنع عبداللَّه بن عمر بن الخطاب، فقد روى ابن أبي شيبة، بسنده عن نافع مولى ابن عمر: أنّ عبداللَّه بن عمر كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف (2) 360.

و هذا الوضوء أيضاً كان في زمان الأمويين، لأن نافعاً مولى ابن عمر كان من سَبْي كابُل التي افتتحت سنة 44 ه (3) 361، فجي ء به فصار لعبداللَّه بن عمر، فروايته عن ابن عمر تكون بعد هذا التاريخ، فهي في زمان بني أمية لا محالة.

و بلغ التطوّر ذروته و أَوْجَهُ حين راح عمرو بن شعيب المتوفى سنة 118 ه- حفيد عمرو بن العاص، و الذي طالَبَ عمر بن عبدالعزيز أن يديم لَعْنَ الامام علي عليه السلام على المنابر (4) 362- راح هذا الرجل يروي عن أبيه


1- المجموع، للنووي 1: 428.
2- المصنف لابن ابي شيبة 1: 57/ ح 604.
3- تاريخ دمشق 61: 426، و تاريخ خليفة بن خياط: 126.
4- في الامالي الخميسية: 53 إن عمرو بن شعيب لمّا اسقط عمر بن عبدالعزيز من الخُطَب على المنابر لَعْنَ أميرالمؤمنين عليه السلام، قام إليه عمرو بن شعيب- و قد بلغ الموضع الذي كانت بنو أميّة تلعن فيه عليا، فقرأ مكانه «إن اللَّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر»- فقام إليه عمرو بن شعيب فقال: يا أميرالمؤمنين، السنّة السنّة، يحرّضه على لعن عليّ بن أبي طالب، فقال عمر بن عبدالعزيز: اسكت قبّحك اللَّه، تلك البدعة لا السنة.

ص: 117

عن جدّه أنّ رجلًا أتى النبي صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول اللَّه كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل ذراعيه ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه فأدخل اصبعيه السباحتين في أذنيه، و مسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، و بالسباحتين باطن أذنيه، ثمّ غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: هكذا وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء و ظلم أو ظلم و أساء (1) 363.

فراح عمرو بن شعيب يدعي أنّ من توضّأ مرّة أو مرتين فقد أساء و ظلم، و أنّه لا يصحّ إلّاالوضوء الثلاثي العثماني!! فلذلك تحيّر علماء العامة و أهل الجماعة في توجيه هذا الحديث (2) 364، و قال ابن حجر: عدّه مسلمٌ في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب، لأنّ ظاهره ذم النقص عن الثلاث (3) 365،


1- سنن أبي داود 1: 37/ باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً- الحديث 135.
2- قال النووي في المجموع 1: 438 و اختلف اصحابنا في معنى «اساء و ظلم» فقيل... و قيل... و قيل. و انظر تحيّرهم في توجيهه في تلخيص الحبير 1: 408، و مغني المحتاج 1: 59، و نيل الاوطار 1: 209، و تحفة الأحوذي 1: 114، و عون المعبود 1: 157 و سبل الهدى و الرشاد 8: 50- 51. و غيرها.
3- فتح الباري 1: 205 كتاب الوضوء/ باب ما جاء في قول اللَّه عزوجل «اذا قمتم الى الصلاة».

ص: 118

ثمّ راح يتمحّل في توجيهه، وفاتهم أنّ هذا من مخلّفات التبني لوضوء عثمان و من مختلقات عمرو بن شعيب.

و مع أنّ عمرو بن شعيب حالُهُ يرثى له (1) 366، و مع أنّه هو مخترع مقولة (2) 367


1- فقد علمت أنّ هذا الرجل ناصبيّ، و الناصبيُّ لا يُحتجُّ بروايته إجماعاً. هذا، مع أنّ كل أحاديث عمرو بن شعيب التي يحدّثها عن أبيه عن جدّه مليئة بالإشكالات التي تُخرجها عن حيّز الاحتجاج بها، ناهيك عن الكلام في نفس شخصية عمرو بن شعيب. قال سفيان بن عينية: كان إنّما يحدّث عن أبيه عن جدّه، و كان حديثه عند الناس فيه شي ء. (سير أعلام النبلاء 5: 166.) و قال عمرو بن العلاء: كان لا يُعاب على قتادة و عمرو بن شعيب إلّاأنّهما كانا لا يسمعان شيئاً إلّاحدّثا به. (الضعفاء، للعقيلي 3: 74.) و قال أبوالحسن الميموني: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، و إنّما يكتب حديثه، يعتبر به، فأمّا أن يكون حجّةً فلا. (تهذيب الكمال 22: 68.) و قال علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد: حديثُهُ عندنا واهٍ. (الجرح والتعديل 6: الترجمة 1323.) و قال أبو عبيد الآجري: قيل لأبي داود: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عندك حجّة؟ قال: لا و لانصف حُجّة. (تهذيب الكمال 22: 71.) و روى عباس، عن يحيى بن معين، قال: إذا حدّث عن أبيه عن جده فهو كتاب، و يقول: «أبي عن جدّي» فمن هنا جاء ضعفه. (سير اعلام النبلاء 5: 169.) و عن معمر بن أيوب، قال: كنت إذا أتيتُ عمرو بن شعيب غطيت رأسي حياءً من الناس. (الكامل في الضعفاء 5: 114.) و قال ابو حاتم البستي: إذا روى عن ابيه عن جدّه فإن شعيبا لم يلق عبداللَّه بن عمرو بن العاص فيكون الخبر منطقعا، و إذا أراد جدّه الأدني فهو محمّد و لا صحبةَ له، فيكون مرسلًا. (المجروحين، لابن حبان 2: 72.) و خلاصة الكلام، أنّ هذا الرجل ناصبي، و مقدوح حتى كان بعضهم يغطي رأسه إذا كان عنده، و أنّ سنده «عن أبيه عن جدّه» في غاية الإشكال.
2- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، وضوء عثمان بن عفان من النشأة إلي الإنتشار، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

ص: 119

«فمن زاد أو نقص فقد أساء و ظلم» الواضحة البطلان، نرى أنّ هناك مِن أتباع مدرسة عثمان الوضوئية من أفتى طبق ما قاله عمرو بن شعيب.

قال ابن حجر: و من الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد الاسفراييني عن بعض العلماء أنّه لا يجوز النقص من الثلاث، و كأنّه تمسّك بظاهر الحديث المذكور (1) 368.

و قد علمت بأنّه لا غرابة في ذلك، بعد وقوفك على كيفية تدرّج هذا الوضوء من عثمان إلى حمران إلى الزهري، و كيف انتشر بدعم الأمويين بين المسلمين عبر الموالي و أعداء الإمام علي عليه السلام و أبي هريرة و عبداللَّه بن عمر، ثمّ جاء عمرو بن شعيب و اضرابه ليقولوا ما حلالهم.

و في هذا السياق تلاحظ حرص مدرسة أتباع عثمان على قَوْلبَة هذه الروايات الأربع في قالب الوضوء الثلاثي الغسلي العثماني، فانقلبتِ الروايةُ الأُولى- عن عمدٍ أو سهو- القائلة «و مسح برأسه و ظهر قدميه» انقلبت في مجمع الزوائد إلى «و مسح برأسه و طهر قدميه» (2) 369!!

و قُلبت الروايةُ الثانية- عمداً- من كونها قائلة «ثمّ مسح برأسه، ثمّ رجليه فأنقاهما» إلى رواية قائلة «و مسح برأسه ثمّ غسل رجليه»!!


1- فتح الباري 1: 206.
2- مجمع الزوائد 1: 229/ باب ما جاء في الوضوء.

ص: 120

و حُرّفت الرواية الثالثة بشكلٍ مفضوح، فبينما كان النص فيها «ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه و رجليه ثلاثاً ثلاثاً» انقلب إلى وضوء ما قال به قائل من المسلمين؛ حيث أراد المحرِّف أن يوائم هذه الرواية و يطابقها مع وضوء عثمان المتبنّى عنده، فغير غسل الرأس من ثلاث إلى مرّة، و أخّر مسح الرأس عن غسل الرجلين، فصار النص عنده «ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، و يديه ثلاثاً ثلاثاً، و رجليه ثلاثاً ثلاثاً ثمّ مسح برأسه»!! و بينما تنصّ روايات أخرى على أنّ عثمان استشهد جماعة من أصحابه على وضوئه، راحت هذه الرواية تدّعي أنّه استشهد نفراً من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فشهدوا له!!

ثمّ راح المحرّفون إذا اعياهم نصٌّ أن يحرفوا متنه حرفوا مفاده، و قالوا ان المسح يراد منه الغسل، لأنّ الغسل مسحٌ و زيادة، أو مسحٌ كثيف، أو...، و حين أعياهم نص القرآن القائل «و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم» راحوا يختلقون القراءات، و يعزون الاختلاف في الوضوء اليها، كما راحوا يصيرون إلى وجوهٍ إعرابية بعيدة ليصرفوا الاية الكريمة عن ظهورها، و لمّا رأوا أنّ ذلك لا يجديهم نفعاً، قالوا: إنّ القرآن نزل بالمسح لكنّ السنة رجعت إلى الغسل و و و... مع أنك ترى أنّ الذي ألجأهم لذلك هو وضوء عثمان لا وضوء النبي صلى الله عليه و آله، و قد وقفتَ على بعض مراحل تطوّره، و بعض التلاعبات التي حصلت فيه، كما عرفت بعض أسماء متبنيه من المشبوهين و على رأسهم حمران بن أبان طويدا اليهودي.

و إذا عرضنا النتائج التي توصّلنا إليها، على ملابسات الأحداث،

ص: 121

و تفصيل المجريات، و وقفنا على ماهيّات المتبنين للوضوء العثماني و ميولاتهم السياسية و الفقهية و العشائرية، و انتماءاتهم العقائدية و المذهبية، و مراكز توطّنهم و بُؤر انتشارهم، أقول: إذا عرضنا النتائج التي توصّلنا إليها على كلّ ذلك عبر «نسبة الخبر» وقفنا على صحة الاستنتاج، و ظهرت لنا الحقيقة جليّة واضحة.

إذ نسبةُ الخبر إذا انضمت إلى عدم صحة الأسانيد كما وقفتَ عليه، و انضمتْ إلى اضطراباتِ متونِ الروايات العثمانية، و انضمّت إلى التحريفات التي رأيتَ بعضها في المتون، و انضمت إلى ما شاهَدْتَهُ من التدرّج في عهد معاوية و مروان و عبدالملك بن مروان و وصول الوضوء إلى الابطين و الركبتين عند ابى هريرة، أظهرت لنا نتيجة واضحة حول الفرق بين الوضوء النبوي الثنائي المسحي، و بين الوضوء العثماني الثلاثي الغسلي.

ص: 122

ص: 123

نسبة الخبر إليه

اشارة

غير خفي على الدارس أنّ السياسة الأموية ابتنت على الظلم الجسدي و الروحي، و التحريف الفكري و العقائدي و امتطت في ذلك صهوة سياسة الترهيب و الترغيب، و قد أعلن معاوية عن سياسته هذه في باكورة استلامه للأمور حيث قال- بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام طبق الشروط التي اتفق عليها الطرفان و وقّعا عليها-: ألا إنّ كل شي ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به (1) 370.

و أعلن عن هدفه من الحكم بكل صراحة في النخيلة (2) 371 يوم الجمعة، قائلًا: ما قاتلتكم لتصوموا و لا لتصلوا و لا لتحجوا و لا لتزكوا، قد عرفتُ أنكم تفعلون ذلك، و لكن إنما قاتلتكم لأتامر عليكم، و قد أعطاني


1- مقاتل الطالبيين: 45. و انظر الإرشاد للمفيد 2: 14.
2- موضع قرب الكوفة.

ص: 124

اللَّه ذلك و أنتم كارهون (1) 372.

و استمرّ معاوية على هذه الوتيرة حتى أواخر أيام سلطته، فحين أخذ البيعة القسرية لولده يزيد، أمر أحد أتباعه فقام يدعو الناس إلى البيعة، فقال: أميرالمؤمنين هذا- و أشار بيده الى معاوية- فإن مات فهذا- وأشار بيده إلى يزيد- فمن أبى فهذا- و أشار بيده إلى سيفه- فقال له معاوية:

أنت سيد الخطباء (2) 373.

و كان مروان يسير على خطى عثمان و معاوية و بنفس النعرة القبلية الطامحة إلى الحُكْم، فراح يدعو الناس إلى بيعة يزيد، و يصفها بأنها كبيعة أبي بكر و عمر و سنّتهما، فقد روى النسائي بسنده عن محمد بن زياد قال:

لما بايع معاوية لابنه يزيد، قال مروان: سنة أبي بكر و عمر، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: سنّة هرقل و قيصر (3) 374...

و على نفس النهج سار عبدالملك بن مروان، فراح يشدّد في سياسة الرعب و الإرهاب، و يُحكّم السيف فيصلًا أولًا و أخيراً في سبيل ترسيخ أفكاره و حصوله على الحكم و الحفاظ عليه، حيث حجّ عبدالملك بعد مقتل ابن الزبير بعامين، فخطب فقال: أمّا بعد، فانه كان مَن قبلي من الخلفاء يأكلون من المال و يؤكلون، و إني و اللَّه لا أداوي أدواء هذه الامة إلّا بالسيف، و لست بالخليفة المستضعف- يعني عثمان- و لا الخليفة


1- البداية و النهاية 8: 140، المصنف لابن ابي شيبة 7: 251/ ح 23.
2- البيان و التبيين 1: 300.
3- السنن الكبرى للنسائي 6: 458- 459.

ص: 125

المداهن- يعني معاوية- و لا الخليفة المأبون- يعني يزيد بن معاوية.

أيها الناس إنّا نحتمل منكم كل الغرمة ما لم يكن عقدُ راية أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقُّهُ حقّهُ، قرابته و ابنه، قال برأسه هكذا فقلنا بسيفنا هكذا (1) 375...

و قد جلس عبدالملك بن مروان- أيام حكومته- إلى أم الدرداء مرّة، فقالت له: يا أميرالمؤمنين بلغني أنك شربت الطلاء بعد العبادة و النسك؟! قال: إي و اللَّه- يا أم الدرداء- و الدماء قد شربتها (2) 376.

و قد أطلق عبدالملك يدي الحجاج ليعيث فى الدنيا فساداً كيف شاء، و قرّبه أشدّ التقريب، حتى صار يقتل الصالحين و يشردهم و يفعل الأفاعيل، حتى أنّ الحسن البصري لما سُئل عن عبدالملك، قال: ماذا أقول في رجل الحجاج إحدى سيئاته (3) 377.

و هذا الرباعيّ الحاكم (4) 378، كما تراه لا يعرف إلّالغة السيف والتهديد، و ليس له مطمح إلّاالحفاظ على السلطة و هي نفس الفكرة التي قتل عثمان من أجلها؛ إذ لم يتخلّ عن كرسي حكمه، لكنّهم في نفس الوقت كانوا يسعون لبناء صرح فقهي عقائدي فكريّ أمويّ، يُعادي البناء الشامخ لنهج التعبد المحض، و يناوئ فقه الإمام علي و الصحابة المتعبّدين، المحدثين عن


1- البداية و النهاية 5: 68، تاريخ دمشق 37: 134.
2- تاريخ دمشق 37: 151.
3- الامام الصادق لعبد الحليم الجندي: 120.
4- معاوية، مروان، عبدالملك، الحجاج.

ص: 126

رسول اللَّه و المتمسكين بسنته المباركة، لذلك نرى عثمان يجعل حمران بن أبان (/ طويدا اليهودي) صاحب سرّه وداعيته لوضوئه الجديد، و أيضاً نرى مروان ينسّق الأمور مع حمران هذا وراء الكواليس و يسوّي رداءه على عاتقه (1) 379، و يقتصر حمران في الرواية على عثمان و معاوية فقط (2) 380، ويحتضن عبدالملك بن مروان: حمران، والحجاج، والزهري، أيّما احتضان.

والذي في غاية الغرابة هو أنّ عبدالملك بن مروان كان يدعو صنيعه الزهري للتحديث و الكتابة و نشر العلم، في الوقت الذي يختم فيه عاملُهُ الحجاج على أيدي و أعناق كبار الصحابة و يمنعهم من التحديث عن رسول اللَّه، فقد ختم الحجاج في عنق أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول اللَّه، وعنق سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، و يد جابر بن عبداللَّه الأنصاري يريد إذلالهم بذلك و أن يجتنبهم الناس و لا يسمعوا منهم (3) 381.

وفي الوقت الذي وصلت فيه شنائع عبدالملك عنان السماء، نرى عبداللَّه بن عمر من أوائل المبايعين له (4) 382، مع أنّه عندما أفضى إليه الأمر كان المصحف في حجره يقرأ فيه، فأطبقه و قال: هذا آخر العهد بك (5) 383.


1- مختصر تاريخ دمشق 7: 254، تهذيب الكمال 7: 305، الوافي بالوفيات 3: 169، تاريخ الطبري 6: 165، أنساب الاشراف 6: 89.
2- انظر في ذلك تهذيب الكمال 7: 301.
3- انظر هذا النص في اسد الغابة 2: 366/ ترجمة سهل بن سعد الساعدي.
4- انظر صحيح البخاري 8: 138.
5- تاريخ دمشق 37: 127.

ص: 127

بل كان ابن عمر يدعو الناس إلى أخذ الدين عن عبدالملك، و يصفه بالفقيه، فعن عبادة بن نسي قال: قيل لابن عمر: إنكم معشر أشياخ قريش توشكون أن تنقرضوا، فمن نسأل بعدكم؟ فقال: إنّ لمروان ابناً فقيها فسلوه (1) 384.

و يبدو أنّ ابا هريرة و عبداللَّه بن عمر، و نافعاً مولى ابن عمر، وأضرابهم من هذا النمط كانوا دعاة لعبدالملك بن مروان، يوحون للناس بأنّ حكومته حكومة الهية مبشّر بها.

فقد رووا أن أبا هريرة نظر إلى عبدالملك و هو غلام، فقال: هذا يملك (2) 385.

و مرّ عبدالملك بن مروان بعبداللَّه بن عمر و هو في المسجد- و ذكر اختلاف الناس- فقال: لو كان هذا الغلام اجتمع الناس عليه (3) 386.

و قد حفظ عبدالملك لعبداللَّه بن عمر ذلك- أي تبشيره به، و بيعته إياه، و دعوة الناس للأخذ عنه، و و و- فكتب إلى الحجاج أن يأتمّ بعبداللَّه بن عمر في الحجّ (4) 387... و كتب إليه يأمره أن لا يخالف ابن عمر في أمر الحج (5) 388.


1- تاريخ بغداد 10: 388، تاريخ دمشق 37: 119.
2- سير أعلام النبلاء 4: 247.
3- تاريخ دمشق 37: 121.
4- صحيح البخاري 2: 175.
5- سنن النسائي 5: 252.

ص: 128

و كان نافع مولى ابن عمر أيضاً يعزف على هذا الوتر، فكان يقول:

لقد رأيت المدينة و ما بها شابّ أشدّ تشميراً و لا أفقه و أقرأ لكتاب اللَّه من عبدالملك بن مروان (1) 389.

و يقول: ما بها شاب أنسك و لا أشدّ تشميراً و لا أكثر صلاة و لا أطلب للعلم من عبدالملك بن مروان، و في رواية: و لا أطول صلاة و لا أعلم للعلم منه.

و كان أبو الزناد عبداللَّه بن ذكوان- مولى آل عثمان (2) 390- يقول: فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، و عروة بن الزبير، و قبيصة بن ذؤيب، وعبدالملك بن مروان (3) 391.

بلى كانت سياسة عبدالملك و الحجاج و أضرابهما قد ابتنت على الدعوة إلى فقه عثمان بن عفان و تبنّي رأيه، فقد قال عبدالملك: «فالزموا ما في مصحفكم الذي حملكم عليه الإمام المظلوم- يعني عثمان- و عليكم


1- تاريخ دمشق 37: 119.
2- أبو الزناد، عبداللَّه بن ذكوان، أبو عبدالرحمن القرشي المدني، كان أبوه مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة زوجة الخليفة عثمان! و قيل: مولى عائشة بنت عثمان بن عفان، و قيل: إنّ ذكوان كان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر، و هذا النقل يؤيد أن للأمويين يداً طولى في مقتل عمر، و كان أبو الزناد كاتباً لخالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم بالمدينة، ثم كان كاتباً لحميد بن عبدالرحمن بن زيد الخطاب، وفد على هشام بن عبدالملك بحساب ديوان المدينة، قال أبو داود: كان أبو الزناد وجيهاً عندالسلطان و لهذا كان مالكاً لا يرضاه، مات سنة 131 و قيل 133 و هو ابن 66 سنة. «سير أعلام النبلاء 5: 445، تاريخ ابن معين للدوري 1: 174، تهذيب التهذيب 3: 224 و 5: 180».
3- تاريخ دمشق 37: 119.

ص: 129

بالفرائض التي جمعكم عليها إمامكم المظلوم رحمه اللَّه» (1) 392.

و جاء عن الشعبي أنّ الحجّاج سأله عن الفريضة في الأخت و أم الجد؟ فأجابه الشعبي باختلاف خمسة من أصحاب الرسول فيها: عثمان، زيد، ابن مسعود، علي، ابن عباس... ثم بدأ بشرح كلام ابن عباس، فقال له الحجاج: فما قال فيها أميرالمؤمنين- يعني عثمان-؟ فذكرها.

فقال الحجاج: مُرِ القاضي فليمضها على ما أمضاها عليه أميرالمؤمنين عثمان. (2) 393 و في ضمن هذا الجوّ الفقهي المصطنع يلفت نظرنا تصدّر المغمورين والطلقاء لأمور الدين المهمة.

فعثمان، و معاوية، و مروان، و عبدالملك كلّهم سخروا حمران (/ طويدا)، لخدمة أفكارهم، و سخّرهم هو لتمرير مراميه اليهودية والشعوبية، و الحجّاج بن يوسف الثقفي كان أيضاً من جملة المخطَّط الذي يدعو إلى الفقه و الفكر الأموي، و الزهريُّ- منديل الأمراء- سخّره عبدالملك بشكل مفضوح لخدمة الأمويين فقهاً و سياسة. فما هو السرّ في الأمر؟

الملاحظ في رواة الوضوء عن عثمان في مسيرهم العام أنهم من المشبوهين و الموالي و القرشيين و البصريين و الشاميين، و المقدوحين،


1- طبقات بن سعد 5: 233، تاريخ دمشق 37: 135، البداية و النهاية 9: 77 و النص منه.
2- حلية الاولياء 4: 325.

ص: 130

و المناوئين لفقه التعبد المحض- بريادة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام- و كان رأسهم كما علمت طويدا بن أبا اليهودي التمري المتسمّي ب: حمران بن أبان النمري.

و من كل الضبابية في الرؤية الوضوئيّة التي كانت عند عثمان، اختير أولًا حمران ليؤدي دور النشر و التبليغ لهذا الوضوء، ثمّ اختار عبدُالملك الزهريَّ ليقوم بالدور الكبير في رواية و كتابة ما يخدم الاتجاه الأموي، فقام بذلك بالشكل المطلوب، و نقّح مرويات الوضوء العثماني الحمراني محاولًا إلغاء ما بينها من الخلافات، فنجح بعض الشي ء في ذلك، و أوصل الاضطرابات في الوضوء العثماني إلى أقلّ حدٍّ أمكنه كما أوضحنا ذلك قبل قليل.

فالمنعطفات في الوضوء الثلاثي الغسلي، تكمن عند ثلاثة أشخاص:

أوّلهم: عثمان بن عفان، وقد كتبنا عن ابتداعه لهذا الوضوء الجديد في الإصدار الأول من هذه السلسلة وقد وقفت هنا على انتهاء المجموع العام من الأسانيد إليه.

و ثانيهما: هو حمران بن أبان، وقد عرفت بعض الشي ء عنه، و ستقف على خلاصة تفاصيل أدواره في الكتيب الثالث بإذن اللَّه.

و ثالثهما: هو محمد بن شهاب الزهري، الذي كان يسمّى منديل الأمراء.

فمن هو الزهري؟ و لماذا يتخصّص بنقل وضوء عثمان عن حمران عن عطاء المولى الشامي فقط مع أنّه عاصر رهطاً كثيراً من أصحاب

ص: 131

رسول اللَّه؟! كجابر بن عبداللَّه الأنصاري، و سهل بن سعد الساعدي، و ابن عمر، و عبداللَّه بن عباس، و أنس بن مالك، فلماذا لا يروي الوضوء عن أصحاب رسول اللَّه الذين رآهم و عايشهم (1) 394، بل تراه يروي الوضوء عن رجال مغمورين كعطاء بن يزيد الليثي المولى، عن حمران بن أبان (/ طويدا)، عن عثمان الأموي، فما يعني هذا؟

أضف إلى ذلك: لماذا لا نراه يروي رواية واحدة عن أحد من الصحابة في الوضوء المسحي كعلي بن أبي طالب، و ابن عباس، و أنس بن مالك و غيرهم؟ و في المقابل نراه يروي الوضوء الغسلي عن عثمان عن طريق عطاء بن يزيد الليثي المولى المغمور، عن حمران بن أبان، مع أنه كان قد عاصر حمران بن ابان؟ فعلى أي شي يدل هذا؟

فلنقف هنيئة مع الزهري في شخصيته و مواقفه و دوره في ترسيخ فقه الحكّام.

من هو الزهريّ؟

هو محمد بن مسلم بن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن شهاب الزهري القريشي، نسبة إلى زهرة بن كلاب، ولد في المدينة المنورة بين سنة 51 و 58، و المشهور أنه ولد سنة 51 أو 52 و مات في الشام و دفن فيها سنة 124 ه و هو ابن اثنين أو ثلاث و سبعين سنة، روي أنه قيل للزهري: هل شهد جدك بدراً؟ فقال: نعم و لكن من ذلك الجانب، يعني أنه كان في صفّ


1- قال ابن منجويه: رأى عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله. تهذيب الكمال 26: 432.

ص: 132

المشركين، و كان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير (1) 395.

قال الزهري و هو يصف حاله و كيفيّة اتصاله بعبد الملك بن مروان:

نشأت و أنا غلام لا مال لي من الديوان، و كنت أتعلّم نسب قومي من عبداللَّه بن ثعلبة بن صعير العَدَوي و كان عالماً بنسب قومي، فأتاه رجل فسأله عن مسألة من الطلاق فعيَّ بها، و أشار له إلى سعيد بن المسيب، فقلت في نفسي: ألا أراني مع هذا الرجل المسنّ يذكُرُ أنَّ رسول اللَّه مسح على رأسه و هو لا يدري ما هذا؟ فانطلقتُ مع السائل إلى سعيد بن المسيب، فسأله فأخبره، فجلست إلى سعيد و تركت عبداللَّه بن ثعلبة، و جالست عروة بن الزبير، و عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة، و أبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث حتى فهمت.

فرحلت إلى الشام فدخلت مسجد دمشق فأتيت حلقة و جاه المقصورة، فجلست فيها، فنسبني القوم، فقلت: رجل من قريش من ساكني المدينة، قالوا: أهل لك علم بالحكم في أمهات الأولاد؟

فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب في أمّهات الأولاد.

فقال لي القوم: هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب و هو جائيك و قد سأله عبدالملك عن هذا فلم يجد عنده في ذلك علماً، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر، فنسبني فانتسبت، و سألني عن سعيد بن المسيب و نظرائه فأخبرته، فقال: أنا ادخلك على أمير المؤمنين.

فصلى الصبح ثم انصرف فتبعته، فدخل على عبدالملك بن مروان


1- وفيات الاعيان 4: 178.

ص: 133

وجلست على الباب ساعة حتى ارتفعت الشمس ثم خرج الآذن، فقال:

أين هذا المديني القريشي؟

قال: قلت ها أناذا، قال: فقمت فدخلت معه على أمير المؤمنين فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه و أمربه فرفع، و ليس عنده غير قبيصة جالس، فسلمت عليه بالخلافة؟

فقال: من أنت؟

قلت: محمد بن مسلم بن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن شهاب.

فقال: أوه قوم نعّارون في الفتن (1) 396، قال: و كان مسلم بن عبيداللَّه مع ابن الزبير، ثم قال: ما عندك في أمهات الأولاد؟ فأخبرته، فقلت: حدثني سعيد بن المسيب، فقال: كيف سعيد بن المسيب، و كيف حاله (2) 397؟


1- في مختصر تاريخ دمشق 23: 227: إن كان أبوك لنعاراً في الفتن، قلت: ياأميرالمؤمنين عفا اللَّه عما سلف، قال: اجلس- ثم أخذ يسأله عن بعض المسألة و يحدثه بما يريد-.
2- إنّ عبدالملك كان يعجبه أن يحدّثه الزهري بأحاديث عن رجال المدينة، و لماسمع الرجال ذلك استاءوا من الزهري، ففي مختصر تاريخ دمشق 23: 228 يحدث الزهري عن موقف ابن المسيب معه فيقول: فتجهزت حتى قدمت المدينة فجئت سعيد بن المسيب في المسجد لأسلّم عليه فدفع في صدري و قال: انصرف؛ و أبى أن يسلّم علَيَّ، فخشيت أن يتكلّم بشي ء يعيبني به فيرويه من حضره، فتنحيت ناحية الى أن قام فصلى أربع ركعات و انصرف و معه ناس من أصحابه، فلمّا خلا و بقي وحده، قلت: ما ذنبي؟ أنا ابن أخيك، و اعتذرت إليه، و ما يكلّمني حتى بلغ منزله، و استفتح ففتح له، فأدخل رجله ثم التفت إليّ فقال: أنت الذي ذهبت بحديثي إلى بني مروان؟! و في حلية الأولياء بسنده عن مالك بن أنس: إنّ ابن شهاب سأله بعض بني أمية عن سعيد بن المسيب فذكره له و أخبره بحاله، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب، فقدم ابن شهاب فجاء يسلّم على سعيد فلم يكلّمه سعيد و لم يردّ عليه، فلمّا انصرف مشى ابن شهاب، فقال: مالي سلّمت عليك فلم تكلّمني؟ ما بلغك عنّي إلّاخير؟ قال: لِمَ ذكرتني لبني مروان (حلية الاولياء 3: 366). و عن مالك بن أنس أيضاً، قال: أرسل عبدالملك بن مروان إلى سعيد بن المسيب فلم يأته، و أرسل إليه عمر بن عبدالعزيز فأتاه، و كان عمر بن عبدالعزيز يركب إلى سعيد بن المسيب في علمه (تاريخ أبي زرعة: 183). و في تاريخ أبي زرعة الدمشقي: غضب سعيد بن المسيب على ابن شهاب، فقال: ما حملك على أن حدثت عبدالملك بن مروان حديثي؟ فما زال غضبان عليه حتى ترضّاه بعد (تاريخ أبي زرعة: 187). و في شذرات الذهب: سنة خمس و ثمانين... و فيها توفّي عبدالعزيز بن مروان- أبو عمر- ولي مصر عشرين سنة، و كان وليّ العهد بعد عبدالملك، عقدلهما أبوهما كذلك، فلمّا مات عقد عبدالملك من بعده لولده و بعث إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له الناس، فامتنع سعيد بن المسيب و صمّم، فضربه هشام ستّين سوطا و طيف به (شذارت الذهب 1: 95). و في مختصر تاريخ دمشق 10: 68 ترى اعتراض أبي حازم الأعرج على سليمان بن هشام، و كان أبو حازم الأعرج منحرفاً عن بني أمية، قال سليمان بن هشام: يا أبا حازم ما تقول فيما نحن فيه؟ قال: أو تعفيني يا أميرالمؤمنين، قال: بل نصيحة بلغها إليّ. قال: إنّ آباءك غصبوا الناس هذا الأمر و أخذوه عنوةً بالسيف من غير مشورة و لا اجتماع من الناس، و قد قتلوا فيه مقتلة عظيمة و ارتحلوا، فلو شعرت ما قالوا و ما قيل لهم؟ قال رجل من جلساء سليمان: بئس ما قلت. قال أبو حازم، كذبتَ، إنّ اللَّه أخذ على العلماء الميثاق ليُبَيّنُنَّه للناس ولا يكتمونه (مختصر تاريخ دمشق 10: 70).

ص: 134

ص: 135

ثمّ قلت: و حدثني أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث، و حدثني عروة، وحدثني عبيداللَّه بن عبداللَّه، ثمّ حدّثته الحديث في أمّهات الأولاد عن عمر بن الخطاب، قال: فالتفت إلى قبيصة بن ذؤيب فقال: هذا يكتب به إلى الآفاق (1) 398.

فقلت: لا أجده أخلى منه الساعة، و لعلّي لا أدخل عليه بعد هذه المرّة، فقلت: إن رأى اميرالمؤمنين أن يصل رحمي، و أن يفرض لي فرائض أهل بيتي- فإنّي رجل لا ديوان لي- فعل.


1- في مختصر تاريخ دمشق 23: 243 كان الزهري لا يترك أحداً يكتب بين يديه فأكرهه هشام بن عبدالملك، فأملى على بنيه، فلمّا خرج من عنده دخل المسجد، فاستند إلى عمود من عُمُده ثم نادى: يا طلبة الحديث، قال: فلما اجتمعوا إليه، قال: إنّي كنت منعتكم أمراً بذلته لأميرالمؤمنين آنفاً، هلمَّ فاكتبوا، قال: فكتب عنه الناس من يؤمئذ- و زاد في آخر بمعناه- قال: فسمعهم يقولون: «قال رسول اللَّه، قال رسول اللَّه» فقال: يا أهل الشام مالي أرى أحاديثكم ليست لها أزمّة و لا خُطُم؟ قال الوليد بن مسلم- و قبض بيده- و قال: تمسّك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ. و قال في آخر: كنّا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الأمراء فرأيت أن لا أمنعه مسلماً. قلت: هذا النص يوضّح بأن الزهري أجاز التحديث للناس في عهد هشام، لكنّ المطالع فى كتب التاريخ يعلم بأنّه كان يجيز التحديث في بعض الأحايين قبل هذا التاريخ أيضاً، لكنّه تاب في أخريات حياته من التحديث و استقرّ في بيته و قريته بعيداً عن مركز السلطه و السياسة كما يقولون!!

ص: 136

فقال: إيهاً الآن امضِ لشأنك، فخرجتُ موئساً من كلّ شي ءٍ خرجتُ له و أنا حينئد مقلّ مرمل، فجلستُ حتى خرج قبيصة فأقبل عَلَيّ لائماً لي، فقال لي: ما حملك على ما صنعتَ من غير أمري، ألا استشرتني؟

قلت: ظننتُ و اللَّه أني لا أعود إليه بعد ذلك المقام.

قال: و لم ظننت ذلك؟ تعود إليه فالحق بي، فمشيت خلف دابّته حتّى دخل منزله، فقلّما لبث حتى خرج إليّ خادمه برقعة فيها: هذه مائة ألف دينار قد أمرت لك بها، و بغلة تركبها، و غلام يكون معك، و عشرة أثواب كسوة، فقلت للرسول: ممّن أطلب هذه؟

فقال: ألا ترى في الرقعة اسم الذي أمرك أن تأتيه؟ فنظرت في طرف الرقعة، فإذا فيها: «تأتي فلاناً فتأخذ منه ذلك».

قال: فسألت عنه فقيل: قهرمانُهُ، فأتيته بالرقعة فأمر لي بذلك من ساعته، فانصرفتُ و قد ريّشني، فغدوت إليه من الغد و أنا على بغلته فسرت إلى جنبه.

فقال: احضر باب أميرالمؤمنين حتى أوصلك إليه، قال: فحضرت فأوصلني إليه، و قال: إيّاك أن تكلّمه بشي ء حتّى يبتدئك و أنا أكفيك أمره، فسلمت عليه بالخلافة فأومأ إليَّ أن اجلس، فلما جلست ابتدأ عبدالملك الكلام، فجعل يسائلني عن أنساب قريش، فلهو كان أعلم بها منّي، قال: وجعلت أتمنّى أن يقطع ذاك؛ لتقدّمه عليّ في العلم و النسب، ثم قال: قد فرضت لك فرائض أهل بيتك، ثمّ التفت إلى قبيصة فأمر أن يثبت ذلك في الدواوين.

ص: 137

فلما خرج قبيصة قال: إنّ أميرالمؤمنين قد أمر أن تثبت في صحابته و أن يُجرى عليك رزقُ الصحابة و أن ترفع فريضتك إلى أرفع منها، فالزم باب أميرالمؤمنين.

قال: و كان على عرض الصحابة رجل فظّ غليظ، فتخلّفتُ يوماً أو يومين فجبهني جبهاً شديداً، فلم أعد لذلك التخلّف، و جعل عبدالملك يقول: من لقيتَ؟ فجعلتُ أسمّي له و أخبره بمن لقيت من قريش لا أعدوهم. (1) 399 قال: فأين أنت عن الأنصار فإنّك واجد عندهم علماً؟ أين أنت عن خارجة بن زيد بن ثابت؟ أين أنت عن عبدالرحمن بن يزيد؟ فسمى رجالًا، فقدمت المدينة فسألتهم و سمعت منهم (2) 400.

و أمّا فيما يخص موقف عبدالملك بن مروان من علي بن أبي طالب فقد قال ابن شهاب: قدمت دمشق و أنا أريد الغزو فأتيت عبدالملك لأسلّم عليه، فوجدته في قبة على فرش تفوت القائم، والناس تحته سماطان، فسلّمت و جلستُ، فقال: يابن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟

قلت: نعم.


1- لاحظ اهتمام الزهري القرشي بفقه القرشيين، و إعراضه عن فقه الأنصار إلّامَن سمّاهم له عبدالملك بن مروان منهم من بعد!!!
2- المنتظم 7: 231- 234، تاريخ دمشق 55: 322- 324، سير أعلام النبلاء 5: 330- 331. و النص للأول.

ص: 138

قال: هلم.

فقمتُ من وراء الناس (1) 401 حتى أتيت خلف القبة، و حوَّل وجهه فأحنى عَلَيّ فقال: ما كان؟

قال: فقلت: لم يُرفَعْ حجرٌ في بيت المقدس إلّاوُجد تحته دم! فقال:

لم يبق أحد يعلم هذا غيري و غيرك، قال: فلا يسمعن منك.

قال: فما تحدّثت به حتى توفي (2) 402.

بلى، إنّ ابن شهاب الزهري دخل ضمن المخطّط الأموي، فروى لهم ما يعجبهم و انتهى عما لا يعجبهم، و من المعلوم أنّ السياسة الأموية كانت قائمة على مسخ الهوية الإسلامية و تحكيم الروح القبلية، فالحكّام كانوا يلعبون بأحكام اللَّه و دين اللَّه كما يشاؤون، و يخضعون الناس لما يشاؤون، وكان الزهري الشاب المدني هو الأداة الفاعلة لمنح أعمال الخلفاء الشرعية، فجاء في تاريخ اليعقوبي: إنّ عبدالملك بن مروان لما منع المسلمين من الخروج إلى مكة- و ذلك لنزاعه مع عبداللَّه بن الزبير- ضجّ الناس وقالوا: تمنعنا من حجّ بيت اللَّه، و هو فرض من اللَّه علينا!

فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدّثكم أنّ رسول اللَّه قال: لا تُشدُّ


1- لاحظ كيف أنّه يحدّثه بذلك سرّاً مخافة انتشار فضائل علي عليه السلام.
2- مختصر تاريخ دمشق 23: 231. و في اسد الغابة 1: 308 انّ عبداللَّه بن العلاء- بعد ما روى الزهري حديث ولاية أميرالمؤمنين في غدير خم- قال للزهري: لا تحدّث بهذا في الشام و أنت تسمع مِلْ ءَ أذينك سبّ علي، فقال الزهري: و اللَّه إنّ عندي من فضائل عليّ ما لو تحدّثت بها لقُتِلتُ. فلاحظ كتمانه لفضائل علي أيضاً.

ص: 139

الرحال إلّاإلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، و مسجدي، و مسجد بيت المقدس، و هو يقوم لكم مقام المسجدالحرام، و هذه الصخرة التي يُروى أنّ رسول اللَّه وضع قدمه عليها لمّا صعد إلى السماء، تقوم لكم مقام الكعبة، فبنى على الصخرة قبةً، و علّق عليها ستور الديباج و أقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة، و أقام بذلك أيام بني أمية (1) 403.

حدّث الزهري بهذا الحديث عن ابن المسيب عن أبي هريرة كذباً وزوراً، في حين نرى في المصنف لعبد الرزاق و ابن أبي شيبة أنّ عمر بن الخطاب كان ينكر الذهاب إلى بيت المقدس؛ إذ حدّث عبدالرزاق، عن معمر، عن عبدالكريم الجزري، عن ابن المسيب، قال: بينا عمر في نعم من نعم الصدقة مَرَّ به رجلان فقال: من أين جئتما؟ قالا: من بيت المقدس، فعلاهما ضرباً بالدّرّة و قال: حجٌّ كحجِّ البيت؟!

قالا: يا أميرالمؤمنين! إنا جئنا من أرض كذا و كذا، فمررنا به فصلينا فيه.

فقال: كذلك إذاً، فتركهما (2) 404.

و عن عبدالرزاق، عن معمر، عن ابن عيينة، عن عبدالكريم الجزري، عن ابن المسيب، قال: جاء رجل فاستأذن عمر إلى بيت


1- تاريخ اليعقوبي 2: 261.
2- المصنف لعبد الرزاق 5: 133 ح 9164، المصنف لابن أبي شيبة 3: 402 و النص عن الأول.

ص: 140

المقدس، فقال عمر: تجهّز، فإذا فرغت فآذنّي، فلما فرغ جاءه، قال:

اجعلها عمرة (1) 405.

إنّ الزهري عاصر عشرة من الخلفاء الأمويين بدءاً من معاوية بن أبي سفيان إذ ولد في عهده، و مروراً بعهد يزيد بن معاوية، و معاوية بن يزيد، و مروان بن الحكم، و عبدالملك بن مروان، ثم الوليد بن عبدالملك، ثم سليمان بن عبدالملك، ثم عمر بن عبدالعزيز، ثم يزيد بن عبدالملك، ثم هشام بن عبدالملك حتى مات في آخر أيام هشام بن عبدالملك بعام أو عامين.

قال الدكتور الضاري: اتّصل الإمام الزهري بالأمويين سنة 82 (2) 406، وكان أول من اتصل به منهم هو عبدالملك بن مروان في أول رحلة له إلى دمشق، حيث مكث فيها أياماً عاد بعدها إلى المدينة لمواصلة طلب العلم وأخذ ما كان منه عند الأنصار بناءً على نصيحة عبدالملك له بذلك، بعد ما علم استعداده و توسّم فيه النبوغ و الذكاء، و لما أخذ ما أخذ من علم علماء الأنصار عاد إلى دمشق ثانية، ثم أخذ يتردّد بعد إلى دمشق بين الحين و الآخر إلى أن أقام فيها و استوطنها و ذلك في سنة 100 ه على ما رجّحنا (3) 407.


1- المصنف لعبد الرزاق 5: 134 ح 9165.
2- كما قاله الواقدي، انظر سير أعلام النبلاء 5: 328. وقد رجّح الطبري في تاريخه 6: 334 أن تكون وفاته في سنة 81 بعد خلاف عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث. وفي سير أعلام النبلاء 5: 328 قال ابن شهاب: قدمت دمشق زمان تحرك ابن الأشعث و عبدالملك يومئذ مشغول بشأنه.
3- الامام الزهري: 436.

ص: 141

و لو تأمّلت النصوص السابقة لعرفت بأنّ الزهري كان شاباً يسكن المدينة مع أبيه و أسرته، فمحا عبدالملك اسمه و اسم عيالاته من الديوان؛ إذ خاطبه عبدالملك بقوله: إنّ بلدك لبلد ما فرضت لأحدٍ فيها منذ كان الأمر- يعني المدينة (1) 408- و قد كان أبوه مسلم مع ابن الزبير فمات وبقيت عيالاته يعيلها ابن شهاب، فبدأ حياته فقيراً يتيماً لا يدري ماذا يفعل لعيشه و عيش أمّه و أخواته، فسافر إلى الشام و هو يريد الغزو كما قال هو عن نفسه (2) 409.

فالتقى بقبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي المدني (3) 410 و كان من الكاتبين لعبد الملك بن مروان (4) 411، و كان على الختم و البريد لعبدالملك (5) 412 و كان يقرأ الكتب التي ترد الخليفة من البلاد، ثم يدخل على عبدالملك فيخبره بما ورد عن البلاد فيها (6) 413، فأخذ قبيصة بيده و ذهب به إلى


1- انظر الامام الزهري للضاري: 252.
2- انظر الامام الزهري للضاري: 50.
3- في الامامة و السياسة 2: 34 قال: أحد الفقهاء، و كان قبيصة رضيع عبدالملك و صاحب خاتمة و مشورته، و في البداية و النهاية 8: 435: هو أخو معاوية بن أبي سفيان من الرضاعة.
4- تاريخ الطبري 6: 180، التنبيه و الاشراف للمسعودي: 273.
5- العقد الفريد 4: 373، مختصر تاريخ دمشق 13: 193، سير أعلام النبلاء 4: 282- 383.
6- الامام الزهري: 351.

ص: 142

عبدالملك و قد تعب من الحياة و نفسه في قلق و انزعاج، يطير من هنا إلى هناك لا يدري ماذا يفعل، آيس من الحياة، يتطلب ملجأً يلتجئ إليه، فكان عبدالملك هو الملجأ لهذا الشاب غير المجرِّب، فحدّث أولًا بما يريده عبدالملك من حكم عمر بن الخطاب في أمّهات الأولاد، ثمّ لا تشدّ الرحال، ثم بأحاديث أخرى، و قد دعاه عبدالملك أن يرجع إلى المدينة و يأخذ عن الأنصار كذلك؛ لأنّ الاكتفاء بفقه القرشيين لا يرضي الخليفة، محدِّداً له مَن يأخذ منهم من الأنصار كخارجة و... و لا نراه يرشده للأخذ عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري و أنس بن مالك الأنصاري و سهل بن سعد الأنصاري و غيرهم من الأنصار الذين كانوا قد عاشوا في ذلك التاريخ، بل نرى العكس من عامل عبدالملك على العراق، الحجاج بن يوسف الثقفي؛ إذ ختم في عنق أو يد جابر بن عبداللَّه الأنصاري و أنس بن مالك الأنصاري و سهل بن سعد الأنصاري يريد إذلالهم و أن يتجنّبهم الناس.

فلزم الزهري دار أميرالمؤمنين عبدالملك!! و صار يرتاد أبواب الخلفاء من بعده، فقال هو عن نفسه: و لزمت عسكر عبدالملك (1) 414 و كنت أدخل عليه كثيراً، قال: و جعل عبدالملك فيما يسألني (2) 415...

و الأنكى من ذلك أنه كان رئيس شرط بني مروان؛ ففي مختصر تاريخ دمشق قال خارجة بن مصعب: قدمت على الزهري و هو صاحب شرط لبعض بني مروان، قال: فرأيته ركب و في يده حربة و بين يديه الناس وفي


1- قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 109 كان الزهري جندياً جليلًا. و في تاريخ الاسلام سنة 121- 140: كان الزهري جندياً.
2- الامام الزهري للضاري: 351.

ص: 143

أيديهم الكافركوبات (1) 416، قال، قلت: قبّح اللَّه ذا من عالم، قال: فانصرفتُ و لم أسمع منه ثم ندمت، فقدمت على يونس، فسمعت منه عن الزهري. (2) 417 و قال عمر بن رُدَيح: كنت أمشي مع ابن شهاب الزهري فرآني عمرو بن عبيد، فلقيني بعدُ فقال: مالك و لمنديل الأمراء، يعني ابن شهاب (3) 418.

و وصل الأمر بهِ إلى أن صار على حرسة الخشبة التي صُلِبَ عليها الإمام زيد بن علي (4) 419.

هكذا انخرط ابن شهاب في سلك الدولة الأموية حتّى وصل الأمر بالصحابة و التابعين أن لا يحدِّثوا حتى يحدِّث ابن شهاب لأنّ الناس لايأخذون عنهم و يأخذون عنه؛ قال مالك بن أنس: أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين و ثمانين لا يؤخذ عنهم و يقدم ابن شهاب و هو دونهم في السّن فيزدحم الناس عليه (5) 420.


1- و هي نوع من الخشب يتسلحون به، و هو ما يسمى اليوم بالهراوات.
2- مختصر تاريخ دمشق 7: 324، ميزان الاعتدال 1: 315/ ترجمة خارجة بن مصعب.
3- مختصر تاريخ دمشق 23: 240.
4- انظر بندة في رجال شرح الأزهار لأحمد بن عبداللَّه الجنداري 1: 95 المطبوع في مقدمة شرح الأزهار. و قد صرّح المؤيّد باللَّه، و علي بن محمد العجري بذلك، و رواه أبو جعفر الهوسمي. انظر مقالة «الزهري حياته و سيرته» للسيد بدرالدين الحسيني الحوثي، في مجلة علوم الحديث- العدد الخامس من السنة الثالثة، سنة 1420 ه.
5- مختصر تاريخ دمشق 23: 236.

ص: 144

و قال أيضاً: كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدّث بها أحد من العلماء حتى يخرج (1) 421.

و واضح من ذلك أنّ السلطة الأموية رفعت من شأن الزهري إلى ما لايستحق لأنّه كان أداةً طيّعةً لهم. يروي لهم ما يريدون، و يتبنى ما يتبنّون؛

و لذلك قال ابن مَعين- لمّا سأله سائل: هل الأعمش مثل الزهري-:

برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري، الزهري يرى العرض والإحازة و يعمل لبني أميّة، و الأعمش فقير صبور مجانب للسلطان، ورعٌ، عالم بالقرآن (2) 422.

و قد علمت أنّه كان يكتم فضائل علي عليه السلام كما مرّ عليك، بل راح ينال من أميرالمؤمنين علي عليه السلام.

فقد روى الثقفي بسنده عن محمد بن شيبة، قال: شهدت مسجد المدينه، فإذا الزهري و عروة بن الزبير قد جلسا فذكرا عليّاً فنالا منه. (3) 423 و يبدو أن الشكوى من مالك بن أنس تصبّ في نفس مصبّ قول


1- مختصر تاريخ دمشق 23: 236.
2- تهذيب التهذيب 4: 225 عن الحاكم.
3- الغارات 2: 577- 578. و قال السيد عبداللَّه بن الهادي القاسمي في كتابه «حاشية كرامة الأولياء»: إنّه أي الزهري كان من المبغضين لمن بغضه نفاق بحكم الملك الخلاق يعني عليّاً أميرالمؤمنين، شرطيّاً لبني امية مواليا لهم. مقالة السيد الحوثي «الزهري حياته و سيرته»- مجلة علوم الحديث- العدد الخامس- السنة الثالثة 1420 ه.

ص: 145

أنس بن مالك «لا أعرف شيئاً مما أدركت إلّاهذه الصلاة، و هذه الصلاة قد ضُيِّعت» (1) 424، كما أنّها تحكي سرّ قول أنس حين بلغه أنّ الحجاج يدعو الناس إلى غسل الرجلين في الوضوء: صدق اللَّه و كذب الحجاج، قال تعالى «و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم».

و المفارقة العجيبة هنا هي أننا نرى أبناء الشجرة الملعونة في القرآن يختمون في أعناق أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليذلّوهم كجابر بن عبداللَّه، و أنس بن مالك، و سهل بن سعد الساعدي، و جماعه معهم، و كانت الخواتم رصاصاً (2) 425 وفي الوقت نفسه يأمرون الزهري أن يحدّث و أن يدوّن.

فأسألك باللَّه كيف يمكنك أن تتصوّر الزهري- و هو في سنيّ الشباب و ما يمر فيه من بؤس في الحياة، يرى هذا الإحسان من قبل عبدالملك بن مروان، ذلك السلطان المقتدر، واعداً إياه أن يعطيه مالًا وجاهاً أكثر- إلّا أن يكون عبداً لعبدالملك بن مروان بعد هذا الإحسان.

جاء في مختصر تاريخ دمشق: قال عبدالملك: و كم دَيْنُ أبيك؟ قلت:

كذا و كذا، قال: قضى اللَّه دين أبيك، و أمر لي بجائرة و رزق يجري و شراء دار قطيعة بالمدينة، و قال: اذهب فاطلب العلم و لا تشاغل عنه بشي ءٍ، فإنّي أرى لك عيناً حافظة و قلباً ذكياً (3) 426.


1- البداية و النهاية 9: 94. و انظر صحيح البخاري 1: 140.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 272.
3- مختصر تاريخ دمشق 23: 230.

ص: 146

نعم، صار للزهري عقار و عيون في المدينة و الشام، و كان له بوّاب يحجب الناس عنه؛ فعن سفيان قال: رأيت الزهري و جاءهُ محمد بن إسحاق فقال له: يا محمد أين كنت؟ لم أرك؟ قال: لا أقدر عليك مع بوّابك هذا.

قال: فدعا الزهري بوّابه، فقال: إذا جاء هذا فلا تمنعه (1) 427.

و قد قيل للزهري: الناس لا يعيبون عليك إلّاكثرة الدَّين، قال: و كم ديني؟ إنّما ديني عشرون ألف دينار، و أنا مليّ المحيا و الممات، لي خمسة أعين، كل عين منها ثمن أربعين ألف دينار، و ليس يرثني إلّاابن ابني هذا، و ما أبالي أن لا يرث عنّي شيئاً، قال: و كان ابن ابنه فاسقاً (2) 428.

و لو تابعت رحلات الزهري إلى الشام لوجدتها متعدّدة متكررة، فقد كان يسافر إليها بين الحين و الآخر في أيام عبدالملك بن مروان، و الوليد بن عبدالملك، و سليمان بن عبدالملك، حتى استقر في الشام سنة 100 أيام عمر بن عبدالعزيز، حيث كتب له السنّة و سطع نجمه في ذلك العهد حتى عدّ من الفقهاء، و لو راجعت تاريخ اليعقوبي مثلًا لرأيته لم يذكر الزهري فيمن ذكرهم من الفقهاء على عهد عبدالملك بن مروان (3) 429 وعلى


1- تاريخ أبي زرعة: 265.
2- مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 23: 241.
3- تاريخ اليعقوبي 2: 282.

ص: 147

عهد الوليد بن عبدالملك (1) 430 و على عهد سليمان بن عبدالملك (2) 431، بل تراه يذكره في عداد الفقهاء أيام عمر بن عبدالعزيز (3) 432 و يزيد بن عبدالملك (4) 433 و هشام بن عبدالملك (5) 434 و الذي توفي الزهري في حياته.

و قد اهتم عمر بن عبدالعزيز بالزهري كثيراً و أراد منه و من الناس أن يحدّثوا طبق السياسة العامة للأمويين، ففي تاريخ الخلفاء عن حاطب بن خليفة البرجمي، قال: شهدت عمر بن عبدالعزيز يخطب و هو خليفة، فقال في خطبته: ألا و إنّ ماسنّ رسول اللَّه و صاحباه فهو دينٌ نأخذ به وننتهي إليه، و ماسن سواهما فإنّا نرجئه (6) 435.

و في كلام آخر له: سَنَّ رسولُ اللَّه و ولاة الأمر بعده سنناً، الأخذُ بها تصديقٌ بكتاب اللَّه، و استعمالٌ لطاعه اللَّه، و قوة على دين اللَّه، ليس لأحد تغييرها و لا تبديلها و لا النظر في رأي من خالفها، من اقتدى بها فهو مهتد، و من انتصر بها فهو منصور، و من خالفها و اتبع غير سبيل المؤمنين ولّاه اللَّه ما تولّى و أصلاه جهنم و ساءت مصيرا. (7) 436 و قال عبدالرزاق: سمعت عبيداللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب يقول: لما نشأت و أردت أن أطلب العلم جعلت آتي


1- تاريخ اليعقوبي 2: 292.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 300.
3- تاريخ اليعقوبي 2: 309.
4- تاريخ اليعقوبي 2: 315.
5- تاريخ اليعقوبي 2: 329.
6- تاريخ الخلفاء: 241، كنز العمال 1: 322.
7- اخرجه الآجري في الشريعة: 48، الشفاء للقاضي عياض 2: 13، الدر المنثور 2: 222.

ص: 148

أشياخ آل عمر رجلًا رجلًا و أقول: ما سمعتَ من سالم؟ فكلّما أتيت رجلًا منهم، قال: عليك بابن شهاب، فإنّ ابن شهاب كان يلزمه، قال: و ابن شهاب حينئذ بالشام (1) 437.

و عن عبدالرزاق، عن معمر، أنّ عمر بن عبدالعزيز قال لجلسائه:

هل تأتون ابن شهاب؟

قالوا: إنا لنفعل.

قال: فائتوه فإنّه لم يبق أحد أعلم بسنّة ماضية منه، قال معمر: و إنَّ الحسن البصري و ضرباءَه لأحياء يومئذ (2) 438.

بلى، إنّ النهج الحاكم كان على تضادّ مع نهج الإمام عليّ و أهل بيته، فجدّوا و بكلّ الوسائل لإرجاع الأمة إلى فقه عمر بن الخطاب و من تبعه من الخلفاء، حيث وقفتَ على أمر عبدالملك بن مروان لقبيصة أن يكتب بحديث عمر في أمّهات الأولاد إلى الآفاق (3) 439.

إنّ جهود ابن شهاب الزهري كانت تصبّ في هذا المصبّ، و إنّ العلماء من بعده جاءوا ليجعلوا سيرة الحكّام و ما ألزموا الناس به سنة من تركها دخل نار جهنم، و صيّروا الخلاف هو ما يخالف القوم، فقد حكى أبو عبيد الآجري عن أبي داود قوله- بعد أن حكى روايات الزهري-: و أمّا ما اختلفوا عليه أي على الزهري فلا يكون خمسين حديثاً، و الاختلاف عندنا ما تفرّد قوم على شي ءٍ و قوم على شي ءٍ (4) 440.


1- تهذيب الكمال 26: 437، عن الجرح و التعديل 8: 318.
2- تهذيب الكمال 26: 436 عن الجرح و التعديل 8: الترجمة 318.
3- لو اجبت المزيد راجع كتابنا (منع تدوين الحديث).
4- تهذيب الكمال 26: 431.

ص: 149

و لا يخفى عليك بأنّ البعض من التابعين كنافع بن مالك (1) 441- عم مالك بن أنس- و الإمام علي بن الحسين (2) 442 كانا قد نصحا الزهري بالرجوع عن السلطان لأنّ السلاطين قد جعلوه قطباً تدار عليه رحى مظالمهم، و جسراً يعبرون عليه إلى بلاياهم، و سلّماً إلى مطامعهم، لكنّ النصائح لم تُجدِه نفعاً؛ لأنّه كان صنيعة الخلفاء و متصلًا بهم و شرطيّاً لهم، و هذا ما عرفته من مجمل حياته.

و هذه الشخصية المهزوزة للزهري، المنخرطة في سلك الأمويين، هي التي تفسّر لنا اختصاص روايته للوضوء عن «عطاء بن يزيد الليثي المولى الشامي، عن حمران الشعوبي اليهودي، عن عثمان الأموي» فقط و فقط.

و عطاء مغمور ليس له تلك الأدوار الشاخصة و لا الشخصية


1- تاريخ دمشق 55: 366، و فيه عن نافع بن مالك- أبي سهيل، عم مالك بن أنس- قال: قلت للزهريّ: أما بلغك أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: من طلب شيئاً من العلم الذي يُراد به وجه اللَّه، يطلب به شيئاً من عرض الدنيا دخل النّار؟! فقال الزهري: لا ما بلغني هذا عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله. فقلت له: كلُّ حديث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بلغك؟ قال: لا. قلت: فنصفه؟ قال: عسى. قلت: فهذا في النصف الذي لم يبلغك.
2- تحف العقول لابن شعبة: 198. و قال المؤيد باللَّه الزيدي: هو أي الزهري في غاية القوط، و روي أنه كان من حرسة خشبة الامام زيد بن علي، و كذّبه زين العابدين مجابهة، حيث جرى بين الزهري و بين الامام زين العابدين كلامٌ أثنى فيه الزهري على معاوية، فقال له زين العابدين: كذبت يا زهري. انظر مقال «الزهري حياته و سيرته» للسيد بدر الدين الحوثي: 185- 186، المطبوع في مجلة علوم الحديث- العدد الخامس- السنة الثالثة 1420 ه.

ص: 150

الواضحة المعالم.

و حمران علمتَ حاله و يهوديته و أنّه لا يروي في الكتب التسعة إلا عن عثمان و معاوية.

و عثمان هو المبتدع للوضوء الغسلي، فلماذا الرواية عن المغمورين، و شيوع الغموض و الإشكالات في رواية حكم مهم جدّاً مثل الوضوء؟

ولماذا لم يروه الزهري عن أعيان الصحابة أمثال علي بن أبي طالب، و أنس بن مالك، و جابر الأنصاري، و عبداللَّه بن العباس، و غيرهم؟!

و الزهري كان قد عاصر بعض الصحابة و كان يمكنه أن يروي عنهم، فلماذا لم يرو عنهم، و اقتصر في الرواية عن عطاء عن حمران عن عثمان؟! مع أنّه ولد بين سنة (50- 58 ه)، و كان كثير من الصحابة المعمرين باقين إلى سنة مائة هجرية أو مائة و عشرة، و كان منهم جماعة في مكة و المدينة و الشام و العراق و غيرها من الأمصار و البلدان، و مع ذلك لم يرو و لاعن واحدٍ منهم الوضوء النبوي!!

إنّ هذا الأمر و ما قدمناه من صنيع الأمويين يدلّ بما لا يقبل الشكّ على أنّ هناك حالة تبنٍّ للوضوء العثماني من قبل الأمويين بواسطة اليهود والموالي و المطعونين و و و من أعداء السنة النبوية الأصيلة، و من ثمّ فهو ينطوي على حالة تبنٍّ لمحاولات مسخ الوضوء المسحي المأثور عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عبر الصحابة المتعبدين.

سائر رواة الوضوء العثماني و مواطن تمركزهم

و للوقوف على خيوط الحقيقة أكثر فأكثر، يمكنك ملاحظة مراكز

ص: 151

و مواطن انتشار الوضوء العثماني، فإنّه شاع وذاع و نُشر بشكل ملحوظ في أحضان البصرة و الشام، بعد أن كان وُلد في المدينة بواسطة عثمان المتنظف الذي يُعدُّ أُمّاً لهذا الوضوء.

لقد رأينا ملحوظةَ أنّ انتشار وضوء عثمان كان عبر حمران بن أبان الذي مرّ عليك أنّه أفشى سرّ تواطؤ عثمان مع عبدالرحمن بن عوف في أمرالحكومة و الخلافة، و أنّ عثمان نفاه الى البصرة، لكنّ الغريب أنّ هذا النفي لم يكن نفياً حقيقياً؛ إذ أنّنا رأينا هذا النفي مقروناً بالإغداقات على حمران و إعطائه مكانة اجتماعية كبرى، مما يعني أنّ إبعاده إلى البصرة كانت له أبعاد أخرى غير عملية النفي الحقيقي المرجوّ منه العقاب و التعزير و التأديب.

إِنّ المعهود عن عثمان أنّه كان ينفي خصومه إلى أماكن نائية و مرعبة، و كان يقطع عطاءهم أو يحوّل دواوينهم إلى تلك الأماكن النائية.

فقد نفى أباذرّ الغفاري- بعد أن قطع عطاءه- إلى الربذة، و منع الناس من مشايعته إلى أطراف المدينة المنوّرة، فلم يجرؤ أحدٌ على مشايعته إلّا أفراد معدودون مثل عليٍّ و الحسن و الحسين عليهم السلام و عقيل و عبداللَّه بن جعفر و عمار، فاعترض مروان، وحصلت بينه و بين علي مشادّة.

و الربذة أرض قاحلة على بُعْد مسيرة ثلاثة أيّام عن المدينة، تقع على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة (1) 443.


1- انظر معجم البلدان 3: 24. و في معجم ما استعجم 3: 860 قال: و حمى الربذة غليظ الموطئ.

ص: 152

قال الواقدي: ثمّ إنّ عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أباذر و يكلّموه، فمكث كذلك أياماً، ثم أُتي به فوقف بين يديه، فقال أبوذر:

ويحك يا عثمان... أما إنّك لتبطش بي بطش جبار.

فقال عثمان: اخرج عن بلادنا.

فقال أبوذر: ما أبغضَ إِليّ جوارك، فإلى أين أخرج؟

قال: حيثُ شئت. قال: أخرج إلى الشام أرض الجهاد، قال: إنّما جلبتك من الشام و كان قد نفاه إليها أوّل مرة (1) 444 لما قد أفسدتها، أفأردّك


1- قال المسعودي في مروج الذهب 2: 348- 349 و من ذلك ما فعل بأبي ذر، و هو أنّه حضر مجلسه ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زكّى ماله، هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب الأحبار: لا يا أميرالمؤمنين، فدفع أبوذر في صدر كعب، و قال له: كذبتَ يابن اليهودي، ثم تلا «ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب ولكن البرّ من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الكتاب و النبيين، و آتى المال على حبّه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و إقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء والضراء وحين الباس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتّقون»، البقرة: 177 فقال عثمان: أترون باساً أن نأخذ مالًا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا و نعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك، فرفع أبوذر العصا فدفع بها في صدر كعب، و قال: يابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا، فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي، غيِّب وجهك عني فقد آذيتنا، فخرج أبوذر إلى الشام. فكتب معاوية إلى عثمان: إنّ أباذر تجتمع إليه الجموع، و لا آمن أن يفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك، فكتب إليه عثمان بحمله، فحمله على بعير عليه قتب يابس، معه خمسة من الصقالبة يطردون به حتى أتوا به المدينة و قد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف... هذا هو النفي الأول إلى الشام ثم أعقبه النفي إلى الربذة.

ص: 153

إليها؟

قال: فأخرج إلى العراق؟ قال: لا، إنّك إن تخرج إليها تقدم على قوم أُولي شُبَهٍ وطعن على الأئمة و الولاة (1) 445.

قال: فأخرج إلى مصر؟ قال: لا، قال: فإلى أين أخرج؟ قال: إلى البادية، قال أبوذر: أصير بعد الهجرة أعرابيا؟ قال: نعم.

قال أبوذر: فأخرجُ إلى بادية نجد. قال عثمان: بل إلى الشرق الأبعد، أقصى فأقصى. امضِ على وجهك هذا فلا تعدونَّ الربذة. فخرج اليها (2) 446.

و نفى عثمانُ و طرد كعبَ بن عبدة النهدي الشيعي، و كتب إلى سعيد بن العاص أن يضربه عشرين سوطاً و يحوّل ديوانه إلى الريّ ففعل، و يقال أنّ عثمان أمر به فجُرِّد و ضُرب عشرين سوطاً، و سيّره إلى دُباوند (3) 447 و إلى جبل الدخان (4) 448، و ذلك لأنه كتب كتاباً إلى عثمان ذكر فيه ما فعله سعيد بن العاص بأهل الورع و الفضل و العفاف (5) 449.

و نفى و طرد عامرَ بن عبد قيس التميمي العنبري- أحد الزهاد الثمانية


1- لاحظ حقد عثمان على أهل العراق.
2- شرح النهج 8: 260.
3- و هي كورة من كور الري بينها و بين طبرستان، و هي بين الجبال، و في وسطهذه الكورة جبل عالٍ جداً مستدير، رأيته و لم أر في الدنيا كلّها جبلًا أعلى منه. انظر معجم البلدان 2: 436.
4- مكان على سواحل اليمن قريب من عدن. (صفة جزيرة العرب: 55) أو هوجبل بدباوند (تاج العروس 7: 117).
5- انظر أنساب الاشراف 6: 153- 154.

ص: 154

- من البصرة و سيّره إلى الشام فمات هناك، و ذلك ليس لشي ء سوى أنّه جاء رسولًا عن جماعة من المسلمين إلى عثمان ليبلغه أنّهم نظروا في أعماله فوجدوه قد ركب أموراً عظاماً، و طلبوا منه التصحيح و التوبة (1) 450.

و نفى عمرو بن زرارة بن قيس النخعي من الكوفة إلى الشام، و ذلك لأنه كان أوّل من دعا إلى خلع عثمان و البيعة لعلي، و قام في النّاس فقال:

أيّها الناس إنّ عثمان قد ترك الحقّ و هو يعرفه، و قد أغري بصلحائكم، يولّي عليهم شراركم، فنفي من الكوفة، فشيّعه جماعة من صلحائهم (2) 451.

و نفى و سيّر عبدَالرحمن بن حنبل صاحب رسول اللَّه إلى قلعة القموص من خيبر، بعد أن ضربه مائة سوط و حمله على جمل يطاف به في المدينة، و ذلك لإنكاره على عثمان إحداثاته، و إظهار عيوبه في الشعر (3) 452.

و نفى و سيّر صلحاءَ الكوفة إلى دمشق ثم حمص، و ذلك لاعتراضهم على سياسته و سياسة ولاته المالية و الدينية القائمة على الاستئثار و الطمع القريشي و الظلم (4) 453.

و أراد نفي عمار بن ياسر، و قال له: يا عاضَّ أيرأبيه، بعد أن كان ضربه و داس في بطنه حتى أصابه الفتق، فاعترضت عليه بنو مخزوم


1- انظر تاريخ الطبري 5: 94، و الكامل في التاريخ 3: 149، و المعارف: 195.
2- انظر أنساب الأشراف 6: 139- 140، و أسد الغابة 4: 103- 104، و الإصابة 1: 548، 2: 536، و تاريخ المدينة لابن شبة 4: 1146.
3- انظر تاريخ اليعقوبي 2: 173- 174، و تقريب المعارف: 231 و 278.
4- انظر أنساب الأشراف 6: 151- 156، و تاريخ الطبري 5: 88- 90، و شرح النهج 2: 129- 131، و تاريخ أبي الفداء 1: 235.

ص: 155

و اعترض عليه أميرالمؤمنين علي عليه السلام، فهدَّدَ عثمانُ الإمامَ علياً بالنفي، حتى اجتمع المهاجرون فقالوا: إن كنت كلّما كلّمك رجل سيّرته و نفيته فإنّ هذا شي ء لا يسوغ، فكفّ (1) 454.

فهذه المفردات في النفي كلّها تدلّ على أنّ عثمان كان شديداً مع خصومه، ينفيهم إلى أبعد الأماكن و أقساها و أرعبها، و كانت معاقل نفيه الشام، الربذة، جبل دباوند، قلعة القموص، و كان إذا سيّر أحداً بطش به بطش الجبارين على حدّ قول أبي ذر الصادق اللهجة بنصّ قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

لكننا نرى الأمر يختلف مع حمران؛ حيث نفاه إلى مدينة عامرة و فيها- من أبناء جنسه- من الموالي الأعاجم كثير من الناس، و أقطعه فيها داراً، فلماذا هذه العناية بحمران؟ وهل أنّ هذا يعدُّ نفياً حقيقيّاً؟

إنّ الحقائق تقول: إنّ هذا النفي لم يكن حقيقياً، بل كان له هدفان أساسيّان:

أوّلهما: إبعاد حمران الذي أفشى سرّ عثمان و ابن عوف عن المدينة، لأنّ الأمويين امتعضوا و اعترضوا على عثمان في صرف الخلافة عنهم و إخراجها عنهم إلى بني زهرة، و كان عثمان من ناحية أخرى ملزماً بما وعَدَ به ابن عوف في الشورى، و ذلك أنّ الاتفاق بينهما كان هو أن يولّي عبدُالرحمن بن عوف عثمانَ أُمورَ المسلمين، على أن يردّها عثمانُ عليه من بعد- و ذلك ما صرّح به أميرالمؤمنين في قوله لابن عوف: احلب حلباً لك


1- انظر أنساب الأشراف 6: 169.

ص: 156

شطره، و قوله له: إنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ اللَّه بينكما عطر منشم (1) 455، أو قوله له: إنّما آثرته بها لتنالها بعده (2) 456- و هنا صار عثمان في مأزق بين الأمويين و ابن عوف الزهري، فأنهى هذا المأزق بإبعاد حمران إلى البصرة- و إعطائه أدواراً أخرى- و بمخاصمته عبدالرحمن فماتا متخاصمين.

وثانيهما: هو أن يكون حمران- و منظومته التي شكّلها من بعد في البصرة- يداً سياسية و فقهية لعثمان، بل سَمِّهِ إن شئت طابوراً خامساً يخدم المصالح الأموية، و لذلك وفّر له الإمكانيات الأولية لهذه المهمة، و ذلك ما عبّر عنه ابن قتيبة بقوله «فأخرجه إلى البصرة فكان عامله بها»، و قال البلاذري: غضب عثمان على حمران بن أبان و غرّبه إلى البصرة... و أقطعه داراً (3) 457.

و قام حمران بدوره أحسن القيام، فثبّت مواطئ قدميه في البصرة لِما عُرِف من قربه من عثمان.

قال ابن سعد في طبقاته: و كان سبب نزوله أي حمران البصرة، أنّه أفشى على عثمان بعض سرّه، فبلغ ذلك عثمان، فقال: لا تساكنّي في بلد، فرحل عنه و نزل البصرة و اتّخذ بها أموالًا (4) 458.


1- شرح النهج 1: 188.
2- شرح النهج 9: 55.
3- أنساب الاشراف 5: 75.
4- طبقات ابن سعد 7: 148.

ص: 157

و قال ياقوت الحموي: فوجد عثمان عليه أي على حمران و قال:

لا تساكنّي أبداً. و خيّره بلداً يسكنه (1) 459 غير المدينة، فاختار البصرة، و سأله أن يقطعه بها داراً، و ذكر ذرعاً كثيراً استكثره عثمان، و قال لابن عامر: أعطه داراً مثل بعض دورك، فأقطعه دار حمران التي بالبصرة في سكة بني سمرة بالبصرة (2) 460.

و لا يخفى عليك أنّ ابن عامر هو الذي كان يتسابق مع معاوية، أيّهما يغمز رجل حمران أوّلًا.

و لو تابعت أخبار حمران في التاريخ لرأيته و بعد مرور مدّة من الزمان يملك داراً أخرى بدمشق الشام (3) 461 غير ما ملك في البصرة من أملاك طائلة، قال ابن شبّة: فأصاب هنالك أي بالبصرة لمكانته من عثمان مالًا و ولداً، فلهم بالعراق عدد و شرف و أموال (4) 462.

و قال إبراهيم السامرائي: إنّ البصرة مجتمعٌ ضمّ جمهرة من أمم شتّى ظهر فيها العنصر الفارسي... و في كتاب فتوح البلدان للبلاذري في الباب الخاص بتقسيم البصرة طائفة من أسماء الأمكنة المنسوبة إلى أصحابها، و كان أهل البصرة يزيدون في اسم الرجل الذي تنسب إليه القرية ألفاً و نوناً، و هذه من غير شكٍّ لم تكن نسبة عربية، بل هي فارسية محضة،


1- لاحظ انه لم يخيّر باقي المنفيين، بل لمّا اختار أبوذر الشام و العراق و الحجازو مصر رفضها عثمان كلّها وأجبره على الربذة.
2- معجم البلدان 1: 434- 435، فتوح البلدان: 491.
3- تاريخ الإسلام للذهبي: 396.
4- تاريخ المدينة 3: 1029- 1030.

ص: 158

و من ذلك قولهم... حمرانان: لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، قال:

و لعلّ ما هو معروف الآن من اسم نهر بهذا الاسم بين القرنة و كَرْمة علي هو الاسم التاريخي الذي أشار إليه المؤرخون (1) 463.

و قال ياقوت: عبادان... طولها خمس و سبعون درجة و ربع، و عرضها إحدى و ثلاثون درجة، قال البلاذري: كانت عبادان قطيعة لحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، قطيعة من عبدالملك بن مروان (2) 464...

و قال: و على نهر أَزَّى بالبصرة أرض حمران التي أقطعه إياها عثمان (3) 465.

و قد قويت شوكة حمران و جماعته من الموالي في البصرة حتى وصل الأمر به إلى أن يحتل البصرة سنة 41 ه بعد صلح الإمام الحسن مع معاوية مباشرة (4) 466.

و استولى عليها أيضاً سنة 73 ه لما قُتل مصعب بن الزبير، و دعا إلى بيعة عبدالملك بن مروان (5) 467.

و ليس الغرض بيان كل أدوار حمران، فإن ذلك ما سنبينه في الكتيب


1- الاشتات البصرية المطبوع مع خطط البصرة و بغداد: 74.
2- معجم البلدان 4: 74.
3- معجم البلدان 5: 317.
4- تاريخ الطبري 5: 167، الكامل في التاريخ 3: 207، تاريخ ابن خلدون 3: 4 و 134.
5- تاريخ خليفة: 206. و انظر تاريخ دمشق 61: 125.

ص: 159

الثالث من هذه السلسلة إن شاءاللَّه، و لكنّ الغرض هو بيان أنّ عثمان بعث حمران إلى البصرة و أعطاه صلاحيات كبيرة هناك، و قد ساعده على أداء دَوْره كون البصرة من معاقل العثمانية و من بؤر تمركز الموالي و الأعاجم الذين ينتمي إليهم حمران، و كانت غالبيّتهم حاقدة على الإسلام المحمدي العلوي، فلما لم يستطيعوا هدم الإسلام وجهاً لوجه، اندسّوا في صفوف العثمانيين و الأمويين ليثأروا من الإسلام.

عثمانية البصرة

كانت البصرة عثمانية الميول و الأهواء، و لذلك اختارها طلحة و الزبير و عائشة من بَعْدُ المدينةَ الأفضل لمحاربة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، بعكس الكوفة العلوية الاتجاه، و لذلك سترى بعد قليل أنّ عدداً كبيراً من رواة الوضوء العثماني بصريون، إذ كانوا كأهل الشام في بغض أهل البيت النبوي.

قال الدكتور صالح أحمد العلي: و تختلف البصرة عن الكوفة في عدة نواحٍ، فإنّ الكوفة أنشأتها الجيوش الإسلامية التي اشتركت في معركة القادسية و فتح المدائن في العراق، و كان أغلب سكّانها من أهل اليمن و شمال الجزيرة العربية، و هي تضمّ عدداً كبيراً من أهل البيوتات العربية القديمة التي كان لها مركز مرموق في العصر الجاهلي... ثمّ إِنّ الكوفة لعبت دوراً كبيراً في الفتنة ضدّ عثمان، و ظلّت من أهمّ مراكز المعارضة للحكم الأموي، و صارت مركزاً للتشيّع في العالم الإسلامي...

أمّا سكان البصرة فأغلبهم من القبائل العربية التي كانت تقيم في

ص: 160

شرقي الجريزة العربية، و خاصة منطقة الخليج الفارسي، و كانوا في البداية قليلي العدد لا يزيدون عن الثمانمائة مقاتل... غير أنّ عددهم أخذ يتزايد بسرعة فائقة وبنسبة كبيرة، الأمر الذي مكّنهم من فتح مقاطعات واسعة غنية أخذت تدرّ عليهم واردات كبيرة، ثمّ إنّ البصرة كانت تقع على ممرّ عدة طرق تجارية مهمة، و لذلك سرعان ما أصبحت مركزاً لحياة اقتصادية نشطة و واسعة... و لعل هذه المصادر الدائمية من الثروة كانت من أهمّ العوامل التي جعلتها تصبح في السياسة مؤيّدة لعثمان و الأمويين (1) 468...

و قال ابن أبي الحديد: و أكثر مبغضيه عليه السلام أهل البصرة كانوا عثمانية (2) 469.

و حكى الكفوي أنّ سفيان الثوري سُئل مرّة عن عثمان و علي، فقال:

أهل البصرة يقولون بتفضيل عثمان، و أهل الكوفة بتفضيل علي، فقيل له:

فأنت؟ قال: أنا رجل كوفي (3) 470.

و ذكر الطبري أنه أي سفيان كان شيعيّاً في بدء الأمر، فلما ذهب إلى البصرة لطلب الحديث و لقي ابن عون و أيّوب ترك التشيع و سلك مسلك أهل السنة (4) 471.

و لما رجع حماد بن أبي سليمان من البصرة إلى الكوفة سألوه: كيف


1- التنظيمات الاجتماعية والاقتصاديه في البصرة في القرن الأول الهجري: 17- 19.
2- شرح النهج 4: 94.
3- مقدمة تفسير سفيان الثوري: 14.
4- مقدمة تفسير سفيان الثوري: 14، عن ذيل تاريخ الطبري: 105.

ص: 161

رأيت أهل البصرة؟ فقال: قطعة من أهل الشام نزلوا بين أظهرنا (1) 472.

و قال الذهبي: كان علي بن المديني... إذا ورد إلى البصرة أظهر التشيع: قلت القول للذهبي: كان يظهر ذلك بالبصرة ليؤلّفهم على حبّ علي فإنّهم عثمانية (2) 473.

و قال ابن حجر: و النَّصْبُ معروفٌ في كثير من أهل البصرة (3) 474.

و قال: و أهل البصرة يفرِّطون فيمن يتشيّع بين أظهرهم لأنّهم عثمانيّون (4) 475.

و كان بنو قشير العثمانيون في البصرة يؤذون أبا الاسود الدئلي لأنه كان علوّياً (5) 476.

و قال البلاذري: و قد كانت جماعة من العثمانية كتبوا إلى معاوية يهنئونه بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر و يسألونه أن يوجّه إلى البصرة رجلا يطلب بدم عثمان ليسمعوا له و يطيعوا، فيقال إنّ ذلك حدا بمعاوية على توجيه ابن الحضرمي (6) 477...

و لما سيّر معاويةُ عبدَاللَّه بن عامر الحضرمي إلى البصرة قال له: إنّ


1- طبقات ابن سعد 6: 333. و انظر المصنف لعبد الرزاق 4: 50.
2- ميزان الاعتدال 3: 139، و قال في سير أعلام النبلاء 11: 47 قلت: كان إظهاره لمناقب الامام علي بالبصرة لمكان أنّهم عثمانية فيهم انحراف عن علي.
3- لسان الميزان 4: 439.
4- تهذيب التهذيب 7: 413.
5- انظر تاريخ دمشق 25: 201.
6- أنساب الأشراف: 425/ ترجمة أميرالمؤمنين.

ص: 162

جُلَّ أهلها يرون رأينا في عثمان (1) 478...

قال عمرو بن محصن- و كان مع ابن الحضرمي-: فسمع بقدومنا أهل البصرة فجاءنا كلّ من يرى رَأْي عثمان بن عفان (2) 479.

و قد بقيت هذه الحالة أمداً طويلًا عندهم، حتى أنّ محمد بن علي بن عبداللَّه العباسي- والد إبراهيم الإمام- أيّام دعوته لإسقاط الدولة الأموية، قال لدعاته:

أمّا الكوفة و سوادها فهناك شيعة علي و ولده. و أما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكفّ... و أمّا الشام فليسوا يعرفون إلّاآل أبي سفيان و طاعة بني مروان عداوة راسخة و جهل متراكم (3) 480...

فالبصرة إذن عثمانية، و هي قطعة من الشام في عثمانيتها و بغضها لعلي و أولاده، و لذلك اختارها حمران مركزاً له، و أقرّه عثمان على ذلك و بسط يده فيها، و خصوصاً أنّ فيها الموالي الذين ينتمي إليهم حمران فكراً و معتقداً و محتداً.

واسط

و مثل ذلك كانت مدينة واسط، المركز الذي بناه الحجّاج لقمع مناوئيه، فقد بنيت هذه المدينة وأسّست أموية صرفة، و كان فيها الحجاج


1- الغارات 2: 374، شرح النهج 4: 35.
2- الغارات 2: 378، شرح النهج 4: 37.
3- انظر البلدان للهمداني 2: 352، و أحسن التقاسيم للمقدسي: 293، و عيون الأخبار 1: 204، و معجم البلدان 2: 352.

ص: 163

السفّاك الذي كان يدعو إلى الوضوء الثلاثي الغسلي، و يدعو الى تشييد الفقه العثماني الأموي.

روى الكليني بإسناده عن الحسن بن شاذان الواسطي، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أشكو جفاء أهل واسط و حملهم عَلَيَّ، و كانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقّع الإمام عليه السلام بخطه: «إن اللَّه تبارك و تعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل، فاصبر لحكم ربك» (1) 481.

فواسط بناها الحجاج سنه 75 ه بعد أن قامت عليه عدةُ ثورات انضمّ إليها معظم أهل الكوفة و البصرة، فاضطر أن يستنجد بالجند الشامي للقضاء على هذه الثوارت، و بما أنّه يتنقل بين الكوفة و البصرة حسب ما يتطلبه الموقف العسكري رأى الحجاج بناء مدينة في الوسط بين الكوفة و البصرة و المدائن و الأهواز سماها واسطا (2) 482، ورأى الأستاذ عبدالقادر المعاضيدي: انّ الحجاج أراد بعمله هذا عزل جند الشام عن أهل العراق لئلايتأثّروا بآرائهم (3) 483، و الظاهر أنّ هذا الرأي هو الأصوب.

و كان سكّان هذه المدينة من أهل الشام، ثمّ أسكن الحجّاج فيها جماعة من وجوه القبائل العربية الموجودة في الكوفة و البصرة و حتى الحجاز (4) 484 كما سكن إلى جانب هؤلاء بعض الفرس (5) 485، والنبط (6) 486،


1- الكافي 8: 247/ ح 346.
2- البلدان لليعقوبي: 322، احسن التقاسيم: 131، تقويم البلدان لابي الفداء: 306.
3- واسط في العصر الاموي: 14. و انظر تفصيل كلامه في: 96- 98.
4- تاريخ واسط لبحشل: 44، مشاهير علماء الامصار: 176، الامامه و السياسة 2: 127، العقد الفريد 2: 179.
5- تاريخ واسط: 92.
6- البيان و التبيين 1: 275، 4: 18، معجم البلدان 5: 350.

ص: 164

واليهود (1) 487، والنصارى (2) 488، والمجوس (3) 489، كما سكنها عدد من الموالي (4) 490.

و يروي البلاذري أنّ عبيداللَّه بن زياد سبى خلقاً من أهل بخارى...

فأسكنهم البصرة، فلمّا بنى الحجّاج مدينة واسط نقل كثيراً منهم إليها (5) 491.

و يذكر الاصفهاني أنّ الحجاج أقطعهم سكة بواسط سميت باسمهم (6) 492.

قال الأستاذ عبدالقادر المعاضيدي: و لابدّ أنّ هؤلاء كوّنوا لهم وحدة جنسية متميزة إلّاأنه ليست لدينا أية معلومات عن تنظيماتهم الداخلية، ولكن يبدو أنّ هؤلاء ربّما أسندوا إليهم حراسة الأمير، فيذكر الطبري أنه بعد أن تمّ الصلح بين أبي جعفر المنصور و يزيد بن هبيرة الفزاري خرج يزيد إلى أبي جعفر في ألف و ثلاثمائة من البخارية (7) 493.

و قد هجا بشار بن برد واسطاً و أهلها بقوله:


1- تاريخ واسط: 90، مشاهير علماء الأمصار: 176، صفة الصفوة 3: 12، المسالك و المالك: 59.
2- واسط في العصر الأموي: 158.
3- مشاهير علماء الأمصار: 176.
4- انظر قائمة اسماء الموالي في صفحة: 459- 470 من كتاب واسط في العصر الأموي.
5- فتوح البلدان: 463. و انظر الاغاني 22: 452.
6- الاغاني 22: 425.
7- واسط في العصر الاموي: 158.

ص: 165

على واسطٍ من ربّها ألف لعنةو تسعة آلاف على أهل واسطِ

أيلتمس المعروف من أهل واسطٍو واسطُ مأوى كُلّ عِلْجٍ و ساقطِ

فنبطٌ و أعلاجٌ و خُوزٌ تجمّعواشرار عباد اللَّه من كل غايطِ

و إني لأرجو أن أنال بشتمهم من اللَّه أجراً مثل أجر المرابطِ

(1) 494 و عليه فإنّ مراكز شبكة نشر الوضوء العثماني بعد المدينة- معقل خلافة عثمان- هي: البصرة، الشام، واسط، و كلّها مشحونه بالعثمانيين و الأمويين و المناوئين لمنهح التعبد المحض، و الموالي الشعوبيين الحاقدين على الإسلام، و المطعونين بشتى الطعون من الرواة كما ستقف على ذلك.

و مثل هذا الوضوء الذي ينشأ من عثمان الأموي، و يترعرع عند حمران اليهودي، و ينتشر في الشام و البصرة و واسط، و يهذبه و يشذبه الزهري منديل الأمراء المتزلّف، لايمكن أن يكون إلّاوضوءً غير أصيل، يخالف الوضوء الثنائي المسحي الذي رواه أمثال علي بن أبي طالب، و عبداللَّه بن العباس، و أنس بن مالك، و نُقِلَ بشكل طبيعي في صدور ومدونات المتعبّدين من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والرواة النزيهين.

البصرة و الموالي

إنّ موقع البصرة الجغرافي و محاذاتها للأمم الأخرى، و إطلالها على خليج فارس، جعل منها مسرحاً خصباً لاجتماع شتّى القوميات، و ملعباً


1- معجم البلدان 5: 351، و ديوان بشار: 550- 551.

ص: 166

كبيراً لمختلف المذاهب و المعتقدات، لذلك ترعرع في أحضانها عدد كبير من الموالي الشعوبيين، و الذي ساعد على نشوء ردّة الفعل السلبية عندهم مالقوه من معاملة سيئة و تمييز طبقي بغيض لعبت فيه الحكومات والمتنفّذون من الخلفاء دوراً هدّاماً كبيراً، حتى انقلبت كثير من هذه الشرائح- التي رسم الإسلام منهجاً دقيقاً لإصلاحها و ضمّها إلى الوحدة الإسلامية الكبرى- إلى أعداء لدودين بسبب بقايا خلفياتهم الثقافية والدينية، إلى جانب ما صبّه عليهم المتسلطون و أذيالهم من قسر و ظلم واحتقار.

قال الدكتور إبراهيم السامرائي: إنّ البصرة مجتمع ضمّ جمهرة من أمم شتّى ظهر فيها العنصر الفارسي (1) 495.

بل راح يشكّك في أصل عربية اسم البصرة، فقال بعد بحث له في ذلك: ألم يقولوا أنّ «البصرة» كلمة أعجمية عُرّبت؟ قال حمزة بن الحسن الاصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول: البصرة تعريب «بس راه» لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة (2) 496.

لقد أنشأ عتبة بن غزوان مدينة البصرة في سنة 14 ه و كان معه بين ثلاثمائة إلى ثمانمائة مقاتل (3) 497 فقط من العرب، و في إمارة أبي موسى


1- أشتات بصرية، المطبوع مع خطط البصرة و بغداد: 74.
2- أشتات بصرية: 73.
3- انظر طبقات ابن سعد 7: 138، و فتوح البلدان: 342 و 350، و معجم البلدان 1: 432، و تاريخ الطبري 3: 591 و 594، و في معجم البلدان لياقوت 1: 431 أنه كان معه ستمائة مقاتل.

ص: 167

الأشعري من سنة 17 ه- 25 ه تمّت السيطرة على كور دجلة و فتحت أصفهان و قم و قاشان.

قال الدكتور صالح أحمد العلي: و في عهد أبي موسى كذلك أخذ الأعاجم يستوطنون البصرة و يعتنقون الإسلام و يتعلمون العربية، و قد ولّد استيطانهم عدّة مشاكل إدارية و ثقافية (1) 498.

و في إمارة عبداللَّه بن عامر (من سنه 25- 36 ه)- الذي كان يتسابق على غمز رجل حمران- اتسعت جبهة القتال التي يقوم بها البصريون، فأصبحت قوّاتهم مسؤولة عن الفتوح في كافّة المقاطعات الواقعة شرقيّ الخليج الفارسي... و قد تمكّن البصريون بعد ازدياد عددهم من فتح ما تبقى من إقليم فارس و سجستان و كرمان، ثمّ قاموا بالفتوحات الإسلامية في خراسان (2) 499.

و هذه المعارك المتعددة جعلت البصريين يغنمون عدداً كبيراً من الأسرى، و قد استرقّوا حاميات المدن التي قاومت مقاومة شديدة أو ثارت عليهم بعد الاستسلام، مثل سيستان و تستر و مناذر والسوس و ناشروذ وجوين و بعض حاميات سجستان التي يقال أنّ العرب غنموا منها أربعين ألفاً من الرقيق (3) 500، هذا كلّه غير ما كانت تدفعه سجستان لهم


1- التنظيمات الاجتماعية و الاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري: 41.
2- التنظيمات الاجتماعية و الاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري: 42.
3- انظر كل هذه الفتوح و الارقام في فتوح البلدان: 344 و 376 و 377، و 393 و 394 و 404.

ص: 168

كلّ سنة من العبيد، و كانت تدفع كل سنة ألف عبد (1) 501، و غير العبيد الذين قُتل أسيادهم و فرّوا فتركوهم فالتجأوا إلى مجتمع البصرة.

و كان بجنب كل هؤلاء الأعاجمُ الأحرارُ الذين استوطنوا البصرة بمحض اختيارهم و وضعوا أنفسهم تحت حماية أفراد أو عشائر مستفيدين من المنافع التي يقدّمها الولاء للسيد و العشيرة و حمايتها... غير أنّهم لما ازدادت سلطة الأمير دون العشيرة و الفرد و تولّدت الحياة المدنية لم يعودوا بحاجة إلى حماية العشيرة، فتناقص عددهم (2) 502.

و قد استوطن البصرة بجانب الموالي عدد من القوات الساسانية بعد أن استسلموا للعرب و اتّفقوا معهم على القتال في صفوفهم أو القيام ببعض المهام البوليسية و الإدارية في البصرة... و قد ازداد عددهم بمن انضم إليهم من الجنود الساسانيين الهاربين و الاصفهانيين و ديالمة الكوفة، ثم نقل زياد بن أبيه عدداً منهم إلى بلاد الشام...

و الزطّ قوة أخرى من الأعاجم انضمت إلى العرب منذ زمن أبي موسى... و قد زاد عدد الزط بعد ما فتح العرب السند و أسروا عدداً منهم فيها فنقلوهم إلى البصرة، و قد نقل بعضهم إلى أنطاكية في الشام أيضا.

و قد جاء عبيداللَّه بن زياد بألفين من الأتراك الذين أسرهم في حملاته في أواسط آسيا فأسكنهم البصرة... و استعملهم في إخضاع بعض


1- فتوح البلدان: 394.
2- التنظيمات الاجتماعية و الاقتصادية في البصرة: 82.

ص: 169

المتمردين من العرب في اليمامة... ثم نقل الحجاج بعضهم إلى واسط.

و بجانب كل هؤلاء كان في البصرة عدد من الأحباش كانت لهم خطة قرب هذيل، و يقال أنّهم سكنوا البصرة منذ عهد عمربن الخطاب (1) 503.

فها هو مجتمع البصرة خليط من العرب و الفرس و الروم و الأحباش و الزط و غيرهم من الأمم، و كان الكثير منهم بل جلّهم موالي من أسرى الحروب، و من هذا المزيج الذي لم يعالجه الحكّام بصورة صحيحة تولّدت عند بعضهم عقدة الانتقام من المسلمين لدينه السابق أو عنصره المغلوب كما هو شأن حمران بن أبان، الذي كان يهوديا فارسياً، أُسِرَ و استُرِقّ ثم أعتق، لكن على يد أموية، و هي يد عثمان بن عفان، فاستغلّ ظروف التهرّؤ في الحكم الأموي و اندسّ في صفوف المسلمين فلعب الأدوار الخطيرة- التي مر عليك بعضها- فقهاً و سياسة، و كذلك كثير من رواة الوضوء العثماني الحمراني على ضوء احصائيات دراستنا هذه كما سيتضح لاحقاً.

و قد عرفت أنّ انتشار هذا الوضوء الثلاثي الغسلي كان في البصرة و الشام بدرجة كبيرة و على يد عدد كبير من الموالي، كما وقفت على أنّ مركز الموالي كان هو البصرة، و بُعث منهم عددٌ غير قليل إلى الشام، وإلى واسط، و هي مراكز التبني الأموي، إذ خلفاء بني أمية دعاةُ فقهِ عثمان في الشام، و طابورهم حمران في البصرة، و عاملهم الظالم الداعية للوضوء الغسلي الحجاج في واسط.


1- انظر التنظيمات الاجتماعية و الاقتصادية في البصرة: 82- 87.

ص: 170

الموالي و الشعوبية

لقد كان ظهور مثل هؤلاء و تسلّمهم الأدوار الخطيرة في ظلّ حكم بني أمية نتيجة من نتائج الفتوح التي قام بها الحكّام و جاءوا بالأسرى فزجّوهم في المجتمع الإسلامي بشكل عشوائي، حتى أنّهم كانت تحكمهم الأعراف القبلية أكثر من الأحكام الدينية.

فحمران كان من سبي خالدبن الوليد، في عهد أبي بكر، ولم يسلم إلّا في زمن حكومة عثمان، و قد وقفت على أدواره السلبية في المؤامرات والتقلبات السياسية، و أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قَتَلَ عمربن الخطاب نتيجة لاحتقاره للأمم الأخرى و نظرته القومية البغيضة، و كان سرجون الرومي مستشار معاوية بن أبي سفيان الذي يخطّط له و يدفعه للفتك بالصالحين، فهؤلاء و عشرات من أمثالهم يمثّلون الشعوبية و بدايات نشوئها في كنف المتسلّطين بالعسف و القوة الذين فضّلوا العنصر العربي على باقي العناصر، فحدثت عند الموالي ردّة فعل قاسية كادوا بها الإسلام و المسلمين.

قال الدكتور أحمد إبراهيم الشريف: طبقة الأحرار الصرحاء، و هي الطبقة التي يعتبر أفرادها بنية القبيلة... فالحر يتمتّع بحماية القبيلة حيّا و ميّتاً... و عليها واجب الانتصار له مظلوماً، و الوقوف إلى جانبه ظالما، و كان يكفي أحدهم أن يستغيث فإذا السيوف مصلتة و الرماح مشرعة، و إذا الدماء تصبب لأقلّ الأسباب.

لايسألون أخاهم حين يندبهم للنائبات على ما قال برهانا

... طبقه الأرقّاء: كان في المجتمع العربي طبقة كبيرة من الأرقاء...

و المصدر الاصلي للرقيق هو الحرب... و إذا لاحظنا أنّهم يؤخذون بالعنف تبيَّنّا أنّ الحرب و الغزو و القوة هي السبب الأوّل... فإنّ مقياس الشرف عند العربي أن لا يجري في عروقه دم أجنبي، و أن يكون من أب عربي و أمّ عربية (1) 504...

قال: و بالرغم من أنّ الإسلام جاء بالقضاء على العصبية القبلية، و جعل المسلمين كلّهم إخوة بغضّ النظر عن قبائلهم، فإنّ سلطان العصبية و شدّة رسوخها ظلّ قويّاً، و كان لها أثرٌ فعّال في كثير من أحداث التاريخ الإسلامي و سيره و تطوره... و ذلك بالرغم من تندّر القرآن بها وتحذيره منها استهدافاً لخلق مجتمع إسلامي أساسه إطارٌ أعمّ من الأخوّة الدينية العامة (2) 505...

و قال المرحوم الشيخ الدكتور أحمد الوائلي: أخذ العرب يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة فيها كثير من الغطرسة و الصلف، و لم يسوّوهم بهم، و منعوا الموالي من الزواج بالعربية، و سمّوا من يولد من زواج كهذا هجيناً، و كانوا إذا نزل عربيٌّ بحيٍّ من أحيائهم فمن العار أن يباع عليه الطعام بيعاً بل يقدّم له، بعكس الموالي.

و ذكر ابن عبدربّه الأندلسي في العقد الفريد أنّ العرب كانوا يقولون:


1- انظر مكة و المدينة في الجاهلية و عهد الرسول: 36- 40.
2- انظر مكة و المدينة في الجاهلية و عهد الرسول: 51- 52.

ص: 171

ص: 172

لا يقطع الصلاة إلّاثلاثة: حمار أو كلب أو مولى، و كانوا لا يكنّون المولى و لا يمشون معه في الصفّ، و لا يؤاكلونه، بل يقف على رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصَّصوا له مكاناً ليُعرَفَ أنّه مولى...

و أمّا ما كان على مستوى الحكّام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال مع الإنسانية، و خصوصاً ولاة الأمويين كالحجّاج الذي لم يرفع الجزية عمّن أسلم من أهل الذمّة، و الذي وسم أيدي الموالي وردّهم إلى القرى لما هاجروا للمدن (1) 506.

و قد تناول العرب الأحاديث النبوية فوضعوا فيها ما يتّفق مع هذا الاحتقار، فيروون هذا الحديث «لا يتزوج النساء إلّاالأولياء، و لا يزوَّجن إلّامن الأكفاء» و يروون أيضاً «قريش بعضهم أكفاء بعض بطن لبطن، و العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة لقبيلة، و الموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل لرجل» (2) 507.

و قال الدكتور جواد جعفر الخليلي: إنّ فيروز «أبا لؤلؤه» كان أسيراً من أسراء فارس و أسلم، و رغم ذلك بيعَ مملوكاً للمغيرة بن شعبة أحد ولاة عمر الفاسقين... و كانت السُّنَّة تأمر المالكين أن ينفقوا على المملوك، بينما كان المغيرة يُلزم فيروز أن يقدّم له شهريّاً ثمانين درهماً، هذا إلى عدم


1- هوية التشيع: 208.
2- الشعوبية و اثرها الاجتماعي و السياسي: 51، عن شرح فتح القدير 2: 417 و 420 و 421.

ص: 173

بذل نفقة عليه (1) 508.

و في هذا الإطار كان عمر بن الخطاب يفرّق في الإرث بين المسلمين؛ العرب و غير العرب، على خلاف كتاب اللَّه و سنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (2) 509.

و بينما يفرض الإسلام الجزية على أهل الذمة- العرب و غيرهم سواء- نرى عمر بن الخطاب يأخذ من نصارى العرب الصدقة بدلًا عن الجزية (3) 510.

و بينما كان النبي صلى الله عليه و آله يسوّي في العطاء بين المسلمين و لا يفضّل أحداً منهم على أحد، يندفع عمر- في سنة عشرين للهجرة حين فرض العطاء- ليقنّن مبدأ التفضيل، ففضّل السابقين على غيرهم، و فضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، و فضّل المهاجرين كافّةً على الأنصار كافّة، و فضّل العرب على العجم، و فضّل الصريح على المولى (4) 511.

و في هذا الجوّ المحموم ليس بدعاً أن تجد من الموالي رهطاً حاقدين على الإسلام و المسلمين، يسعون جاهدين للاندساس بينهم ليثلموا ما يستطيعون ثلمه ثأراً لأنفسهم و كراماتهم، و تأثّراً بسوابقهم الاجتماعية


1- محاكمات الخلفاء و أتباعهم: 45.
2- انظر الموطأ 2: 12، حيث روى بسنده عن سعيد بن المسيب: إنّ عمر بن الخطاب أبى أن يورّث أحداً من الأعاجم إلّامن ولد في العرب.
3- انظر الأم 4: 299، المغني لابن قدامة 10: 572، و عون المعبود 8: 201.
4- انظر شرح النهج 8: 111.

ص: 174

و السياسية و الدينية.

و اللافت للنظر هو أنّ الأمويين- الذي يُدّعى لهم أنّهم عربٌ أقحاح، و أنّهم لم يستغلّوا العنصر الفارسي في حكوماتهم، و أنهم كانوا يحتقرون الموالي كما علمت- كانوا مع حمران بن أبان على عكس ذلك تماماً، إذ قرّبه عثمان حتى صار حاجبه و صاحب خاتمه و صاحب سرّه، و كان معاوية (1) 512 و مروان و عبداللَّه بن عامر يتسابقون إلى احترامه و إجلاله، و يعبر عنه عبدالملك بأنّه «أخو من مضى و عمّ من بقي و هو ربع من أرباع بني أمية»، و هذا إن دل على شي ء، فإنّما يدلّ على وجود مخطّط سرّي بين الأمويين و حاشيتهم و مواليهم لضرب الإسلام المحمدي العلوي الأصيل، إذ استغل الأمويّون حمران و منظومته لأهدافهم السياسية و الفقهية، و استفاد هو من هذا الظرف لينتقم لعقدته، و يبشّر ببعض تعاليم يهوديته التي أرسله أهله إلى عين التمر ليتعلّمها و يكون داعيةً سرّياً من دعاة اليهودية.

الموالي و أهل البيت

و في الجهة الأخرى، نرى الرسول الأكرم (2) 513 و أهل بيته- و على


1- و هو القائل للأحنف بن قيس و سمرة بن جندب: إنّي رأيت هذه الحمراء قدكثرت أي الموالي و أراها قد قطعت على السلف، و كأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب و السلطان، فقد رأيت أن أقتل شطراً، و أدع شطراً لإقامة السوق و عمارة الطريق، فما ترون؟ (العقد الفريد 2: 261) اقرا هذا النص، و انظر تسابُق معاوية و عبداللَّه بن عامر أيهما يغمز رجل حمران!!!
2- منها قوله صلى الله عليه و آله: «اتقوا اللَّه في الضعيفين المملوك و المرأة» و قوله صلى الله عليه و آله «و لقدأوصاني حبيبي جبرائيل بالرفق بالرقيق حتى ظَننت أنّ الناس لا تُستعبد و لا تستخدم» و قوله «و إخوانكم حولكم- أي خدمكم- جعلهم اللَّه تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل و يلبسه ممّا يلبس» و عشرات الروايات الداعية الى الأخوّة و العدل و المساواة بين الأحرار و العبيد.

ص: 175

رأسهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب- ينتهجون مع الموالي نفس المنهج الذي رسمه اللَّه في كتابه العزيز حيث قال تعالى «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عنداللَّه أتقاكم» (1) 514 و قال «ولأمة مؤمنة خير من مشركة و لو أعجبتكم» (2) 515 و قال «و الذين يبتغون الكتاب مما مملكت أيمانكم فكاتبوهم» (3) 516 و قال «و الذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة» (4) 517 و قال «لا يؤاخذكم اللَّه باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة» (5) 518.

جاءت كل تلك النصوص دون أن يَكون للعنصرية العربية أي أثر


1- الحجرات: 13. و قد قال النبي صلى الله عليه و آله بعرفات: إن اللَّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تعظّمها بالآباء، الناس من آدم و آدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلّابالتقوى، ثم تلا «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى»... الاية. أحكام القرآن للجصاص 1: 381.
2- البقرة: 221.
3- النور: 33.
4- المجادلة: 3.
5- المائدة: 89.

ص: 176

على ذلك المسار، و لذلك كان موالي أهل البيت و أتباعهم في غاية الاستقامة و التديّن، و لم تكن لهم إلّاالآثار الإيجابية المحمودة في تاريخ الإسلام و المسلمين.

رَوى المدائني أنّ طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه فقالوا: يا أميرالمؤمنين أعطِ هذه الأموال، و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم، و استمل مَن تخاف خلافه من الناس...

فقال لهم: أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور، لاواللَّه لا أفعل... و اللَّه لو كان المال لي لواسيت بينهم، فكيف و إنّما هي أموالهم (1) 519.

و أتت عليّاً امرأتان تسألانه؛ عربية و مولاة لها، فأمر لكلّ واحدة منهما بكُرٍّ من طعام و أربعين درهماً، فأخذت المولاة الذي أعطيت و ذهبت، و قالت العربية: يا أميرالمؤمنين، تعطيني مثل الذي أعطيتَ هذه، و أنا عربية و هي مولاة؟!

فقال لها علي عليه السلام: إنّي نظرت في كتاب اللَّه عزوجل فلم أَرَ فيه فضلًا لولد إسماعيل على ولد إسحاق (2) 520.

قال الشيخ محمد مهدي شمس الدين: إنّ الموالي كانوا على علاقة و ثيقة بالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ناشئة من سياسة الإمام العادلة التي ساوتهم بغيرهم من المسلمين، و قد نقم بعض زعماء القبائل على هذه


1- شرح النهج 2: 203.
2- كنز العمال 6: 612/ ح 17095، عن البيهقي في سننه 6: 349. الحمراء هو الاسم القديم الذي أطلق على الفرس المسلمين، ثم أطلق على الروم المسلمين.

ص: 177

العلاقة، فقال الأشعث بن قيس و هو من المنافقين للإمام علي عليه السلام: يا أميرالمؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك (1) 521!!

و كعلاج لحالةِ البثّ العشوائي للأُسَراء في المجتمع الإسلامي، أخذ أئمة أهل البيت يركّزون على إعطاء وجهة النظر الصحيحة للإسلام، فراحوا يؤكّدون على عتق العبيد لئلّا يظلّوا في دوّامة عقدة الاحتقار، ولكي يروا تسامح الإسلام و أنّه إنّما استرقّهم- كحالة موقّتة- ليعلّمهم الدين و المفاهيم الحقّة ثم يعتقهم ليأخذوا هم دورهم طواعيةً في خدمة الدين، أي أنّ الأئمة كانوا يربّون العبيد التربية الصحيحة و يغذّونهم بروح الإسلام ثم يعتقونهم ليكونوا أحرارا، فقد أعتق أميرالمؤمنين علي عليه السلام ألفَ مملوك من كدِّ يده (2) 522.

و حجّ الحسن بن علي عليه السلام خمساً و عشرين حجة ماشياً و إنّ النجائب لتقاد معه، و لقد قاسم اللَّه ما لَهُ ثلاث مرات، حتّى أنه يعطي النعل و يمسك النعل (3) 523. و لايخفى عليك أنّ الرقيق و العبيد من عمدة المال في ذلك المقطع من التاريخ.

و مرّ الحسن بن علي عليه السلام بعبد أسود بيده رغيف يأكل لقمة و يطعم الكلبَ لقمة، فقال له: غلامُ مَن أنت؟ قال: غلامُ أبان بن عثمان، فقال:


1- أنصار الحسين: 193.
2- منتهى المطلب للعلامة الحلي 2: 1031، و هو بسند صحيح في التهذيب للشيخ الطوسي 6: 325/ 895.
3- مختصر تاريخ دمشق 7: 24.

ص: 178

و الحائط أي البستان؟ فقال: لأبان بن عثمان، فاشترى الإمامُ الحسنُ الغلامَ و الحائط، فقال: يا غلام قد اشتريتك، فقام قائماً فقال: السمع و الطاعة للَّه و لرسوله ولك يا مولاي، قال: قد اشتريت الحائط، و أنت حرٌّ لوجه اللَّه، و الحائط هبة مني اليك (1) 524. فلاحظ أسلوب تعامل أبان بن عثمان و تجويعه للعبد، و لاحظ في مقابلهِ سياسة أهل البيت الرامية لتحرير العبيد و إغنائهم ليأخذوا دورهم الطبيعي في المجتمع.

و كان علي بن الحسين إذا دخل شهر رمضان لايضرب عبداً له و لا أَمَةً، و كان إذا أذنب العبدُ و الأمةُ يكتب عنده «أذنب فلان» «أذنبت فلانة» يوم كذا و كذا، ولم يعاقبه، فيجتمع عليهم الأدب، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله، ثمّ أظهر الكتاب ثمّ قال: يا فلان فعلتَ كذا و كذا ولم أؤدبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يابن رسول اللَّه، حتى يأتي على آخرهم و يقرّرهم جميعاً، ثمّ يقوم وسطهم و يقول لهم:

ارفعوا أصواتكم و قولوا:

يا علي بن الحسين، إنّ ربّك قد أحصى عليك كُلّ ما عملت كما أحصيتَ علينا كلّ ما عملنا، ولديه كتابٌ ينطق عليك بالحقّ لايغادر صغيرة و لا كبيرة مما أتيتَ إلّاأحصاها، و تجد كُلَّ ما عملتَ لديه حاضراً كما وجدنا كلَّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعفُ واصفح كما ترجو من المليك العفو، و كما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعفُ عنّا تجده عَفُوّاً، و بك رحيماً، و لك غفوراً، و لا يظلم ربُّك أحداً... فاذكر يا علي بن الحسين


1- انظر تاريخ دمشق 7: 25.

ص: 179

ذلّ مقامك بين يدي ربك الحكم العدل...

قال: و الإمامُ زين العابدين ينادي بذلك على نفسه و يلقّنهم، و هم ينادون معه، و هو واقف بينهم يبكي و ينوح و يقول: ربّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا... الدعاء.

ثم يقبل عليهم و يقول: قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي و عما كان منّي إليكم من سوء ملكة؟...

فيقولون: قد عفونا عنك يا سيدنا، و ما أَسَأْتَ.

فيقول عليه السلام لهم: قولوا: اللّهمّ اعفُ عن علي بن الحسين كما عفى عنّا، و أعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ، فيقولون ذلك، فيقول عليه السلام: اللهم آمين يا ربّ العالمين، اذهبوا فقد عفوتُ عنكم و أعتقتُ رقابكم رجاءً للعفو عنّي و عتق رقبتي، فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم و تغنيهم عمّا في أيدي الناس (1) 525.

و نتيجة لهذه المعاملة الطيبة و الأخلاق المحمدية السامية، نرى موالي أهل البيت في قمة الوفاء و الاستقامة، و ليس فيهم من له دور عدواني غذّته روح الاحتقار للموالي كحمران و أبي لؤلؤة و سرجون.

فقنبر مولى أميرالمومنين علي عليه السلام لم يكن إلّاتلميذاً من تلامذة علي عليه السلام، قضى عمره في ركابه و في الدفاع عن الدين، حتى إذا طال به العمر دفع ضريبةَ حبّه و ولائه لإمامه، فقُتل على يد الحجاج الثقفي.

فقد قال الحجاج ذات يوم: أُحبّ أن أصيب رجلًا من أصحاب أبي


1- الصحيفة السجادية الجامعة: 285- 287.

ص: 180

تراب فأتقرّب إلى اللَّه بدمه، فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطولَ صحبةً لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فأُتي به، فقال له: أنت قنبر؟ قال:

نعم، قال: أبو همدان؟ قال: نعم، قال: مولى علي بن أبي طالب؟ قال: اللَّه مولاي و أميرالمؤمنين علي عليه السلام وليّ نعمتي. قال: إبرَأْ من دينه، قال: فإذا برئتُ من دينه تدلّني على دينٍ غيره أفضل منه؟ قال: إنّي قاتلك فاختَرْ أَيّ قتلة أحبّ إليك، قال: قد صيّرتُ ذلك إليك، قال: و لِمَ؟ قال: لأنّك لاتقتلني قتلة إلّاقتلتك مثلها يوم القيامة، و قد أخبرني أميرالمؤمنين عليه السلام أنّ منيّتي تكون ذبحاً ظلماً بغير حقّ، فأمر به الحجاج فذُبِح (1) 526.

و قد كان مع الامام الحسين كوكبة لامعة من الموالي الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل الثورة التي قاموا بها مع الإمام الحسين لإحياء الدين، فكان منهم:

1- أسلم التركي، مولى الحسين، و كان قارئاً للقرآن كاتباً عارفاً بالعربية (2) 527.

2- جابر بن الحجاج، مولى عامر بن نهشل التيمي، تيم اللَّه بن ثعلبة، كان فارساً شجاعاً، قال صاحب الحدائق: حضر مع الحسين عليه السلام في كربلاء. و قتل بين يديه، و كان قتله قبل الظهر في الحملة الأولى. (3) 528 3- جون مولى أبي ذر الغفاري، و كان شيخاً كبير السن، أسود


1- كشف الغمة 1: 282، كشف اليقين: 78، الإرشاد 1: 328.
2- أنصار الحسين عليه السلام: 73، لمحمد مهدي شمس الدين.
3- إبصار العين: 193، للسماوي.

ص: 181

اللون، و قد أذن له الحسين بالانصراف و قال له: أنت في حلٍّ من بيعتي، فقال له: أنا في الرخاء أَلْحَسُ قصاعكم و في الشدة أترككم؟! لا واللَّه، ثم استشهد مع الحسين فدعا له قائلا: اللهم بيِّض وجهه و طيّب ريحه واحشره مع الأبرار و عرّف بينه و بين محمد و آل محمد، فوجدوه في المعركة تفوح منه رائحة المسك (1) 529.

4- الحارث بن نبهان، مولى حمزة بن عبدالمطلب، قال أهل السير: إنّ نبهان كان عبداً لحمزة شجاعاً فارساً، مات بعد شهادة حمزة بسنتين، وانضمّ ابنه الحارث إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، ثم بعده إلى الحسن، ثم إلى الحسين عليهما السلام، فلما خرج الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة خرج الحارث ولازمه حتى وردوا كربلاء، فلما شبّت الحرب تقدم أمام الحسين عليه السلام ففاز بالشهادة رضوان اللَّه عليه. (2) 530 5- رافع مولى مسلم الأزدي (3) 531.

6- زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي، استشهد مع الحسين في الحملة الأولى (4) 532.

7- سالم مولى بني المدنية الكلبي (5) 533.

8- سالم مولى عامر بن مسلم العبدي، من عبد القيس، و هو


1- انظر بحارالأنوار 45: 23.
2- تنقيح المقال 1: 248.
3- إبصار العين للسماوي: 170.
4- اقبال الاعمال 3: 209.
5- اقبال الاعمال 3: 79.

ص: 182

بصري. (1) 534 9- سعد، مولى علي (2) 535.

10- سعد بن عبداللَّه، مولى عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي. (3) 536 11- سليمان، مولى الحسين، استشهد في البصرة (4) 537.

12- شبيب، مولى الحارث الجابري (5) 538.

13- شوذب مولى شاكر بن عبداللَّه الهمداني الشاكري، و هو شيخ كبير، من رجال الشيعة و وجوههم. (6) 539 14- قارب مولى الحسين. (7) 540 15- منجح مولى الحسين، كانت أمّه أمّ منجح جارية الحسين عليه السلام اشتراها من نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، ثم تزوّجها سهم أبو منجح فولدت له منجحاً (8) 541.

16- نصر، مولى علي (9) 542.


1- المزار: 494.
2- إبصار العين: 170.
3- أنصار الحسين: 90.
4- إبصار العين: 171.
5- إبصار العين: 171.
6- تاريخ الطبري 4: 338.
7- المزار: 491.
8- أنصار الحسين: 91.
9- إبصار العين: 170.

ص: 183

17- واضح، مولى الحارث السلماني (1) 543.

خلاصة القول:

(2) 544

عصارة القول هو أنّ العبيد و الموالي كانوا شريحة اجتماعية جديدة انضمت إلى العرب، و كان الإسلام قد خطّط لها تخطيطا دقيقاً لتعتنق الإسلام لساناً و قلباً و روحاً و اعتقاداً، لتتمّ بعد ذلك عالمية الإسلام وشموليّته على صعيد التطبيق، و قد نجح أهل البيت و أتباعهم في هذا السبيل نجاحاً باهراً، و عالجوا ما فرّط فيه الحاكمون الذين كانوا سبباً قويّاً جدّاً في بروز الشعوبية و دورها الهدّام، لكنّ الحاكمين كانوا هم أصحاب القوّة، و كانوا هم المتنفذين على صعيد الواقع العملي، فظلت حالة عشوائية التوزيع للعبيد و الموالي و الزجّ بهم حالةً قوية راسخة، أدّت بهم من بعد إلى أن يتلاعبوا بمقدّرات الدولة الاسلامية.

قالت الدكتورة زاهية قدورة- بعد أن ذكرت موقف الإسلام من الموالي و أنّ الإسلام رفع المخلصين منهم إلى أعزّ مكان كبلال الحبشي و سلمان الفارسي- قالت: و كان من الطبيعي أن تقع هذه المبادئ في نفوس العرب موقعاً غريباً، و هم الذين تنطوي ضلوعهم على نيران العصبية المترفّعة، و لكنّها نزلت برداً و سلاماً على قلوب الآخرين ونعني بهم الموالي، كما كانت عزاءً لهم و لأتقياء المسلمين من العرب عندما جنح


1- إبصار العين: 171.
2- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، وضوء عثمان بن عفان من النشأة إلي الإنتشار، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

ص: 184

بعض الخلفاء عن سياسة الإسلام فيما بعد، و عاودهم الحنين إلى عادات الجاهلية الأولى و نعرتها (1) 545.

و كردّة فعل على ما أصابتهم به العصبية القبليه العربية، أخذوا يختلقون الأحاديث لأنفسهم، فروى أبو داود السجستاني، نا محمد بن عيسى بن الطباع، نا ابن فضيل، عن أبيه، عن الرحال بن سالم، عن عطاء، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: الأبدال من الموالي، و لا يبغض الموالي إلّا منافق (2) 546.

و برز منهم أئمة الشعوبية مثل أبي عبيدة المعمر بن المثنى، الذي كان من موالي بني تيم بالبصرة، و كان يهوديّ الأصل، أسلم جدّه على يد بعض أولاد أبي بكر، و هو الذي جدّد كتاب مثالب العرب، و كان خارجيّاً يرى رأي الاباضية (3) 547.

و كان الزهري منديل الأمراء القرشي، من جملة الذين يحتقرون الموالي، فعن عبد الرزاق، عن معمر، قال: قيل للزهري: زعموا أنك لاتحدّث عن الموالي، فقال: إنّي لأُحدّث عنهم، و لكن إذا وجدتُ أبناء المهاجرين و الأنصار أتّكئُ عليهم، فما أصنع بغيرهم؟! (4) 548 و هنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الزهري روى وضوءه عن «عطاء بن يزيد الليثي الشامي، عن حمران، عن عثمان».


1- الشعوبية و أثرها الاجتماعي و السياسي: 33.
2- سؤالات الآجري 1: 204.
3- انظر معجم الادباء 19: 156. و للمزيد انظر الشعوبية و أثرها الاجتماعي و السياسي: 125.
4- الطبقات الكبرى 2: 388.

ص: 185

و عطاء مولى، و حمران مولى، فلماذا لم يروِ الوضوء عن أبناء المهاجرين و الأنصار؟! ألم يكونوا يروون وضوء النبي؟! بل كان بإمكانه- لو أراد ذلك- أن يروي الوضوء عن بعض المهاجرين والأنصار، خصوصاً أنه روى عن أنس بن مالك غير الوضوء، لكنّه عدل عن كل أولئك و اختصّ برواية الوضوء عن عطاء المولى الشامي، عن حمران بن أبان المولى الشعوبي اليهودي، فليس لذلك تعليل إلّاالتزامه بما أملته عليه أهواؤه والحكومة الأموية.

القرشيون:

و في جانب آخر نرى أنّ الوضوء العثماني الحمراني العطائي الزهروي يتبنّاه القرشيون بشكل مفضوح، بعد أن كان نشوؤه على يدي عثمان القرشي الأموي.

فالقرشية تارة تكون حالة نَسَبِيّة محضة، و تارة أخرى تتخذ شكلًا سياسيّاً قبليّاً، ككتلة واحدة لها أهداف و مصالح مشتركة، و هي التي تعنينا و نعنيها في هذا البحث، إذ أنّ النبي صلى الله عليه و آله لما بُعث في قريش، كذّبوه و آذوه، و حاربوه، و و... حتى قال «ما أُوذي أحدٌ ما أُوذيتُ» (1) 549، و قد اضطرّته قريش إلى ترك مكة مهاجراً منها إلى المدينة، فكوّن هناك النواة الصالحة، و تقدَّم إلى الأَمام، فحدثت حرب بدر و أحد و ما بعدهما


1- فتح الباري 7: 126. و في مناقب ابن شهر آشوب 3: 42 «ما أوذي نبيّ مثل ماأوذيت».

ص: 186

من الحروب، و كان النبي صلى الله عليه و آله قد وَتَرَ قريشاً في تلك الحروب و قَتَل رجالاتها، و كانت الحصّة الكبرى من القتلى على يد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب و من بعده الأنصار، فأضمرت قريش الحقد للنبيّ و أهل بيته و الأنصار، و ازداد حقدها الكامن بعد فتح مكّة، إذ دخلت الإسلام مجبرة مغلوبة مقهورة، فصارت تشعر بنفس عقدة الانتقام التي كان يشعر بها الموالي كما قدمنا لك، فلذلك كانت قريش- كحالة سياسية- تضطرم حقداً على النبي و آله و الأنصار.

فبعد وفاة النبي تسلّط القرشيون على الحكم و أبعدوا عليّاً و الأنصار، فتسنّم أبوبكر القرشي ظهر المنبر، ثم أعطاها من بعده إلى عمر القرشي، ثم جعلها عمر شورى في ستة كلّهم من قريش، اختارهم بشكل مدروس لإبعاد علي عليه السلام عن الخلافة، و انتخاب عثمان الأموي القرشي عن طريق عبدالرحمن بن عوف الزهري القرشي.

و كان عمر بن الخطاب قبل ذلك قد ولّى معاوية بن أبي سفيان بعض الشام حيث تولّاها سبع سنين، و قد جمع عثمان بن عفان له الجزيرة و كل الشام في أيام حكمه، فأصبحت ولايته تضمّ مناطق واسعة جداً من الدولة الاسلامية (1) 550.

و لمّا قتل عثمان وهرع المسلمون لمبايعة أميرالمؤمنين، ثارت عليه عائشة التيمية القرشية و عاضدها طلحة و الزبير القرشيّانِ فكانت معركة


1- فتوح البلدان للبلاذري: 82، كما في الدوله العربية الاسلامية في العصر الاموي: 7.

ص: 187

الجمل، ثم قسط معاوية الأموي القرشي و أهل الشام فكانت وقعة صفين، و بعد استشهاد أميرالمؤمنين و صلح الإمام الحسن استتبّت الأمور لصالح معاوية بن أبي سفيان، فصار حكمه ملكاً عضوضاً و عادت أبّهة قريش الجاهلية إلى ما كانت عليه.

قال الدكتور نوري جعفر: لقد ألّب عمر على عليٍّ أحقاد قريش، فمَن لعليٍّ برضى تيم و قد نافس شيخها أبابكر؟! و هذا طلحة التيمي، و من له بمحو الأحقاد الأموية من بني هاشم، و هذا عثمان، و قد ضمّت الشورى أيضاً سعد بن أبي وقّاص و عبدالرحمن بن عوف، وكلا الرجلين من زهرة القرشية، و لكليهما نسب موصول ببني أمية، أتى الأول من ناحية أمّه حمنة بنت سفيان (1) 551، و أتى الثاني من ناحية زوجه أمّ كلثوم بنت عقبة (2) 552 أخت عثمان (3) 553.

و قد قال عمر لابن عباس: يابن عباس، أتدري ما منع قومكم- أي قريشاً- منكم بعد محمّد؟... كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة و الخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت


1- هي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس. و هي أمّ سعد بن أبي وقاص. انظرالطبقات الكبرى 3: 137.
2- هي أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، و أمّها أروى بنت كريز أمّ عثمان بن عفان، فهي أخت عثمان لأمّه. انظر الطبقات الكبرى 3: 45.
3- علي و مناوئوه: 69- 70. و انظر الامام علي بن أبي طالب لعبد الفتاح عبدالمقصود.

ص: 188

و وفّقت (1) 554...

و كان عمر يتخوف من بني هاشم، فلذلك قال لابن عباس قبل وفاته: يابن عباس، إنّ عامل حمص هلك، و كان من أهل الخير- و أهل الخير قليل- و قد رجوتُ أن تكونَ منهم، و في نفسي منك شي ء... يابن عباس، إنّي خشيت أن يأتي عليَّ الذي هو آت أي الموت و أنت في عملك، فتقول: هلمّ إلينا و لا هلمّ إليكم دون غيركم (2) 555...

و لمّا سمع عمر بقول عمار بن ياسر: لو قد مات عمر لقد بايعتُ عليا (3) 556، امتعض أشدّ الامتعاض و صعد المنبر، و قال فيما قال: ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: و اللَّه لو مات عمر بايعتُ فلاناً، فلا يغترنّ امرؤٌ أن يقول: إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة و تمّت، ألا و إنّها قد كانت كذلك، و لكنّ اللَّه وقى شرّها... من بايع رجلًا يعني عليّاً كما عرفت من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو و لا الذي بايعه تغرّةَ أن يُقتلا (4) 557.

قال السيد مرتضى العسكري: يفهم من كلام الخليفة أنّه خشي أن


1- تاريخ الطبري 3: 289.
2- مروج الذهب 2: 330.
3- انظر شرح النهج 2: 25. و في مقدمة فتح الباري: 337 وجدت في الأنساب للبلاذري بإسناد قويّ من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري... ولفظه: قال عمر: بلغني أنّ الزبير قال: لو قدمات عمر بايعنا عليا.
4- انظر صحيح البخاري 4: 119- 120/ كتاب الحدود- باب رجم الحبلى من الزنا.

ص: 189

يفلت زمام الأمر بعد وفاته من يد قريش، و يبادر غيرهم من المسلمين- صحابة و تابعين- إلى بيعة من يكرهون ولايته، و هو الإمام علي (1) 558.

و لذلك كثرت شكاوى أميرالمؤمنين من قريش، و بياناته لما قاموا به من أدوار مخرّبة هدّامة، فقال في كتاب له لأخيه عقيل بن أبي طالب: فدع عنك قريشاً و تركاضهم في الضلال، و تجوالهم في الشقاق، و جماحهم في التيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قبلي (2) 559...

و قال: اللهم إنّي استعينك على قريش و من أعانهم، فإنّهم قطعوا رحمي، و صغّروا عظيم منزلتي، و أجمعوا على منازعني أمراً هُوَ لي (3) 560...

و قال: اللهم إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنّهم قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائيٌ، و أجمعوا على منازعني حقّاً كُنتُ أولى به من غيري، و قالوا: ألا إنّ في الحق أن تأخذه و في الحق أن تُمْنَعَهُ، فاصبر مغموماً أو مُتْ متأسّفا، فنظرتُ فإذا ليس لي رافد، و لا ذابٌّ و لا مساعد إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، و جرعت ريقي على الشجى، و صبرتُ من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم، و آلمَ للقلب من حزّ الشفار (4) 561.

و قال عليه السلام في محاججة الشورى: فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلى الله عليه و آله أحاجّ أبابكر و أقول: يا معشر قريش، إنّا أهل البيت أحقّ


1- معالم المدرسين 1: 348.
2- نهج البلاغة 3: 61/ الكتاب 36.
3- نهج البلاغة 2: 85/ الخطبة 172.
4- نهج البلاغة 2: 202/ الخطبة 217.

ص: 190

بهذا الأمر منكم... فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب مابقوا، فأجمعوا إجماعاً واحداً فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قِبَلي، ثمّ قالوا: هلم فبايع و إلّاجاهدناك، فبايعتُ مستكرهاً و صبرتُ محتسبا (1) 562.

و قال عليه السلام: و اللَّه ما تنقم منّا قريش إلّاأنّ اللَّه اختارنا عليهم (2) 563.

و قد كانت جذور العنجهية القرشية ضد أميرالمؤمنين راسخة في نفوسهم فلم يتركوها حتى في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقد جاء إلى النبي أناس من قريش فقالوا: يا محمد إنّا جيرانك و حلفاؤك، و إنّ ناساً من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين و لا رغبة في الفقه، و إنّما فرّوا من ضياعنا و أموالنا، فارددهم إلينا.

فقال صلى الله عليه و آله لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنّهم جيرانك، فتغيّر وجه النبي صلى الله عليه و آله.

ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنّهم جيرانك و حلفاؤك، فتغيّر وجه النبي صلى الله عليه و آله، فقال: يا معشر قريش و اللَّه ليبعثنّ اللَّه عليكم رجلًا قد امتحن اللَّه قلبه بالإيمان، فيضربكم على الدين، فقال أبوبكر: أنا يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال عمر: أنا يا رسول اللَّه؟ قال: لا، و لكنّه الذي


1- الغارات 1: 307.
2- نهج البلاغة 1: 82/ الخطبة 33 عند خروجه لقتال أهل البصرة.

ص: 191

يخصف النعل. و كان أعطى عليّاً نعله يخصفها (1) 564.

و قد بيّن الإمامُ الباقر الآثار السلبية لهذه النعرة القرشية، و كيف أنّها استولت على مقاليد الحكم ثمّ حرّفت الأحكام، فقال عليه السلام لبعض أصحابه:

يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا و تظاهرهم علينا، و مالقي شيعتنا و محبونا من الناس، إنّ رسول اللَّه قُبِضَ و قد أخبر أنّنا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه، و احتجّت على الأنصار بحقّنا و حجّتنا، ثم تداولتها قريش واحداً بعد واحد، حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا و نصبت الحرب لنا... ثمّ لم نزل أهل البيت نُستذلُّ و نُستضام و نُقصى و نُمتهن و نحرم و نقتل و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا... و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم و قضاة السوء و عمّال السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة... فقتلت شيعتنا بكل بلدة، و قطعت الأيدي و الأرجل على الظنّة... ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قتلة (2) 565...

و في الغارات: و كان بالحجاز من مبغضيه أي من مبغضي علي عليه السلام أبو هريرة، و عبداللَّه بن عمر، و عبداللَّه بن الزبير، و زيد بن ثابت،


1- مسند أحمد 1: 155 بسند صحيح، خصائص النسائي: 11.
2- شرح النهج 11: 43- 44.

ص: 192

و قبيصة بن ذؤيب، و عروة بن الزبير، و سعيد بن المسيب، و كانت قريش كلّها على خلافه مع بني أميّة (1) 566.

و فيه: عن محمد بن شيبة، قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري و عروة بن الزبير قد جلسا فذكرا عليّاً فنالا منه (2) 567.

و فيه بعد مكالمة بين سعيد بن المسيب و عمر بن علي. قال فيها سعيد لعمر: يابن أخي جعلتني منافقاً!! قال: ذلك ما أقول لك، قال: ثم انصرف.

و كان أهل الشام أعداء اللَّه و كتابه و رسوله و أهل بيته، أجلافاً جفاة غواة أعوان الظالمين و أولياء الشيطان الرجيم (3) 568.

فالقرشيون والشاميون والبصريون والواسطيون والموالي الشعوبيون، هم الذين كانوا يكيدون الإسلام، و يعادون النهج المحمدي العلوي، و لكلّ منهم مآربه و مساربه و مشاربه، و جماع هذه المفردات هو الخط القرشي الطامح الطامع، فهو ملتقى الطرق المؤدية لضرب النبي و أهل بيته سياسيّاً و فقهيّاً و اجتماعيّاً.

قال المرحوم السيد عبدالحسين شرف الدين: إنّ من أَلَمَّ بتاريخ قريش و العرب في صدر الإسلام يعلم أنّهم لم يخضعوا للنبوّة الهاشمية إلّابعد أن تهشّموا، ولم يبق فيهم من قوّة، فكيف يرضون باجتماع النبوة و الخلافة في


1- الغارات 2: 569.
2- الغارات 2: 577- 578.
3- الغارات 2: 580.

ص: 193

بني هاشم؟! (1) 569 بعد كلّ ما تقدم نأتي لنتابع قائمة رواة الوضوء العثماني، لنرى مواطن التكتّل و التحزب القرشي الموالي الشعوبي الشامي البصري الواسطي- عبر الحجاج-، و لنرى بعد ذلك المتكلّم فيهم و المقدوحين من الرواة، ولنقف على باقي مواصفات الشبكة التي بثّت وضوء عثمان.

تطبيق لما سبق

و بإحصاء سريع للمرويات الوضوئية آنفة الذكر و رواتها، وبملاحظة ماهياتهم و انتماءاتهم و ميولاتهم، يتبيّن لنا بشكل واضح خيوط شبكة الوضوء العثماني، ذلك أننا بملاحظتنا للأسانيد العشرة المعتمدة وجدنا أنّ رواتها و خيوطها كلها ترتبط بالمدينة التي كان فيها عثمان مخترع الوضوء، ثم البصرة و الشام، و من بعد ذلك نرى الأسانيد الأخرى غير المعتبرة عند القوم تمتد كالاخطبوط لتطال بغداد و مصر و الكوفة و اليمن و مكة و واسط و بلاد العجم و غيرها من الحواضر الإسلامية، و هذا ما يؤكّد أنّ الالتزام الأول- و الذي مازال هو المعتمد إلى اليوم- كان عثمانيا مدنيّاً، بصريا شاميّاً، و كان البُناة الأوائل له أمويين قرشيين و حاقدين على أميرالمؤمنين، و موالي شعوبيين و كان كثير منهم سلطويين، و لا يكاد يسلم منهم واحدٌ من جرح أو قدح. فقد حرفوا الوضوء بغضاً لعلي و بناءً لصرح فقهي ثقافي أمويّ.

فإذا عرضنا لك حال رواه الأسانيد العشرة الأولى وقفت على جليّة الأمر و حقيقته، و هم بالتسلسل:


1- المراجعات: 350.

ص: 194

رواة السند الاول:

1- عبدالعزيز بن عبداللَّه بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري، المدني (1) 570، كان من أعمامه عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان من الرضاعة (2) 571، ارتدّ فأهدر النبي دمه (3) 572، و أمَّن النبيّ يوم الفتح كلّ الناس إلّاأربعة أحدهم عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح (4) 573 الذي وصفه ابن حبّان بأنّه كان من المنافقين الكفار (5) 574، كان واليا لعمر على الصعيد (6) 575، و واليا لعثمان على مصر (7) 576، و قيل أنّه شارك مع معاوية في صفين (8) 577. و قد ضعفه أبو داود و وثّقه أخرى (9) 578. لم يرو له مسلم.

2- إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني (10) 579، ولي بيت المال ببغداد، و كان أبوه على قضاء المدينة (11) 580،


1- تهذيب الكمال 18: 161، لسان الميزان 7: 288، التاريخ الكبير 6: 13.
2- تهذيب الأسماء للنووي: 254، تهذيب الكمال 11: 113.
3- سير أعلام النبلاء 3: 33، طبقات ابن سعد 7: 496، الاصابة 1: 452.
4- تهذيب الأسماء للنووي: 254، تهذيب الكمال 11: 113.
5- الثقات لابن حبان 3: 214، الاصابة 4: 109 عن ابن حبان.
6- الاصابة 4: 110، سير أعلام النبلاء 3: 34.
7- طبقات ابن سعد 7: 493، الاصابة 4: 458، 634، سير أعلام النبلاء 3: 71.
8- سير أعلام النبلاء 3: 34. و انظر تهذيب الكمال 11: 114، و فتوح البلدان 1: 262.
9- المغني في الضعفاء 2: 398.
10- تهذيب الكمال 2: 88، تاريخ بغداد 6: 79.
11- تهذيب الكمال 2: 92، تاريخ بغداد 6: 80، 81، طبقات ابن سعد 7: 322.

ص: 195

قال ابن حبان: ولي قضاء بغداد (1) 581، و هو الذي أفتى بالغناء، فاعترض عليه المسلمون، فحلف أن لا يحدّث بحديث عن رسول اللَّه حتى يغنّي، وقد ضربَ على عود الغناء ثم حدَّثَ عند هارون الرشيد فوصله بمال عظيم (2) 582. كثرت روايته لحديث الزهري و أغرب عنه (3) 583، و سماعه من الزهري ليس بذاك (4) 584 و قد ضعّفه يحيى بن سعيد (5) 585.

3- محمد بن مسلم بن شهاب... الزهري القرشي، أبوبكر المدني، سكن الشام (6) 586، كان من أعمامه سعد بن أبي وقّاص الزهري الذي أبى أن يبايع عليّاً (7) 587، ثمّ ندم في أواخر حياته حين لا ينفع الندم (8) 588. و قد علمت خطورة دوره في بث الوضوء العثماني و الفقه السلطوي خدمة لبني أمية.

4- عطاء بن يزيد الليثي الجندعي، أبو يزيد، المدني و يقال


1- مشاهير علماء الأمصار: 225، المنتخب من ذيل المذيل: 145.
2- سير أعلام النبلاء 8: 306، تاريخ بغداد 6: 82.
3- تهذيب الكمال 10: 239، سير أعلام النبلاء 9: 492.
4- تاريخ بغداد 6: 82.
5- الكامل في الضعفاء 1: 246.
6- تهذيب الكمال 26: 420.
7- تاريخ الطبري 2: 699، شرح نهج البلاغة 18: 116، 19: 147.
8- انظر كتاب «نحو إنقاذ التاريخ الاسلامي» لمحسن بن فرحان المالكي: 193، عن كتاب الإمامة العظمى عند أهل السنة و الجماعة لعبداللَّه الدميچي: 531.

ص: 196

الشامي (1) 589، قال ابن عبدالبر: قيل مولى بني ليث و قيل أنه من أنفسهم (2) 590 و رجحّنا أنه مولى لأنه لو كان من حاقّهم لوصلوا نسبه. لم يرو عنه إلّا أهل المدينة و أهل الشام. و قد عرفت أنّه مغمور، و لم يرفع بضبعه إلّا في حكومة بني أمية و في معقل حكمهم الشام.

5- حمران بن أبان النمري/ طويدا بن أبّا التمري اليهودي. وقد وقفت على حاله، و هذه الأسانيد العشرة كلّها ترجع إلى هذا الثلاثي «الزهروي، العطائي، الحمراني» و منهم إلى عثمان الأموي القرشي.

رواه السند الثاني:

6- أبو اليمّان، الحكم بن نافع البهراني، الشامي الحمصي، مولى امرأة من بهران (3) 591 يقال لها أم سلمة كانت عند عمر بن رؤبة التغلبي، ولّاه المأمون قضاء حمص (4) 592، و قد روى عن شعيب عن الزهري عن أنس عن أمّ حبيبة أنّ رسول اللَّه قال: أرايت ما تلقى أمتي من بعدي و سفك بعضهم دماء بعض... و كان ذلك سابقاً من اللَّه، فسألته أن يولّيني شفاعة فيهم ففعل (5) 593 وحدّث هذا الرجل بمختلقة خطبة علي عليه السلام ابنة أبي جهل، و هو الحديث الوحيد الذي أخرجه له ابن ماجة (6) 594!! و لا يخفى عليك أنّ لأحمد


1- التاريخ الكبير 6: 459، تهذيب الكمال 20: 123، الجرح و التعديل 6: 338.
2- التمهيد لابن عبدالبر 10: 130.
3- تهذيب الكمال 7: 146، تهذيب التهذيب 2: 379.
4- سير أعلام النبلاء 10: 325.
5- مسند احمد 6: 427، الآماد و المثاني 5: 421. يريد أن يوحي بغروره و وضعه لهذا الحديث ان النبي يشفع للخوارج و معاوية و يزيد و اضرابهم من القتلة وسفاكي الدماء.
6- سنن ابن ماجة 1: 644 ح 1999- باب الغيرة.

ص: 197

ابن حنبل كلاماً فيما لو قال أبو اليمّان «أخبرنا شعيب» لانه كان قد أخذ كتب شعيب من ابنه وحدّث عنها بلفظ أخبرنا، كأنه استحل ذلك (1) 595.

7- شعيب بن أبي حمزة، القرشي الأموي، مولاهم الحمصي (2) 596، كتب عن الزهري إملاءً للسلطان (3) 597، و كان سماعه من الزهري مع الولاة (4) 598، و كان من كتّاب هشام بن عبدالملك على نفقاته (5) 599، و كتب للخليفة شيئاً كثيراً بإملاء الزهري عليه (6) 600.

عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند الثالث:

8- عبدان، و هو عبداللَّه بن عثمان بن جبلة بن أبي داود الأزدي العتكي (7) 601، أبو عبدالرحمن المروزي، هو و أخوه من موالي المهلب بن أبي صفرة الأزدي، كان بخراسان، و هو من أهل مرو، و قال ابن القيسراني،


1- انظر سير اعلام النبلاء 10: 320.
2- تهذيب الكمال 12: 516، طبقات ابن سعد 7: 468، سير اعلام النبلاء 7: 187.
3- تهذيب الكمال 12: 518، تهذيب التهذيب 4: 307، الكاشف 1: 486.
4- تهذيب الكمال 12: 519.
5- تهذيب الكمال 12: 519، سير أعلام النبلاء 7: 188.
6- تذكرة الحفاظ 1: 221.
7- تهذيب الكمال 15: 276، 278، و ثقات ابن حبان 8: 352.

ص: 198

أصله من البصرة (1) 602 لم يوثّقه أحد من القدماء.

9- عبداللَّه بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، مولاهم، مروزي من أهل مرو (2) 603، كان عبداً لرجل من تجّار هَمَذان (3) 604، توفي سنة 181 وعمره ستون سنة، و كان أوّل خروجه للعراق سنة 141 ه، كان لا يحدّث هاشميا (4) 605، له شعر في مدح هارون الرشيد، و بسبب ذلك عقد الرشيد له عند سماعه بموته مجلس تعزية (5) 606. و قد تردد الى البصرة (6) 607.

10- معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، مولى عبدالسلام بن عبدالقدوس، و عبدالسلام مولى عبدالرحمن بن قيس الأزدي؛ و هو أخو المهلب بن أبي صفرة لأُمّه (7) 608، و قيل هو مولى للمهلب بن أبي صفرة (8) 609، قال العجلي: بصري سكن اليمن (9) 610، و لمّا رحل معمّر إلى الزهري نَبُلَ فكانوا يسمّونه معمر الزهري. قال الذهبي: له ما ينكر عليه (10) 611، ما حدث


1- التعديل و التجريح 2: 842، رجال صحيح البخاري 1: 418.
2- تهذيب الكمال 16: 5.
3- تهذيب الكمال 16: 14 قال: و كان أبوه تركياً عبداً لرجل من التجار من همذان من بني حنظلة، سير أعلام النبلاء 8: 381، تهذيب الأسماء للنووي 1: 267 و فيه: و كان أبوه تركياً مملوكاً لرجل من همذان.
4- تهذيب الكمال 16: 14، تذكرة الحفاظ 1: 277.
5- حلية الأولياء 8: 164، التمهيد لابن عبدالبر 21: 275، سير أعلام النبلاء 8: 414.
6- تهذيب الكمال 16: 14.
7- تهذيب الكمال 28: 303، التاريخ الصغير 2: 115.
8- الثقات لابن حبان 7: 484، رجال مسلم 2: 227.
9- ثقات العجلي 2: 290، تهذيب الكمال 28: 309.
10- من تكلم فيه: 179.

ص: 199

بالبصرة ففيه أغاليط (1) 612 وقع للبصريين عنه أغاليط (2) 613.

عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند الرابع:

11- زهير بن حرب الحرشي، النسائي، مولى بني الحريش بن كعب بن عامر بن صعصعة، كان اسم جدّه اشتال فعرّب شداداً (3) 614، أصله من نسا (4) 615، سكن بغداد، و مات بها في حكومة المتوكّل (5) 616، كان يَعُدُّ من قال بخلق القرآن مرتدّاً (6) 617!!

12- يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري القرشي، أبو يوسف المدني نزيل بغداد، خرج إلى الحسن بن سهل و هو بفم الصلح فلم يزل معه حتّى توفي سنة 208 (7) 618.

عن أبيه إبراهيم بن سعد المغني عند الرشيد- عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.


1- الجرح و التعديل 8: 200.
2- سير أعلام النبلاء 7: 5.
3- سير أعلام النبلاء 11: 489، تهذيب الكمال 9: 402.
4- طبقات ابن سعد 7: 354.
5- تاريخ بغداد 8: 482.
6- انظر درء التعارض لابن تيميّة 7: 254.
7- تهذيب الكمال 32: 308، 310، تاريخ بغداد 14: 268.

ص: 200

رواة السند الخامس:

13- أبو الطاهر المصري، أحمد بن عمرو بن عبداللَّه بن عمرو بن السرح، القرشي الأموي، مولى نهيك، مولى عتبة بن أبي سفيان (1) 619، كان لا يحفظ (2) 620.

14- حرملة بن يحيى التجيبي، مولى سلمة بن مخرمة التجيبي، مولى بني زميلة (3) 621. المصري، لم يرحل و ليس عنده من الحجازيين شي ء (4) 622، ضعيف الرواية (5) 623.

15- عبداللَّه بن وهب بن مسلم القرشي الفهري، مولى ريحانة مولاة أبي عبدالرحمن بن يزيد بن أنيس الفهري، كان يسي ء الأخذ، و كان مفتي أهل مصر (6) 624.

16- يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي الأموي مولاهم، مولى معاوية بن أبي سفيان، كان من مدينة ايلة (7) 625. سمع الزهري بأيلة (8) 626 و للزهري ضيعة هناك (9) 627، مات بمصر (10) 628، مقدوح في حفظه (11) 629.


1- تهذيب الكمال 1: 415.
2- تهذيب الكمال 1: 417.
3- سير أعلام النبلاء 11: 389.
4- سير أعلام النبلاء 11: 390.
5- الكامل في الضعفاء 2: 458، تهذيب الكمال 5: 550.
6- سير أعلام النبلاء 9: 227، تهذيب الكمال 16: 277، تهذيب التهذيب 6: 66، الجرح و التعديل 5: 189، التعديل و التجريح 2: 851.
7- تهذيب الكمال 32: 551- 552.
8- تهذيب الكمال 32: 556، تذكرة الحفاظ 1: 162.
9- الجرح و التعديل 7: 43.
10- سير أعلام النبلاء 6: 300.
11- الجرح و التعديل 1: 224، 9: 248، معرفة الثقات 2: 379، تقريب التهذيب 1: 64، طبقات ابن سعد 7: 520، كتاب بحر الدم 1: 482، العلل و معرفة الرجال 2: 518، سؤالات البرذعي 1: 684.

ص: 201

عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند السادس:

17- سويد بن نصر بن سويد المروزي الطوساني، الكاتب القرشي، يُعرف بالشاه، مات بمرو بقرية طوسان (1) 630.

عن عبداللَّه بن المبارك البصري المولى الذي لا يحدِّث هاشميا- عن معمر بن راشد، البصري المولى- عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند السابع:

18- أحمد بن محمد بن المغيرة بن سنان الأزدي، حمصي شامي، أبو حميد العَوْهي (2) 631. و لم يرفعوا نسبه، فيبدو أنّه مولى.

19- عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، القرشي، أبو عمرو الحمصي، مولى بني أمية (3) 632، سمّاه القوم ريحانة الشام (4) 633.


1- تهذيب الكمال 12: 272، ثقات ابن حبان 8: 295، الانساب للسمعاني 4: 79.
2- تهذيب الكمال 1: 472، تهذيب التهذيب 1: 66.
3- تهذيب الكمال 19: 377، الكاشف 2: 7، الجرح و التعديل 6: 152.
4- تهذيب التهذيب 7: 109.

ص: 202

عن شعيب الشامي، مولى قريش، السلطوي، الذي سمع من الزهري مع الولاة، و كان من كتّاب هشام بن عبدالملك- عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند الثامن:

أحمد بن عمرو بن عبداللَّه بن عمرو بن السرح المصري القرشي الأموي مولى نهيك مولى عتبة بن أبي سفيان.

20- الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف، الأموي (1) 634، قاضي أهل مصر (2) 635، قال ابن حبان: مولى بني فهر (3) 636، فهو مولى محمد بن زبان بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم (4) 637، سأله المأمون عن مسألة، فأجابه، فقال له المأمون: أنت تيس و مالك بن أنس أتيسُ منك، ارحل عن مصر، وأرسله إلى بغداد (5) 638، لم يقل بخلق القرآن فحبسه المأمون، إلى أن حَكَمَ المتوكّل فأطلق سراحه و ولّاه على قضاء مصر، فتولاه من سنة 237 الى


1- تهذيب الكمال 5: 281، الإكمال لابن ماكولا 4: 118، سير أعلام النبلاء 12: 54.
2- الجرح و التعديل 3: 90.
3- ثقات ابن حبان 8: 182.
4- تهذيب الكمال 5: 281، تاريخ بغداد 8: 216.
5- سير أعلام النبلاء 12: 56.

ص: 203

سنة 245 (1) 639. من أعماله أنه أخرج أصحاب أبي حنيفة و الشافعي من المسجد، و أمر بنزع حُصُرهم من العُمُد، و قطع عامة المؤذنين من الأذان (2) 640.

عن عبداللَّه بن وهب القرشي المولى مفتي أهل مصر السيّ ء الأخذ- عن يونس بن يزيد الأيلي الأموي المولى مولى معاوية المقدوح في حفظه- عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند التاسع:

21- نصر بن علي الجهضمي الأزدي، أبو عمرو البصري (3) 641، قدم بغداد وحدّث بها، حدّث بحديث في فضائل أهل البيت فضربه المتوكل ألف سوط، فكلمه جعفر بن عبدالواحد و قال له إنّه من أهل السُنَّة، فتركه (4) 642. ضرب أبو زرعة الدمشقي على حديثه (5) 643 و قال أحمد:

لا أعرفه، و ما به بأس إن شاءاللَّه (6) 644.

22- عبدالأعلى بن عبدالأعلى بن محمد السامي، القرشي (7) 645، البصري (8) 646، الشامي، كان قَدَريّاً (9) 647، تغيّر بعد الهزيمة هزيمة إبراهيم بن


1- تاريخ بغداد 8: 216.
2- سير أعلام النبلاء 12: 57.
3- تهذيب الكمال 29: 358، الكاشف 2: 319، تذكرة الحفاظ 2: 519.
4- انظر الخبر بكامله في تاريخ بغداد 13: 287، الترجمة 7255، و تهذيب الكمال 29: 360.
5- سؤالات البرذعي: 568.
6- العلل و معرفة الرجال 3: 265.
7- تهذيب الكمال 16: 359.
8- التاريخ الكبير 6: 73، التاريخ الصغير 2: 246، تذكرة الحفاظ 1: 296، التجريح و التعديل 2: 913.
9- تهذيب التهذيب 6: 87، الثقات لابن حبان 7: 131.

ص: 204

عبداللَّه بن الحسن سنة 145 ه (1) 648، قال ابن سعد: لم يكن بالقويّ في الحديث (2) 649، ضعّفه و تكلّم فيه بندار (3) 650. و له حديث عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب: لما افتتح عقبة بن نافع افريقية وقف على القيروان فقال: «يا أهل الوادي إنّا حالّون إن شاءاللَّه فاظعنوا» ثلاث مرات، قال:

فما رأينا حجراً و لا شجراً إلّايخرج من تحته دابة، حتى يهبطن الوادي ثم قال: انزلوا بسم اللَّه (4) 651.

عن معمر بن راشد الأزدي المولى البصري الذي يقال له معمر الزهري- عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

رواة السند العاشر:

23- الحسن بن علي محمد الحلواني، الخلال الهذلي، نزيل مكة، كان أهل الثغر عنه غير راضين، كفّروه لعدم قوله بكفر من لم يقل بخلق القرآن (5) 652.


1- انظر هامش تهذيب الكمال 16: 362.
2- طبقات ابن سعد 7: 290.
3- تهذيب التهذيب 6: 87، الضعفاء للعقيلي 3: 58، المغني في الضعفاء 1: 364، ميزان الاعتدال 4: 236.
4- تاريخ خليفة: 129.
5- تاريخ بغداد 7: 365، تهذيب الكمال 6: 260، 262، تهذيب التهذيب 2: 262.

ص: 205

24- عبدالرزاق بن همام الحميري، مولاهم اليماني (1) 653، تكلّم فيه بعض و وثّقه بعض (2) 654.

عن معمر بن راشد المولى البصري، الذي يقال له معمر الزهري- عن الزهري- عن عطاء- عن حمران- عن عثمان.

و هذه الأسانيد تحكي بوضوح أنّ الوضوء العثماني في القرنين الأول والثاني- إلى وفاة الزهري- أمويّ شامي يلتزمه الموالي والمشبوهون، بعد أن أطلق شرارته الأولى عثمان بن عفان الأموي المدني، و تلاحظ كذلك أنّ باقي الرواة أيضاً قرشيون أو موالي شعوبيون و مقدوحون، وجلّهم الغالب من البصرة والشام، و المدنيون منهم من أعداء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و من ثمّ راح يزحف بعد الزهري و ينتشر إلى مصر بشكل ملحوظ.

و إذا لاحظت القرن الثالث و الرابع، و لاحظت رُواة باقي الروايات التي لم تُعتمد عندهم، وجدت الزحف الوضوئي العثماني يطال المصريين أكثر فأكثر، ثم البغداديين، ثم الكوفيين و اليمنيين و الحجازيين و و و...

بعكس الوضوء الثنائي المسحي فإنّه منذ تشريعه في القرآن، و ممارسة


1- التاريخ الكبير 6: 130، تهذيب الكمال 18: 52، طبقات الحفاظ: 158.
2- الجرح و التعديل 6: 38، الثقات 8: 412، الكامل في الضعفاء 5: 311، الضعفاء للعقيلي 3: 107، بحر الدم: 269.

ص: 206

النبي له، و من ثم الإمام علي و ابن عباس و أنس بن مالك، و غيرهم، أخذ دوره بين المسلمين بشكل طبيعي، فرواه رواة من مختلف البلدان و القبائل و بشكل واضح و صريح، مدعوماً بالقرآن، دون أن تلتزمه و تدفعه أيادٍ يهودية أموية شعوبية، لكنّه أصبح من بعد هرماً معكوساً، حيث طرحت مدرسة الخلفاء الروايات المسحية الأصيلة و أوّلتها، فصارت روايات الغسل تحتلّ الصدارة في مدوناتهم و كتب للوضوء العثماني أن ينطلي على كثير من المسلمين.

القرشيون:

و من جهة أخرى- لتطبيق ما قلناه عن الموالي و القرشيين- رأينا أنّ عدداً كبيراً من كلّ رواة الوضوء- عبر الروايات الثمان و العشرين المتقدمة- إنّما هم قرشيون و موالٍ لهم أو لغيرهم، فمجموع الرواة بحذف المكررين منهم أحد عشر و مائة (111) راوياً.

القرشيون منهم ستة عشر (16) راوياً، و هم:

1- عبدالعزيز بن عبداللَّه بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح القرشي (1) 655./ ورد في الرواية (1).

2- إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري (2) 656./ ورد في الروايات (1) (4) (13).

3- محمد بن مسلم بن شهاب القرشي الزهري (3) 657./ ورد في


1- مرت ترجمته ضمن الأسانيد العشرة الأولى ص 195- 196 برقم (1).
2- مرت ترجمته ضمن الأسانيد العشرة الأولى ص 196- 197 برقم (2).
3- مرت ترجمته ضمن الأسانيد العشرة الأولى ص 197 برقم (3).

ص: 207

الروايات (1) (2) (3) (4) (5) (6) (7) (8) (9) (10).

4- يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري (1) 658./ ورد في الروايتين (4) (13).

5- عبدالأعلى بن عبدالأعلى بن محمد السامي القرشي (2) 659./ ورد في الرواية (9).

6- أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري (3) 660، أرضعته أم كلثوم أخت عائشة بنت أبي بكر، و كان يلج على عائشة (4) 661، قدم البصرة في إمارة بشر بن مروان (5) 662، ولي قضاء المدينة و شُرَطَه في عهد سعيد بن العاص (6) 663، كان أبو سلمة فيه كِبَر (7) 664، و كان كثيراً ما يخالف ابن عباس، و كان يماريه فحُرِمَ بذلك علماً كثيراً، قالت له عائشة مرّة بسبب


1- مرت ترجمته ضمن الأسانيد العشرة الأولى ص 201 برقم (12).
2- مرت ترجمته ضمن الأسانيد العشرة الأولى ص 208 برقم (22).
3- تهذيب الكمال 33: 370.
4- تفسير ابن كثير 1: 284.
5- تهذيب الكمال 33: 375، طبقات ابن سعد 5: 155.
6- تاريخ الطبري 3: 206 احداث سنة 49 ه، طبقات ابن سعد 5: 155، تاريخ دمشق 29: 290.
7- انظر على سبيل المثال تاريخ دمشق 29: 299- 260.

ص: 208

مخالفته لابن عباس: مثلك مثل الفرّوج بين الدِّيكة (1) 665/ ورد في الروايتين (11) (12).

7- معاذ بن عبدالرحمن بن عثمان بن عبيداللَّه... بن سعد بن تيم بن مرّة، القرشي التيمي (2) 666، و هو ابن أخي طلحة بن عبيداللَّه (3) 667 المقتول يوم الجمل (4) 668، يعني أنّ طلحة عمّ أبيه، أسلم أبوه يوم الفتح، و قتل مع عبداللَّه بن الزبير (5) 669/ ورد في الرواية (13).

8- عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان بن عبيداللَّه... بن سعد بن تيم بن مرّة القرشي التيمي، و هو ابن أخي طلحة بن عبيداللَّه المقتول يوم الجمل، أسلم أبوه يوم الفتح، و قتل مع عبداللَّه بن الزبير (6) 670/ ورد في الرواية (14).

9- عبداللَّه بن عبيداللَّه بن أبي مليكة بن عبداللَّه بن جدعان، أبوبكر القرشي التيمي (7) 671، الأحول، كان مؤذّناً لعبداللَّه بن الزبير و إمام الحرم، وكان قاضي مكّة والطائف زمن ابن الزبير (8) 672، روى ابن أبي مليكة هذا، قال: قال طلحة بن عبيداللَّه: سمعتُ رسول اللَّه يقول: إنّ عمرو بن العاص


1- تاريخ دمشق 29: 305.
2- تاريخ البخاري 7: 363، تهذيب الكمال 28: 126.
3- تهذيب الكمال 19: 424.
4- فتح الباري 7: 82، تاريخ الطبري 3: 51- 52، 55، سير أعلام النبلاء 1: 35، تهذيب التهذيب 3: 274، 5: 19.
5- تهذيب الكمال 17: 274، الاستيعاب 2: 840، الاصابة 4: 332.
6- التاريخ الكبير 6: 237، تهذيب الكمال 19: 424.
7- تهذيب الكمال 15: 64.
8- التاريخ الكبير 5: 137، الجرح و التعديل 5: 99، طبقات الحفاظ 1: 48، الكاشف 1: 571.

ص: 209

من صالحي قريش!! و في حديث آخر: «ابنا العاص مؤمنان» (1) 673 «نعم أهل البيت عبداللَّه و أبو عبداللَّه و أمّ عبداللَّه (2) 674»!!!/ ورد في الرواية (14).

10- إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيداللَّه القرشي التيمي (3) 675، هو حفيد طلحة المقتول في الجمل، و هو مقدوح جدّاً (4) 676، وفد على عمر بن عبدالعزيز (5) 677، له رواية عن سعد بن أبي وقاص، قال: ذُكِرَ الأمراء عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فتكلّم علي عليه السلام، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّها ليست لك و لا لأحدٍ من ولدك!!! و قد نصّوا على أنّ هذا الحديث موضوع (6) 678/ ورد في الرواية (17).


1- الاحاد و المثاني 2: 100، مسند ابي يعلى 2: 18، 19، السنة للخلال 2: 447، الاصابة 4: 652.
2- البداية و النهاية 8: 29، مسند احمد 2: 304، سير أعلام النبلاء 3: 64 الاستيعاب 3: 1191.
3- تهذيب الكمال 2: 489، التاريخ الكبير 1: 406.
4- الجرح و التعديل 2: 236، معرفة الثقات 1: 220، الضعفاء و المتروكين للنسائي 1: 18، الضعفاء و المتروكين لابن الجوزي 1: 105، ميزان الاعتدال 1: 360، المجروحين لابن حبان 1: 133، ضعفاء العقيلي 1: 703.
5- تاريخ دمشق 8: 295.
6- انظر الكامل لابن عدي 1: 332، ميزان الاعتدال 1: 360، الموضوعات لابن الجوزي 3: 98.

ص: 210

11- معاوية بن عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي (1) 679، كان صديقاً ليزيد بن معاوية خاصة فسمّى ابنه بيزيد بن معاوية (2) 680.

حضر وفاة أبي هاشم فادّعى الوصيّة بعده، فمات، فخرج ابنه عبداللَّه بن معاوية يدّعي وصاية أبيه و يدعي لأبيه وصاية بني هاشم و يظهر الإنكار على بني أمية، و كان له شيعة يقولون بامامته سرّاً حتى قتل (3) 681/ ورد في الروايتين (17) (18).

12- عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب، القرشي الهاشمي، أمُّه أسماء بنت عميس، له صحبة (4) 682، شارك مع علي في صفين، و كان أحد أُمرائه (5) 683، قدم دمشق (6) 684، تزوّج الحجّاج ابنته قسراً، و كان الحجاج يقول، إنّما تزوّجتها لأُذِلّ بها آل أبي طالب، و قيل انّه لم يصل إليها، و قد كتب عبدالملك إليه أن يطلقها، فطلقها (7) 685/ ورد في الروايتين (17) (18).

13- أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبدالرحمن بن عوف القرشي الزهري، كان قاضي المدينة (8) 686، و قد أكثر من الإفتاء بالرأي (9) 687، و كان على شرطة عبيداللَّه بن الحسن بن عبداللَّه


1- التاريخ الكبير 7: 331، تهذيب الكمال 28: 196.
2- تاريخ دمشق 59: 246.
3- شرح نهج البلاغة 7: 150.
4- تهذيب الكمال 14: 367، الاصابة 4: 40.
5- الامامة و السياسة 1: 93، الاصابة 4: 42.
6- تاريخ دمشق 27: 248.
7- البداية و النهاية 9: 33.
8- تهذيب الكمال 1: 278.
9- التعديل و التجريح 1: 333، تقريب التهذيب 1: 78، تهذيب التهذيب 1: 17.

ص: 211

الهاشمي عامل المأمون على المدينة، ثم ولي قضاءها، و كان يقول: يا أهل المدينة لاتزالون ظاهرين على أهل العراق مادمتُ لكم حيّاً (1) 688/ ورد في الرواية (18).

14- عطاف بن خالد بن عبداللَّه بن العاص بن وابصة بن خالد القرشي المخزومي (2) 689، قدحه مالك بن أنس (3) 690/ ورد في الرواية (18).

15- عمر بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع، المخزومي القرشي (4) 691. و سعيد جده من مسلمة الفتح (5) 692 و هو مجهول الحال/ ورد في الرواية (21).

16- جدّ عمر المذكور- و هو إما عبدالرحمن، أو سعيد- و هو قرشي مخزومي/ ورد في الرواية (21).

و هؤلاء القرشيون- عدا ما وُضع على عبداللَّه بن جعفر وابنه، فإنّ الواضِعَين أحدهما تيميٌّ وضّاع، و ثانيهما مولى لبعض بني عدي مجهول- من الاتجاهات المعادية لعلي عليه السلام، وهم بنو أمية رهط عثمان بن عفان ومعاوية، و بنو تيم بن مرة رهط أبي بكر و طلحة و عائشة، و بنو زهرة


1- سير أعلام النبلاء 11: 437- 438.
2- تهذيب الكمال 20: 138، التاريخ الكبير 7: 92.
3- الكامل في ضعفاء الرجال 5: 378، سير أعلام النبلاء 8: 273.
4- تهذيب الكمال 22: 151، ثقات ابن حبان 7: 179.
5- سير أعلام النبلاء 2: 542.

ص: 212

رهط عبدالرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص، و هؤلاء كلهم من الاتجاه السلطوي القبلي المناوئ لمسلك التعبد المحض بريادة علي بن أبي طالب.

موالي القرشيين

و إذا رأيت موالي القرشيين الرواين للوضوء العثماني رأيتهم من نفس هذا النمط، و نفس هذه الوتيرة، فجلّهم من موالي الأمويين، و التيميين، والمخزوميين، و الزهريين، أصحاب السلطة و أتباعهم، دون الهاشميين و باقي فروع قريش المستقلّي المسار، و قد رأينا أن موالي القرشيين في هذه الروايات الثمان و العشرين، عددهم (26) ستة و عشرون شخصاً، وهم:

1- حمران بن أبان النمري (طويدا اليهودي) مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي (1) 693/ ورد في الروايات (1) (2) (3) (4) (5) (6) (7) (8) (9) (10) (11) (12) (13).

2- شعيب بن أبي حمزة القرشي الأموي، مولاهم (2) 694/ ورد في الروايتين (2) (7).

3- أبو الطاهر المصري؛ أحمد بن عمرو بن عبداللَّه بن عمرو بن السرح القرشي الأموي، مولى نهيك، مولى عتبة بن أبي سفيان (3) 695/ ورد في الروايتين (5) (8).

4- عبداللَّه بن وهب بن مسلم القرشي الفهري، مولى ريحانة، مولاة


1- طبقات ابن سعد 7: 148، تهذيب الكمال 7: 301، تاريخ الاسلام: 395.
2- تهذيب الكمال 12: 516، طبقات ابن سعد 7: 468، سير أعلام النبلاء 7: 187.
3- تهذيب الكمال 1: 415.

ص: 213

أبي عبدالرحمن بن يزيدبن أنيس الفهري (1) 696/ ورد في الروايتين (5) (8).

5- يونس بن يزيد بن أبي النجاد الايلي القرشي الأموي، مولاهم، مولى معاوية بن أبي سفيان (2) 697/ ورد في الروايتين (5) (8).

6- سويد بن نصر بن سويد المروزي الطوساني، يعرف بالشاه، وصفه السمعاني بالقرشي (3) 698، فيظهر أنه مولى لقريش/ ورد في الرواية (6).

7- عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، القرشي، مولاهم، مولى بني أمية (4) 699، و هو الذي قال عبدالوهاب بن نجدة فيه: هو ريحانة الشام عندنا/ ورد في الرواية (7).

8- الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف، القرشي الأموي، مولى محمد بن زبان بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم (5) 700/ ورد في الرواية (8).


1- سير أعلام النبلاء 9: 227، تهذيب الكمال 16: 277، تهذيب التهذيب 6: 66.
2- تهذيب الكمال 32: 551- 556، تذكرة الحفاظ 1: 162، سير أعلام النبلاء 6: 300.
3- تهذيب الكمال 12: 272، ثقات ابن حبان 8: 295، الانساب للسمعاني 4: 79.
4- تهذيب الكمال 19: 372، الكاشف 2: 7، الجرح و التعديل 6: 152، تهذيب التهذيب 7: 109.
5- تهذيب الكمال 5: 281، تاريخ بغداد 8: 216، ثقات ابن حبان 8: 182، سيرأعلام النبلاء 12: 54، الاكمال لابن ماكولا 4: 118.

ص: 214

9- محمد بن إسحاق بن يسار، القرشي المطلبي، مولى قيس بن مخرمة بن عبدالمطلب بن مناف (1) 701، و قيل: مولى فارسي (2) 702، كان جدّه يسار من سبي عين التمر (3) 703/ ورد في الرواية (13).

10- محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد... بن سعد بن تيم بن مرة، القرشي التيمي وفد على عمر بن عبدالعزيز (4) 704، كان مولاهم ثم انتسب إليهم، كان جدّه الحارث بن خالد ابن عمّ أبي بكر الصديق (5) 705، كان من قدماء موالي بني تيم- و هم عدد في المدينة- ثم انتموا إليهم حديثاً من الزمان (6) 706/ ورد في الرواية (13).

11- أبو علقمة الفارسي المصري، مولى بني هاشم، و يقال مولى عبداللَّه بن عباس (7) 707، لكنه لم يروِ عن ابن عباس و لا عن بني هاشم، بل روايته عن عبداللَّه بن عمر (8) 708، و عثمان بن عفان (9) 709، و أبي هريرة (10) 710، و أبي سعيد الخدري (11) 711، و يسار بن نمير مولى عبداللَّه بن عمر (12) 712، و عبداللَّه بن مسعود (13) 713 و قال البخاري في تاريخه الكبير (14) 714 و ابن حبان في


1- التاريخ الكبير 5: 368، رجال مسلم 2: 162.
2- تاريخ بغداد 1: 215.
3- مشاهير علماء الامصار 1: 139، الثقات لابن حبان 7: 380، طبقات ابن سعد 7: 321.
4- تاريخ دمشق 51: 188.
5- تهذيب الكمال 24: 302.
6- طبقات ابن سعد 1: 99، تهذيب الكمال 24: 304.
7- الكنى للبخاري: 59، تهذيب التهذيب 12: 191، تهذيب الكمال 34: 101.
8- انظر تهذيب الكمال 34: 101- 102.
9- انظر تهذيب الكمال 34: 101- 102.
10- انظر تهذيب الكمال 34: 101- 102.
11- انظر تهذيب الكمال 34: 101- 102.
12- انظر تهذيب الكمال 34: 101- 102.
13- انظر تهذيب الكمال 34: 101- 102.
14- التاريخ الكبير 1: 61/ الترجمة 134.

ص: 215

الثقات (1) 715: كان أبو علقمة قاضياً بافريقية، و كان أحد فقهاء الموالي (2) 716/ ورد في الرواية (15).

12- أيوب بن سليمان بن بلال، القرشي التيمي، مولاهم، مولى عبداللَّه بن أبي عتيق بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق (3) 717/ ورد في الرواية (17).

13- أبوبكر عبدالحميد بن عبداللَّه بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، الأعشى، حليف بني تيم (4) 718، قال الأزدي: كان يضع الحديث (5) 719، و قال النسائي: ضعيف (6) 720/ ورد في الرواية (17).

14- سليمان بن بلال القرشي التيمي، أصله من البربر، مولى لآل أبي بكر الصديق، مولى عبداللَّه بن أبي عتيق محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر، و يقال: مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر. ولي خراج المدينة، و كان يفتي بها (7) 721، وضَعَهُ أهل المدينة لأنّه كان على السوق (8) 722/ ورد في


1- الثقات لابن حبان 7: 401/ ترجمة محمد بن حصين.
2- عون المعبود 10: 81.
3- التاريخ الكبير 1: 415، تهذيب الكمال 3: 472.
4- التاريخ الكبير 6: 50، تهذيب الكمال 16: 444.
5- الكشف الحثيث للسبط بن العجمي: 162، مقدمة فتح الباري: 416.
6- مقدمة فتح الباري: 416، تهذيب التهذيب 6: 107.
7- تهذيب الكمال 11: 372، 375، تذكرة الحفاظ 1: 234.
8- تهذيب التهذيب 4: 154، التعديل و التجريح 3: 1109.

ص: 216

الرواية (17).

15- طلحة مولى آل سراقة (1) 723، و آل سراقة من بني عدي رهط عمر بن الخطاب/ ورد في الرواية (18).

16- صفوان بن عيسى، البصري القسّام، الزهري القرشي (2) 724، مولى بني زهرة من قريش (3) 725/ ورد في الرواية (19).

17- ابن دارة (زيد (4) 726 أو عبداللَّه (5) 727 أو عبيداللَّه (6) 728)، مولى عثمان بن عفان الأموي القرشي (7) 729، من أقران حمران بن أبان (8) 730، مجهول الحال (9) 731/ ورد في الرواية (19).

18- محمد بن عبدالرحمن ابن البيلماني، مولى عمر بن الخطاب الفهري القرشي (10) 732/ ورد في الرواية (20).

19- عبدالرحمن ابن البيلماني، مولى عمر بن الخطاب الفهري القرشي، كان ينزل نجران، و كان من الأخماس أخماس عمر بن الخطاب، و كان من الأبناء الذين كانوا باليمن، وَفَدَ على الوليد بن عبدالملك فأجزل


1- التاريخ الكبير 4: 350، الثقات لابن حبان 6: 488.
2- تهذيب الكمال 13: 208، سير أعلام النبلاء 9: 309.
3- طبقات خليفة: 227، قال: مولى قريش.
4- التاريخ الكبير 3: 393، الجرح و التعديل 3: 563، الثقات لابن حبان 4: 247.
5- الاصابة 5: 86، تعجيل المنفعة 1: 533.
6- طبقات ابن سعد 3: 56، 60.
7- الاكمال للحسين 1: 569.
8- انظر زاد المسير لابن الجوزي 2: 304، و الدرر المنثور 3: 32.
9- تلخيص الحبير 1: 84.
10- تهذيب الكمال 25: 594، لسان الميزان 7: 366.

ص: 217

له الحباء (1) 733/ ورد في الرواية (20).

20- أبو النضر سالم بن أبي أمية القرشي التيمي، مولى عمر بن عبيداللَّه بن معمر التيمي (2) 734/ ورد في الروايتين (22) (23).

21- ليث بن سعيد بن عبدالرحمن الفهمي، مولى لقريش، و أصله من أهل أصبهان، أهل بيته يقولون: نحن من الفرس من أهل اصبهان، كان ديوانه في قبيلة فَهْم فنُسب إليهم و قيل له الفهمي، و قيل: هو مولى عبدالرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي، و قيل مولى جد عبدالرحمن و هو ثابت بن ظاعن (3) 735، كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث فحدّثهم بفضائله فكفوا (4) 736، أقطعه هارون الرشيد قطائع كثيرة بمصر لأنّه تمحّل له في قضية حدثت عنده (5) 737، كان الليث إذا أنكر من القاضي أو من


1- تهذيب الكمال 17: 8، تهذيب التهذيب 6: 135، التاريخ الكبير 5: 263، الثقات لابن حبان 5: 91.
2- تهذيب الكمال 34: 348- 349، تهذيب التهذيب 3: 372، الكاشف 1: 421.
3- انظر ترجمته في تهذيب الكمال 24: 255، سير أعلام النبلاء 8: 136، وحليةالاولياء 7: 327، و طبقات المحدثين باصبهان 1: 405.
4- تهذيب الكمال 24: 271، تاريخ بغداد 13: 7، سير أعلام النبلاء 8: 148، 316.
5- تاريخ بغداد 13: 5، و القضية هي أنّ هارون الرشيد دعا الليث بن سعديستفتيه، فسأله الرشيد، فقال له: حلفت أنّ لي جنتين، فاستحلفه الليث ثلاثاً: انك تخاف اللَّه؟ فحلف له، فقال: قال اللَّه «و لَمن خاف مقام ربه جنتان» قال: فأقطعه قطائع كثيره بمصر. انظر سير أعلام النبلاء 8: 145، و تذكرة الحفاظ 1: 225، و حلية الاولياء 7: 223.

ص: 218

السلطان أمراً كتب إلى أميرالمؤمنين فيأتيه العزل (1) 738. ولي ثلاث ولايات لصالح بن علي عم السفّاح، و ولي ديوان العطاء و ولي الجزيرة أيام المنصور، و ولي الديوان أيام المهدي العباسي، و كان أمراء مصر لايقطعون أمراً إلّابمشورته (2) 739/ ورد في الروايتين (23) (27).

22- يزيد بن أبي حبيب، أبو رجاء الأزدي المصري كان حبشيا نوبيا، و كان أبوه من سبي دمقلة، مولى لبني عامر بن لؤي من قريش، و قيل: مولى شريك بن الطفيل الأزدي؛ حليف بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي (3) 740؛ فإنّ أباه الطفيل كان أخا عائشة لأمّها أمّ رومان؛ إذ كانت أمّ رومان تحت والد الطفيل ثم تزوّجها أبوبكر بعده، فشريك نسبه إلى قريش بالحلف (4) 741. كان أحد ثلاثة جعل عمر بن عبدالعزيز الفتوى إليهم في مصر، و كان يقول: نشأتُ بمصر و هم علوية- يعني شيعة- فقلبتهم عثمانية (5) 742/ ورد في الرواية (23).

23- عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج القرشي الاموي، مولى لآل


1- تاريخ بغداد 13: 9، تهذيب الكمال 24: 275.
2- سير أعلام النبلاء 8: 157- 158.
3- تهذيب الكمال 32: 103، تهذيب التهذيب 11: 278، الاكمال لابن ماكولا 7: 292، معجم البلدان 2: 471.
4- تهذيب التهذيب 5: 13، و انظر الاصابة 3: 520، تهذيب الكمال 3: 389.
5- تذكرة الحفاظ 1: 129.

ص: 219

أبي العيص بن أمية، مولى أمية بن خالد، و قيل: مولى عبداللَّه بن أمية بن عبداللَّه بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي. و قيل: كان جريج عبداً لأم حبيب بنت جبير زوجة عبدالعزيز بن عبداللَّه... بن أبي العيص، فنُسب ولاؤه إليه و هو عبد رومي (1) 743. كان يقول بالمتعة، و قد استمتع بتسعين امرأة (2) 744/ ورد في الرواية (24).

24- عطاء بن أبي رباح القرشي الفهري، مولى آل أبي خيثم عامل عمر بن الخطاب على مكة، و قيل مولى بني جُمح، و يقال: مولى حبيبة بنت ميسرة بن أبي خيثم (3) 745، نشأ بمكة، و كان يذهب إلى الإرجاء (4) 746، انتهت إليه فتوى أهل مكة في زمان الأمويين (5) 747، و كان لا يحسن العربية (6) 748، و كان سعيد بن جبير لا يرضاه (7) 749، ضربت يده فأُشلّت أيام ابن الزبير (8) 750/ ورد في الروايات (24) (25) (26) (27).

25- يحيى بن عبداللَّه بن بكير القرشي المخزومي، مولى بني مخزوم القرشيين، و قيل مولى عمرة بنت حنين مولاة بني مخزوم (9) 751، فهو مولى


1- تهذيب الكمال 18: 339، سير أعلام النبلاء 6: 326، تاريخ بغداد 10: 400، طبقات ابن سعد 5: 491.
2- تهذيب الكمال 18: 341، تذكرة الحفاظ 1: 171، سير أعلام النبلاء 6: 333.
3- تهذيب الكمال 20: 69، 75، سير أعلام النبلاء 5: 79، 80.
4- الثقات للعجلي 2: 103.
5- طبقات ابن سعد 5: 470، تاريخ دمشق 40: 369.
6- تاريخ دمشق 40: 403، تهذيب الكمال 20: 84 قال حجاج: قال عطاء: وددتُ أني أحسن العربية، قال: و هو يومئذ ابن تسعين سنة. و انظر سير أعلام النبلاء 5: 87.
7- الجرح و التعديل 6: 330، تهذيب الكمال 20: 79، طبقات ابن سعد 2: 386.
8- تهذيب الكمال 20: 76، سير أعلام النبلاء 5: 80.
9- تهذيب الكمال 31: 401، الاكمال لابن ماكولا 2: 28.

ص: 220

موالي، مقدوح (1) 752، شامي (2) 753، و هو من شيوخ البخاري/ ورد في الرواية (27).

26- خالد بن يزيد الجمحي، مولى بني جمح القرشيين، و قيل: مولى ابن أبي الصبيغ، مولى عمير بن وهب الجمحي فهو مولى موالي، كان أبوه بربرياً (3) 754/ ورد في الرواية (27).

موالي غير القرشيين، و الفرس

لقد وقفت على دور القرشيين المعادي للإسلام و لأميرالمؤمنين، وعرفت عددهم و عدد مواليهم الذين يحذون حَذْوَهم، إذ عدد القرشيين ستة عشر شخصاً (16)، و مواليهم ستة و عشرون شخصاً (26)، يكون مجموعهم (42) اثنين و أربعين شخصاً من مجموع مائة واحد عشر شخصاً (111)، و هي مجموعة تشكّل تنظيماً خطيراً في بثّ الفكرةالوليدة، خصوصاً إذا عرفت أنّ مؤسس الفكرة قرشي أمويّ، و متبنّيها مولى له شعوبي يهودي، و مشذّبها و مهذّبها و ناشرها زهري قرشي سلطوي.

و إذا أضيف إلى كل هؤلاء باقي الموالي الشعوبيين الذين رووا الوضوء العثماني المبتدع كانت النتيجة مذهلة، و دالة على ما قلنا من أنّ هذا الوضوء نشأ وانتشر بأساليب مريبة، و على أيادي معادية للاسلام، و في ظلّ


1- الجرح و التعديل 9: 165، سير أعلام النبلاء 10: 612، تقريب التهذيب 1: 592.
2- التاريخ الكبير 8: 284.
3- تهذيب الكمال 8: 208- 209، الاكمال 5: 221.

ص: 221

القرشية الأموية الطامعة الطامحة، و الشعوبية الحاقدة المندسّة، فإنّ تعداد الموالي لغير القرشيين و الفرس هو ثمانية و ثلاثون شخصاً (38) و هم:

1- عطاء بن يزيد الليثي الجندعي، أبو يزيد الشامي مولى بني ليث (1) 755/ ورد في الروايات (1) (2) (3) (4) (5) (6) (7) (8) (9) (10).

2- أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي الشامي، مولى امرأة من بهران (2) 756 ولاه المأمون قضاء حمص (3) 757!!!/ ورد في الرواية (2).

3- عبدان، و هو عبداللَّه بن عثمان بن جبلة بن أبي داود الأزدي العتكي، أبو عبدالرحمن المروزي، هو و أخوه من موالي المهلب بن أبي صفرة الازدي، كان بخراسان، و هو من أهل مرو، و قال ابن القيسراني:

أصله من البصرة (4) 758/ ورد في الرواية (3).

4- عبداللَّه بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، مولاهم، مروزي من أهل مرو، كان عبداً لرجل من تجار همدان، و كان لا يحدّث هاشميا (5) 759/ ورد في الروايتين (3) (6).

5- معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، مولى عبدالسلام بن عبدالقدوس، و عبدالسلام مولى عبدالرحمن بن قيس الازدي، و هو أخو المهلب بن أبي صفرة لأمّه، و قيل: هو مولى للمهلب بن أبي صفرة. فهو


1- التمهيد لابن عبدالبر 10: 130، تهذيب الكمال 20: 123.
2- تهذيب الكمال 7: 146، تهذيب التهذيب 2: 379.
3- سير أعلام النبلاء 10: 325.
4- تهذيب الكمال 15: 276، التعديل و التجرح 2: 842، الثقات لابن حبان 8: 352.
5- تهذيب الكمال 16: 145، سير أعلام النبلاء 8: 381.

ص: 222

مولى موالي (1) 760/ ورد في الروايات (3) (6) (9) (10).

6- زهير بن حرب الحرشي النسائي، مولى بني الحريش بن كعب، كان اسم جده اشتال فعرّب شداداً، أصله من نسا (2) 761/ ورد في الرواية (4).

7- حرملة بن يحيى التجيبي، مولى سلمة بن مخرمة التجيبي، مولى بني زميلة (3) 762/ ورد في الرواية (5).

8- عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم الصنعاني (4) 763/ ورد في الرواية (10).

9- الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن الضحاك الشيباني، أبو عاصم النبيل، مولى بني شيبان، و يقال من أنفسهم، و قيل مولى لبني ذهل بن ثعلبة، و أُمّه من آل الزبير (5) 764. متكلّم فيه، و هو إلى الضعف أقرب (6) 765، و كان يجلس إلى هلال صاحب الرأي (7) 766/ ورد في الرواية


1- تهذيب الكمال 28: 303، التاريخ الصغير 2: 115، الثقات لابن حبان 7: 484.
2- سير أعلام النبلاء 11: 489، تهذيب الكمال 9: 402، طبقات ابن سعد 7: 354.
3- سير أعلام النبلاء 11: 389، 390، تهذيب الكمال 5: 550.
4- تهذيب الكمال 18: 520، تهذيب التهذيب 6: 278، سير أعلام النبلاء 9: 563.
5- تهذيب الكمال 13: 281.
6- العلل و معرفة الرجال 2: 557، علل ابن ابي حاتم: 30، لسان الميزان 3: 230، ميزان الاعتدال 4: 29، التمهيد 17: 248، سير أعلام النبلاء 9: 278، 482.
7- ضعفاء العقيلي 2: 223.

ص: 223

(11).

10- يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان، المعروف بالرازي، هو من أهل الري، و قيل أن أصله من الأهواز و متجره الري (1) 767، كان لا يُعرِب (2) 768/ ورد في الرواية (12).

11- سعيد بن زياد المكتب المؤذّن، مولى جهينة بن زهرة (3) 769، لم يوثقه سوى ابن حبان، فهو مجهول (4) 770 و قال ابن معين: لا اعرفه (5) 771/ ورد في الرواية (14).

12- إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زادان التميمي، أبو إسحاق الرازي الفراء المعروف بالصغير، من أهل الري (6) 772، و يظهر أنّه مولى تميم/ ورد في الرواية (15).

13- عبيداللَّه بن أبي زياد القداح، أبو الحصين، مولى لبعض أهل مكة (7) 773، و هو ضعيف (8) 774/ ورد في الرواية (15).


1- تهذيب الكمال 32: 465، تهذيب التهذيب 11: 374.
2- سير أعلام النبلاء 12: 222.
3- التاريخ الكبير 3: 473.
4- الثقات لابن حبان 6: 356.
5- تاريخ ابن معين- الدارمى-: 118.
6- تهذيب الكمال 2: 219، تهذيب التهذيب 1: 148، طبقات الحفاظ: 199.
7- الطبقات لابن سعد 5: 491، تهذيب الكمال 19: 42، تهذيب التهذيب 7: 13.
8- الضعفاء للنسائى: 66، الضعفاء الصغير للبخارى: 72، المجروحين لابن حبان 2: 66، ضعفاء العقيلى 3: 118.

ص: 224

14- مصعب بن المقدام الخثعمي، مولى الخثعميين (1) 775، كان رجلًا عفطياً (2) 776، و كان على رأي أهل الإرجاء (3) 777، ضعّفه ابن المديني (4) 778/ ورد في الرواية (16).

15- دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبدالرحمن السجستاني (5) 779، خراساني، فهو فارسي من سجستان خراسان، كان معتزليا يفتي على مذهب أبي حنيفة (6) 780/ ورد في الرواية (16).

16- عبداللَّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، أبوبكر، مولى عبس، واسطي الأصل (7) 781، أمره المتوكل أن يجلس للناس و أن يحدّث بالأحاديث التي فيها الردّ على المعتزلة و الجهمية و أن يحدث بأحاديث الرؤية أي رؤية اللَّه، فجلس في مسجد الرصافة يحدّث بذلك و أجريت عليه الأرزاق و الجوائز. و كان أوّل ما حدّث به تزلّفا لبني العباس: أنّ


1- تهذيب الكمال 28: 43، تهذيب التهذيب 10: 150.
2- تهذيب الكمال 28: 45.
3- تاريخ بغداد 13: 110، و عنه في تهذيب الكمال.
4- الكاشف 2: 268.
5- سير أعلام النبلاء 16: 30، تاريخ بغداد.
6- هدية العارفين 1: 264.
7- تهذيب الكمال 16: 35، تهذيب التهذيب 6: 3، فتح البارى 4: 468، شرح النووى على صحيح مسلم 1: 64.

ص: 225

النبي صلى الله عليه و آله قال: «احفظوني في العباس فإنّه بقية آبائي و إنّ عمّ الرجل صنو أبيه» (1) 782/ ورد في الرواية (16).

17- عبداللَّه بن نمير بن عبداللَّه بن أبي حيّة... الهمداني الخارفي، مولاهم (2) 783/ ورد في الرواية (16).

18- محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أبو إسماعيل الترمذي، من ترمذ (3) 784، كان مشهوراً بمذهب السنّة (4) 785، تكلّموا فيه (5) 786، و مع ذلك قال الذهبي: انبرم الحال على توثيقه و إمامته (6) 787!!!/ ورد في الرواية (17).

19- محمد بن عبداللَّه بن أبي مريم الخزاعي، مولى لخزاعة، و يقال مولى ثقيف (7) 788/ ورد في الرواية (19).

20- أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، أبو سعيد القطان البصري (8) 789، جدُّهُ يحيى بن سعيد بن فرّوخ القطان البصري، مولى بني تميم (9) 790/ ورد في الرواية (21).

21- زيد بن الحباب بن الريّان- و قيل رومان- العكلي الخراساني، خراساني الأصل (10) 791، و قيل موصلي الأصل من عكل الذين قدموا من


1- انظر تاريخ بغداد 10: 68.
2- تهذيب الكمال 6: 225، طبقات بن سعد 6: 394، سير أعلام النبلاء 9: 244.
3- تهذيب الكمال 24: 489.
4- تاريخ بغداد 2: 605، المقصد الارشد في ذكر اصحاب احمد 2: 377.
5- الجرح و التعديل 7: 190، تهذيب التهذيب 9: 53.
6- سير أعلام النبلاء 13: 243.
7- التاريخ الكبير 1: 139.
8- تاريخ بغداد 5: 117، الجرح و التعديل 2: 74.
9- التاريخ الكبير 1: 266 في ترجمه ابيه (محمد بن يحى بن سعيد القطان).
10- سير أعلام النبلاء 9: 393، طبقات الحفاظ: 153، تهذيب التهذيب 3: 347.

ص: 226

الموصل، قالوا عنه أنه صاحب سنة (1) 792، مقدوح (2) 793/ ورد في الرواية (21).

22- عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، الشيباني المروزي، و هو أصغر من اخيه صالح بن أحمد قاضي الاصبهانيين (3) 794/ ورد في الرواية (22).

23- أحمد بن حنبل الشيباني المروزي من أهل خراسان، حملته أمّه بمرو و ولد ببغداد، صاحب سنة، ولي جدّه حنبل بن هلال سرخس، و كان من أبناء الدعوة. لم يقل بخلق القرآن، فسجن و ضرب بالسياط، قال ابن معين: لم أسمع ابن حنبل يقول «أنا من العرب» قط (4) 795/ ورد في الرواية (22).

24- ابن الأشجعي، هو عباد أو أبو عبيدة بن عبيد الرحمن الأشجعي (5) 796، من المنتسبين إلى أشجع ولاءً (6) 797/ ورد في الرواية (22).

25- عبيداللَّه بن عبيدالرحمن الأشجعي (7) 798، من المنتسبين إلى أشجع


1- انظر هامش تهذيب الكمال 10: 47 عن كتاب تاريخ الموصل لعلي بن حرب الموصلى.
2- تاريخ بغداد 8: 442، بحر الدم: 163، الكامل في ضعفاء الرجال 3: 209.
3- سير أعلام النبلاء 13: 516.
4- انظر ترجمته في تهذيب الكمال 1: 437، تاريخ بغداد 4: 412.
5- تهذيب الكمال 34: 59، 423.
6- الانساب للسمعاني 1: 165.
7- التاريخ الكبير 5: 390، الجرح والتعديل 5: 323، سير أعلام النبلاء 8: 514.

ص: 227

ولاءً، قال ابن حبان: يُغرب و يتفرد (1) 799/ ورد في الرواية (22).

26- بسر بن سعيد المدني، مولى ابن الحضرمي، كان ينزل في دار الحضرمي في جديلة قيس فنسب إليهم (2) 800. قال الوليد بن عبدالملك لعمر بن عبدالعزيز: من أفضل أهل المدينة؟ قال: مولى لبني الحضرمي يقال له بسر (3) 801/ ورد في الرواية (22).

27- عفان بن مسلم بن عبداللَّه الصفار، أبو عثمان البصري، مولى عزرة- و قيل عروة- بن ثابت الأنصاري (4) 802، و قيل لزيد بن ثابت الأنصاري (5) 803، صاحب سنّة (6) 804، أصله من البصرة، كان المأمون يجري عليه خمسمائة درهم و قيل ألف درهم شهريّاً (7) 805، دعي إلى القول بخلق القرآن فلم يُجب (8) 806، كان ردي ء الفهم بطيئه (9) 807/ ورد في الرواية (24).


1- الثقات لابن حبان 8: 403، تهذيب التهذيب 7: 31.
2- التمهيد 3: 271، التاريخ الكبير 2: 123، تهذيب الكمال 4: 72.
3- تهذيب الكمال 4: 75، سير أعلام النبلاء 4: 595، تهذيب التهذيب 1: 383.
4- تهذيب الكمال 20: 160، تاريخ بغداد 12: 269.
5- الثقات لابن حبان 8: 522.
6- الثقات للعجلي 2: 140، تاريخ بغداد 12: 269.
7- صفوة الصفوة 4: 7، تذكرة الحفاظ 1: 379.
8- تهذيب الكمال 20: 166.
9- ميزان الاعتدال 5: 102 عن ابن عدى في كامله 5: 384.

ص: 228

28- همام بن يحيى بن دينار العوذي، أبوبكر البصري، مولى بني عوذ بن سود بن الحجر بن عمرو من الأزد (1) 808، كان على العدالة أي يعدّل الشهود عند القاضي أو يقدحهم (2) 809، مقدوح، كان يحيى بن سعيد القطان سيّ ء الرأي فيه (3) 810 جدّاً، و قال يزيد بن زريع: حفظه ردي ء، و كان همّام يذهب الى القدر، و كان لا يرجع إلى كتاب و لا ينظر فيه، و كان يخالف فلا يرجع إلى كتابه ثم رجع بعد فنظر في كتبه فقال: يا عفّان كنا نخطئُ كثيراً فنستغفر اللَّه تعالى (4) 811/ ورد في الرواية (24).

29- محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي، أبو عبداللَّه الثقفي مولاهم، بصري يروي عن البصريين، و مات بالبصرة (5) 812/ ورد في الرواية (25).

30- حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، البصري الأزرق، مولى آل جرير بن حازم، و كان جدّه من سبي سجستان (6) 813، و كان حماد عثمانيّاً (7) 814، و كان ضريراً، و كان يقول بعدم جواز الصلاة خلف من يقول


1- تهذيب الكمال 30: 302، تهذيب التهذيب 11: 60.
2- تهذيب الكمال 30: 308.
3- تهذيب الكمال 30: 306، تهذيب التهذيب 11: 61، الجرح و التعديل 9: 107.
4- عون المعبود 2: 127.
5- تهذيب الكمال 24: 534، سير أعلام النبلاء 10: 660، تهذيب التهذيب 9: 68.
6- تهذيب الكمال 7: 239.
7- الطبقات لابن سعد 7: 286.

ص: 229

بخلق القرآن (1) 815، لم يكن عنده كتاب إلّاجزء يحيى بن سعيد و كان يخلط فيه (2) 816/ ورد في الرواية (25).

31- محمد بن خازم التميمي السعدي، أبو معاوية الضرير، مولى بني سعد بن زيد مناة بن تميم، عمي و هو ابن أربع أو ثمان سنين (3) 817، كان يرى الإرجاء فلم يحضر وكيع جنازته لذلك (4) 818، و قيل: كان رئيس المرجئة بالكوفة و يدعو للإرجاء (5) 819، كان هارون الرشيد يجلّه و يحترمه، قيل أنّه أكل عنده فغسل يديه، فكان الرشيد هو الذي يصب الماء على يديه، وكان يصله بمال و ذهب كثير (6) 820. دعاه الرشيد مرّة فحدّثه بحديث ادّعى فيه أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال: يكون في آخر الزمان قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة من لقيهم فليقتلهم فإنّهم مشركون (7) 821!!! وصفه الدارقطني بالتدليس (8) 822.


1- تهذيب الكمال 7: 249.
2- الجرح و التعديل 3: 138 و قال عنه احمد (بحر الدم: 122): قد اخطا في غير شي ء.
3- تهذيب الكمال 25: 123- 124، تاريخ بغداد.
4- الثقات للعجلي 2: 236، تهذيب الكمال 25: 132، تذكرة الحفاظ 1: 294.
5- طبقات الحفاظ 1: 128، تهذيب التهذيب 9: 120.
6- تاريخ بغداد 14: 8، سير أعلام النبلاء 9: 77، 9: 288.
7- تاريخ بغداد 5: 243.
8- التبين لاسمار المدلسين: 178، جامع التحصيل: 109، طبقات المدلسين: 36.

ص: 230

أحاديثه مضطربة يرفع منها أحاديث إلى النبي/ ورد في الرواية (26).

32- علي بن أحمد بن عبدان الشيرازي ثمّ الأهوازي، توفي في نيسابور من خراسان (1) 823/ ورد في الرواية (27).

33- أحمد بن إبراهيم بن ملحان البلخي، بلخي الأصل (2) 824/ ورد في الرواية (27).

34- سعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، مولى عروة بن شييم الليثي (3) 825، ولد بمصر، و نشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر، قال ابن حزم: فيه ضعف (4) 826، و في آخر: ليس بالقويّ (5) 827، اتّهمه الإمام أحمد بأنّه يخلط في الأحاديث ما ليس فيها (6) 828، تركه الدار قطني (7) 829/ ورد في الرواية (27).

35- يزيد بن هارون السلمي، أبو خالد الواسطي، ولد وتوفي بواسط و دفن بها، مولى السلميين، أصله من بخارى، كان جدّه زاذان مولى لأمّ عاصم امرأة عتبة بن فرقد السلمي (8) 830، و قال العجلي: واسطي


1- تاريخ بغداد 11: 327.
2- تاريخ بغداد 4: 11، سؤالات الحاكم: 89.
3- تهذيب الكمال 11: 94.
4- فتح الباري 13: 356.
5- المحلى 2: 269.
6- مقدمه فتح الباري: 406، سؤالات ابي داود: 245.
7- تحفة الاحوذي 1: 444.
8- تهذيب الكمال 32: 261.

ص: 231

شامي (1) 831، كان أوّل دخوله البصرة سنة 142، و توفي سنة 206 ه، كان لايحب أن يحفظ القرآن حتى لا يخطئ فيه (2) 832، و كان يحلف باللَّه أنّ من قال أن القرآن مخلوق فهو زنديق (3) 833، و كان معجبا بنفسه يروي الفضائل لنفسه، و كان يحفظ عن الشاميين عشرين ألف حديث (4) 834./ ورد في الرواية (28).

36- سعيد بن اياس الجريري، أبو مسعود البصري، محدّث أهل البصرة، تغيّر حفظه قبل موته، و قد أنكر أيام الطاعون (5) 835، مولى بني قيس من بكر بن وائل (6) 836، و قيل انّه من ولد جرير بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبه... بن بكر بن وائل (7) 837/ ورد في الرواية (28).

37- وهب بن بقية بن عثمان بن سابور الواسطي، أبو محمد المعروف بوهبان (8) 838، يبدو من اسم جدّه وعدم ذكر قبيلته من العرب أنه من الفرس، سكن بغداد، و دفن في واسط/ ورد في الرواية (28). (9) 839


1- تاريخ الثقات للعجلي: 481.
2- تاريخ بغداد 14: 342.
3- سير أعلام النبلاء 9: 362. و في تاريخ بغداد 7: 67 أنّه كان يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
4- تاريخ بغداد 14: 339، 340، سير أعلام النبلاء 9: 360.
5- تهذيب الكمال 10: 338، تهذيب التهذيب 4: 6، طبقات ابن سعد 7: 261.
6- الجرح و التعديل 4: 1، الضعفاء للنسائى: 53، الضعفاء لابن الجوزى: 314.
7- القول فى الاكمال لابن ماكولا 2: 84.
8- تهذيب الكمال 31: 115، سير أعلام النبلاء 11: 462، تاريخ بغداد 13: 487، تاريخ واسط: 196.
9- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، وضوء عثمان بن عفان من النشأة إلي الإنتشار، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

ص: 232

38- خالد بن عبداللَّه بن عبدالرحمن بن يزيد الطحان، أبو الهيثم المزني الواسطي، مولى النعمان بن مقرن المزني (1) 840/ ورد في الرواية (28).

و من هذا الجرد الإجمالي، نعرف أن عدد القرشيين و مواليهم و سائر الموالي هو ثمانون (80) شخصاً، و غالبيتهم الساحقة من الاتجاهات المشبوهة المعادية لعلي و ابن عباس و أنس بن مالك، والهاشميين والأنصار، و المنخرطة في سلك العثمانيين الأمويين نسباً أو حكومة أو ولاءً أو فكراً، فليس في هذه الأسانيد وجود ملحوظ لكبار صحابة النبي من عشيرته الأقربين و لا من الأنصار. ولا في الرواة هاشميون و لا أنصار، والعدد القليل منهم من سائر قبائل العرب، فقد وقفت على أنّ عامتهم من بطون قريش الحاقدة على النبي و علي عليه السلام و من مواليهم و باقي الموالي الشعوبيين، خصوصاً عثمان الأموي، و طويدا اليهودي الشعوبي الفارسي، و عطاء بن يزيد المولى الشامي المغمور، و الزهري القرشي الشامي منديل الأمراء وصنيعة الأمويين.

هذا مع العلم بأنّ بعض الرواة الذين كانوا يبثون الفكر الوضوئي الخاطئ بين المسلمين، كانوا متخفّين وراء الستار، فهم مجهولو الشخص، أو مجهولو الحال، و قد وقفنا على أحد عشر شخصاً (11) منهم (2) 841 من مجموع الرواه ال (111). و هم:

(1) سعيد بن زياد المكتب المؤذن (مجهول الحال)/ ورد في الرواية (14)


1- تهذيب الكمال 8: 99، تاريخ بغداد 8: 294، تذكرة الحفاظ 1: 259.
2- لا يخفى عليك أنّ بعض المذكورين و إن كانوا مجهولين، إلّاأنّهم ربّما مرّ ذكرهم ضمن القرشيين أو مواليهم، فلاحظ انطباق عنوانين على شخص واحد.

ص: 233

(2) طلحة مولى آل سراقة (مجهول الشخص و الحال)/ ورد في الرواية (18)

(3) ابن دارة مولى عثمان (مجهول الحال)/ ورد في الرواية (19)

(4) شعيب بن محمد الحضرمي (لم نقف له على ترجمة)/ ورد في الرواية (20)

(5) الربيع بن سليمان الحضرمي (لم نقف له على ترجمة)/ ورد في الرواية (20)

(6) صالح بن عبدالجبار الحضرمي (مجهول الحال)/ ورد في الرواية (20)

(7) عمر بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد المخزومي (مجهول الحال)/ ورد في الرواية (21)

(8) عباد أو أبو عبيدة بن عبيدالرحمن الأشجعي (لا يعرف هو واحد أو اثنان)/ ورد في الرواية (22)

(9) عروة بن قبيصة (مجهول الحال)/ ورد في الرواية (28)

(10) رجل من الأنصار (مجهول الشخص و الحال)/ ورد في الرواية (28)

(11) عن أبيه (مجهول الشخص و الحال)/ ورد في الرواية (28)

فهذا الكم الهائل من مختلف الأرقام المشبوهة يؤكّد لنا حقيقه كون الوضوء الثلاثي الغسلي وضوءاً عثمانيّاً حمرانيّاً عطائيا زهرويا لا وضوءاً نبويّاً، و يؤكد أنّ انتشاره كان عبر سلاسل محبوكة لأَشخاص مريبين في مناطق محدودة، تحت إشراف الحكومات الأموية، فلم يكن إذن كالوضوء

ص: 234

الثنائي المسحي الذي كان نشوؤه نبويّاً، و نَقَلَتُهُ صحابيين مقربين للنبي، و رواتُهُ مسلمين ثقاة من مختلف القبائل، و أنّه انتشر بقوة الحجّة والدعم القرآني لا تحت التدبير الحكومي الأموي المغرض.

بعض المخاريق لرواة الوضوء العثماني:

و في ظل سياسة تنصيع الوجوه، و إضفاء هالات القدسية عليها، لمحو ما منيت به من العوالق و الشوائب، نرى القوم لجؤوا إلى تسطير المخاريق والمنامات و الأحلام و ما شابهها لأولئك الأشخاص، ليرفعوا بأضباعهم ويحملوا الناس على تقديسهم و الأخذ عنهم، و كانوا هم أنفسهم أيضاً قد نقلوا المنامات و المخاريق لأنفسهم أو لأغيارهم، و هذه السياسة كانت و مازالت قائمة لخَدع العوام و ضعاف العقول، و قد رأيناها في رواة الوضوء العثماني بشكل ملحوظ، مما يعني أنها من جملة خيوط التبنّي لهذا الوضوء.

فعبداللَّه بن المبارك المولى السلطاني المادح للرشيد، الرأسمالي، الذي لا يحدّث هاشمياً، رووا له كرامة مزعومة و هي: قال العباس بن مصعب، حدثني بعض أصحابنا، قال: سمعت أبا وهب يقول: مرّ ابن المبارك برجل أعمى، فقال له: أسألك أن تدعو لي أن يردّ اللَّه عَلَيَّ بصري، فدعا اللَّهَ فردّ عليه بصره و أنا أنظر (1) 842!!!

و قال نعيم بن حماد: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرّقاق يصير كانه ثور منحور، أو بقرة منحورة من البكاء، لا يجترئ أحد منّا أن يسأله عن


1- سير أعلام النبلاء 8: 395.

ص: 235

شي ء إلّادفعه (1) 843.

وحدّث عبداللَّه بن سنان أنّه كان مع ابن المبارك حيث قَتَلَ ستة من علوج الروم، قال: و طرد بين الصفّين ثم غاب، فلم نشعر بشي ء، و إذا أنا به في الموضع الذي كان، فقال لي: يا عبداللَّه لئن حدّثت بهذا أحداً و أنا حَيّ، فذكر كلمة (2) 844.

و قال أبو حاتم الفربري: رأيتُ ابن المبارك واقفاً على باب الجنة بيده مفتاح، فقلت له: ما يوقفك هنا؟ قال: هذا مفتاح الجنة دفعه إليَّ رسولٌ اللَّه صلى الله عليه و آله و قال: حتى أَزورَ الرب فكُن أميني في السماء كما كُنت أميني في الأرض (3) 845.

و قال إسماعيل بن إبراهيم بن أبي جعفر المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم فقلت: ما فعل اللَّه بك يا أبا عبداللَّه؟ فقال: غفر لي، قلتُ:

فابن المبارك؟ قال: بخ بخ إنّ ابن المبارك في عليّين ممن يلج على اللَّه في كل يوم مرتين (4) 846!!

و مثل ذلك مخاريق عبداللَّه بن وهب القرشي المولى، فابن المبارك دعا لأعمى فأبصر، لكنّ ابن وهب دعا على مبصرٍ فعمي، قال


1- تاريخ بغداد 10: 167.
2- سير أعلام النبلاء 8: 409. لكن العجب ان هذا المستجاب الدعوة، دعا اللَّه أن لا يميته بهيت، فمات بها. انظر حلية الأولياء 8: 164.
3- سير أعلام النبلاء 8: 419.
4- تاريخ دمشق 32: 481، سير أعلام النبلاء 8: 419.

ص: 236

أحمد ابن أخي ابن وهب: طلب عباد بن محمد الأمير عمّي ليوليه القضاء، فتغيب، فهدم عبّاد بعض دارنا، فقال الصَّبَّاحي لعبّاد: متى طمع هذا الكذا و كذا أن يلي القضاء، فبلغ عَمِّي فدعا عليه بالعَمى، فعمي بعد جُمعة (1) 847!!!

و رؤي ابن وهب كسابقه في عليين، فعن علي بن معبد قال: رأيتُ ابن القاسم (2) 848 في النوم، فقلتُ: كيف وجدتَ المسائل؟ فقال: أفٍّ أفٍّ، فقلت: فما أحسن ما وجدته؟ قال: الرباط بالثغر. قال: و رأيتُ ابن وهب أحسن حالًا منه (3) 849.

و حدّث ابن عبدالبر بسنده عن سحنون بن سعيد: أنّه رأى عبدالرحمن بن القاسم في النوم، فقال: ما فَعَلَ اللَّه بك؟ فقال: وجدتُ عنده ما أحبّ، فقال له: فأي أعمالك وجدتَ أفضل؟ قال: تلاوة القرآن؟ قال:

قلت له: فالمسائل؟ فكان يشير بإصبعه يُلشِّيها (4) 850، قال: و سألته عن ابن وهب فقال: هو في عليّين (5) 851!!!

و عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي، قال عبد الوهاب ابن نجده: كان يقال أنّه من الابدال (6) 852.


1- تذكرة الحفاظ 1: 306، سير أعلام النبلاء 9: 227.
2- هو عبدالرحمن بن القاسم صاحب المدونة، من أعيان تلامذة مالك.
3- سير أعلام النبلاء 9: 122.
4- أي يقول أنّها لا شي ء.
5- سير أعلام النبلاء 9: 229.
6- سير أعلام النبلاء 12: 308. و أدعيت هذه البدلية أيضاً لابنه يحيى بن عثمان بن سعيد. انظر سنن ابن ماجة 2: 1011.

ص: 237

و في النوم أيضاً شفع الحارثُ بن مسكين الأموي لرجل من المسرفين!! روي عن الحسن بن عبدالعزيز الجروي: أنّ رجلا كان من المسرفين على نفسه، و أنّه مات فرؤي في المنام، فقال: إن اللَّه غفر لي بحضور الحارث بن مسكين جنازتي، و أنّه استشفع لي فشُفِّع (1) 853.

و نصر بن علي الجهضمي، كان مجاب الدعوة، كيف؟ دعاه عبدالملك أمير البصرة في زمن المستعين ليشخصه للقضاء، فقال:

أستخيراللَّه، فرجع إلى بيته نصف النهار فصلى ركعتين، و قال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك، ثم نام، فنبّهوه فإذا هو ميت (2) 854.

و محمد بن المثنى المعروف بالزمن، الذي كان في عقله شي ء، رويت له كرامة أنه كان زمناً مقعداً، فدعا، فمشى!!! قال أبو أحمد بن الناصح: سمعت محمد بن حامد بن السري و قلت له: لِمَ لا تقول في محمدبن المثنى إذا ذكرته: «الزَّمِن» كما يقول الشيوخ؟ فقال: لَمْ أَرَهُ زمِناً، رأيتُهُ يمشي فسألته، فقال: كنتُ في ليلة شديدة البرد، فجثوتُ على يدي و رجلي، فتوضّأت وضوءً عثمانياً و صلّيت ركعتين، و سألت اللَّه، فقمت أمشي. قال: فرأيته يمشي و لم أَرَه زمناً (3) 855.

و الضحاك بن مخلّد الشيباني أبو عاصم النبيل، أرادوا تحسين مرويّاته عبر المنامات، قال زكريا بن يحيى بن سعيد الباهلي، عن أخيه


1- تهذيب الكمال 5: 285، سير أعلام النبلاء 12: 57.
2- تهذيب الكمال 5: 285، سير أعلام النبلاء 12: 57.
3- سير أعلام النبلاء 12: 126 و علق عليها الذهبي قائلًا: حكايةٌ صحيحة.

ص: 238

إبراهيم بن يحيى: رأيت أبا عاصم النبيل في منامي بعد موته، فقلتُ: ما فعل اللَّه بك؟ قال: غفر لي، ثم قال لي: كيف حديثي فيكم؟ قلت: إذا قلنا «حدثنا أبو عاصم» فليس أحدٌ يردّ علينا، قال: فسكت عنّي، ثم أقبل عَلَيَّ فقال: إنما يُعطى الناس على قدر نياتهم (1) 856.

و الحسين بن إسماعيل المحاملي يُدفَعُ به البلاء عن بغداد، و لكن في النوم لافي اليقظة، قال محمد بن الإسكاف: رأيت في النوم كأنّ قائلًا يقول: إنّ اللَّه ليدفع عن أهل بغداد البلاء بالمحاملي (2) 857!!!

و في رواية منامية أُخرى: قال: استَغْفِرِاللَّه في أمر المحاملي، فإنّ اللَّه ليدفع البلاء عن أهل بغداد به فلا تستصغر أمره (3) 858.

و عبداللَّه بن عبيد بن عمير، الليثي الجندعي، كان مستجاب الدعوة، كانت السحابة ربّما مرّت به فيقول لها: أقسمت عليك إِلَّا تمطرين، فتمطر (4) 859.

و مصعب بن المقدام الخثعمي مولاهم، كان مرجئاً فترك الإِرجاء لرؤيا رآها، قال علي بن حكيم الأودي، عنه: كنت أرى رأي


1- تهذيب الكمال 13: 289، الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع 2: 257.
2- سير أعلام النبلاء 15: 260، تذكرة الحفاظ 3: 825.
3- تاريخ بغداد 8: 22.
4- الثقات لابن حبان 5: 11. هذا مع أنّ الثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّه كان يستسقي في الجدب، فيبدو أنّ هذا الرجل كان مستغنياً بأوامره للسحابة عن صلاة الاستسقاء!!

ص: 239

الإرجاء، فرأيت في منامي كأنّ في عيني صليباً فتركته (1) 860.

و قال مصعب بن المقدام: رأيت النبيَّ في النوم آخذاً بيد سفيان الثوري و هو يجزيه خيراً و يقول: حسن الطريقة (2) 861.

و قال مصعب بن المقدام: رأيت النبيَّ في المنام و سفيان الثوري آخذٌ بيده و هما يطوفان، فقال سفيان الثوري: يا رسول اللَّه مات مسعر بن كدام؟ قال: نعم و استبشر به أهل السماء (3) 862.

و شقيق بن سلمة، أبو وائل- الذي كان مرتداً يوم بزاخة، والذي كان لا يرضى لأحد أن يسبّ الحجاج، و الذي كان علويا ثم صار عثمانيا- صار يسمع صوت السحاب، قال: كنت في زرع لي إذ أقبلَتْ سحابةٌ ترهيأ، فسمعتُ فيها صوتاً: «أمطري زرع فلان»، قال: فأتيتُ الرجل فسألته ما تصنع بزرعك؟ قال: أبذر ثلثه، و آكل ثلثه، و أتصدق بثلثه (4) 863.

و عمر بن سعيد بن أحمد المنبجي الشامي، راح يسطّر لنفسه ما يظنّه مكرمة، لكنها هذه المرة عبر دابته، قال: خرجت في بعض المغازي


1- تهذيب الكمال 28: 46.
2- حلية الاولياء 6: 385. و ستأتيك لسفيان منامات و ترهات و مخاريق جمة اخرى.
3- حلية الاولياء 7: 210.
4- صفوة الصفوة 4: 431.

ص: 240

وأردت أن أمضي في السرية، فقمت لأنظر إلى نعال دابتي فرأيت فرد نعل قد وقع و هو حافي، فطلبنا في الرحل نعلًا فلم نجد، و بعثنا إلى من نأنس به فلم نجد عندهم، فاغتممتُ غمّاً شديداً، فلمّا تحرّك الناس ألجمنا و أسرجنا، فأخذتُ فردَ رجله- أو قال يده- حتى أقرأ عليه، فإذا هو مُنعل (1) 864.

و أمّا الامام أحمد بن حنبل فحدّث و لا حرج، فإنّ ما نسب إليه من المخاريق والخوارق يفوت الحدّ و الإحصاء، فمن بعضها ما حدّث به ابن أبي داود، عن أبيه أبي داود، قال: رأيت في المنام أيام المحنة (2) 865 كأنّ رجلًا خرج من المقصورة و هو يقول: قال رسول اللَّه: اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أحمد بن حنبل و فلان، قال: نسيت اسمه (3) 866...

و عن أبي بكر بن أبي داود، قال: حدثنا علي بن إسماعيل السجستاني، قال: رأيت كأنّ القيامة قد قامت، و كأنّ الناس جاءوا إلى قنطرة و رجل يختم و يعطيهم، فمن جاء بخاتم جاز، فقلت: من هذا الذي يعطي الناس الخواتيم؟ قالوا: أحمد بن حنبل (4) 867!!!

وحدّث بُندار و هو أحد رواة الوضوء العثماني قال: رأيت أحمد بن حنبل في النوم كالمغضب، فقُلتُ: مالي أراك مغضبا؟ قال: و كيف لاأغضب و جاءني منكر و نكير يسألاني من ربُّك؟ فقلت: و لمثلي يقال هذا؟ فقالا:

صدقتَ يا أبا عبداللَّه، و لكن بهذا أمرنا (5) 868. و استقصاء المنامات و


1- تاريخ دمشق 45: 62.
2- أي عندما امتُحنوا بأنّ القرآن مخلوق أم غير مخلوق.
3- سير أعلام النبلاء 11: 346.
4- سير أعلام النبلاء 11: 350، تهذيب الكمال 1: 470.
5- سير أعلام النبلاء 11: 350.

ص: 241

الأحلام و المخاريق المنسوبة لأحمد وحده يحتاج إلى مجلد أو أكثر.

و سفيان الثوري، الذي كان علويّاً ثم صار عثمانياً، رؤي في النوم أيضاً، رآه سيف بن هارون البرجمي، قال: رأيت في المنام كأني في موضع علمتُ أنّها ليست في الدنيا، فإذا أنا برجل لم أر قط أجمل منه، فقلت: من أنت يرحمك اللَّه؟ قال: أنا يوسف بن يعقوب، فقلت: قد كنتُ احب أن ألقى مثلك فأسأله، قال: سلْ، فقلت: ما الرافضة؟ قال: يهود، قلت: ما الاباضية؟ قال: يهود، فقلت: قوم عندنا نصحبهم؟ قال: من هم؟

قلت: سفيان الثوري و أصحابه، فقال: أولئك يُبعثون على ما بعثنا اللَّه معاشر المرسلين (1) 869.

و قال سُعير بن الخِمس: رأيت سفيان الثوري في المنام و هو يطير من نخلة إلى نخلة و هو يقرأ هذه الآية «الحمدُ للَّه الذي صَدَقَنَا وعده و أورثنا الأرضَ نتبّوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين» (2) 870.

و بسر بن سعيد مولى ابن الحضرمي، وشى رجل به إلى الوليد بن عبدالملك أنه يطعن على الأمراء و يعيب بني مروان، فأرسل إليه و الرجل عنده، فجى ء به فشهد الرجل على بُسر بذلك، فقال بسر: اللهم قد شهد بما قد علمت أنّي لم أقُله، فإن كُنتُ صادقاً فأرني به آية، قال:

فانكبّ الرجل على وجهه، فلم يزل يضطرب حتى مات (3) 871.


1- حلية الاولياء 6: 385.
2- تهذيب الكمال 11: 169. فنسبوا إليه ما لجعفر الطيار رحمه الله.
3- انظر تهذيب الكمال 4: 74- 75. فلاحظ كيف أنّ اللَّه بَرَّأَ الأمراء و بني مروان و بسر بن سعيد!!!.

ص: 242

و أبو معاوية الضرير محمد بن خازم المولى المرجئ الداعية له، الذي وضع لنفسه مخرقة فقال: حججت مع جدّي- أبي أمّي- و أنا غلام، فرآني أعرابي فقال لجدّي: ما يكون هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال:

ليس بابنك، قال: ابن بنتي، قال: ابن ابنتك و ليكوننّ له شأن (1) 872، و ليطأنّ برجليه هاتين بُسُط الملوك. قال: فلما قدم الرشيد بعث إلي، فلمّا دخلت عليه ذكرت حديث الاعرابي... و حدثته بالحديث، فأُعجب به...

فحدّثته أن النبي قال: يكون في آخر الزمان قوم لهم نَبَزٌ يقال لهم الرافضة، من لقيهم فليقتلهم فإنّهم مشركون (2) 873!!!

و يزيد بن هارون السلمي، المولى، الواسطي، كان يحدّث عن حريز بن عثمان الناصبي الذي كان يسبّ عليّاً و يلعنه، لكنّ تحديثه ذلك لم يجلب له وبالًا بل غفر له اللَّه و جعله من المشفعين، ثم عاتبه على ذلك عتاباً خفيفاً و انتهى الأمر بسلام؛ و واضع ذلك هو سبط يزيد بن هارون.

قال نافع- سبط يزيد بن هارون-: كنت عند أحمد بن حنبل- وعنده رجلان- فقال أحدهما: رأيت يزيد بن هارون في المنام، فقلت له: ما فَعَلَ


1- لا يفوتك أن النبي صلى الله عليه و آله كان مع أبي طالب و هم خارجون إلى الشام، فرأى راهبٌ النبيَّ، فقال لأبي طالب: ما يكون هذا الغلام منك؟ فقال أبوطالب على نحو المجاز: وَلَدي، فقال: ليس بابنك، فقال: إنه ابن أخي و قد مات أبوه، فقال له الراهب: أما أنه سيكون له شأن- يعني النبوة- و حذّره من كيد اليهود. فاستغلّ هذا الوضاع هذه الكرامة لرسول اللَّه و صاغها بصياغة جديدة لنفسه.
2- تاريخ بغداد 5: 242- 243.

ص: 243

اللَّه بك؟ قال: غفر لي و شفّعني و عاتبني؛ و قال: أتحدّث عن حريز بن عثمان؟ فقلت: يا ربّ ما علمتُ إلّاخيراً (1) 874، قال: إنه يبغض عليّاً.

و قال الرجل الآخر: رأيته في المنام فقلت له: هل أتاك منكر و نكير؟

قال: إي و اللَّه و سألاني من ربّك؟ و ما دينك؟ فقلت: ألمثلي يقال هذا، و أنا كنت أعلم الناس بهذا في دار الدنيا؟! فقالا لي: صدقتَ (2) 875.

فلاحظ تنصيعهم الوجه الأسود ليزيد بن هارون الراوي عن حريز


1- قال إسماعيل بن عياش: رافقت حريزاً من مصر إلى مكة فجعل يسبّ علياً ويلعنه، و قال لي: هذا الذي يرويه الناس أنّ النبي قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» حقّ و لكن أخطأ السامع، قلتُ: فما هو؟ قال: إنما هو «أنت منّي بمنزلة قارون من موسى»، قلت: عمن ترويه؟ قال سمعت الوليد بن عبدالملك يقوله على المنبر. تاريخ ابن عساكر 4: 115، تاريخ بغداد 8: 268. و قيل ليحيى بن صالح: لِمَ لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين مرّة. تهذيب التهذيب 2: 209. و قال ابن حبان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرة و بالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي و أجدادي. تهذيب التهذيب 2: 209. و حكى الأزدي في كتابه الضعفاء: انّ حريز بن عثمان روى أنّ النبي صلى الله عليه و آله لما أراد أن يركب بغلته، جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبي. تهذيب التهذيب 2: 209. و روى عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن ابي طالب. شرح النهج 4: 70. و كان سفيانيا ينتقص علياً، و كان داعياً لمذهبه. فكيف لم يعلم منه إلّاخيراً؟!! نعم إنّهم على وتيرة واحدة من بغض علي عليه السلام، فلذلك روى له البخاري حديثين، و قال أحمد: ثقة ثقة، و وثقه جماعة من النواصب.
2- سير أعلام النبلاء 9: 365، تاريخ بغداد 14: 346- 347.

ص: 244

الناصبي عبر منام و مخرقة نقل سبطه أنّها قيلت عند أحمد بن حنبل، و العجيب أنّ منكراً و نكيراً لما اعترض عليهما أحمد بن حنبل فيما مرّت له من مخرقة قالا: صدقتَ و لكن بهذا أُمرنا، لكنّهما صدّقا يزيد بن هارون دون أن يقولا له أنّهما مأموران بذلك!!!

رواة الوضوء العثماني جروح و قدوح

و بعد كل ما قلنا و قدّمنا، تستطيع بمراجعة أحوال هؤلاء الرواة أن تقف على حقيقةٍ مفادها أنّ الأغلب الأعمّ منهم مجروحون أو مقدوحون أو مليّنون أو مطعونون بشتى الطعون، منهم من وقفت عليهم و منهم من لم نذكرهم، استغناءً بما بانَ من حال الأسانيد العشرة الأُولى التي هي عمدة الروايات، و لأنّ القوم كانوا يحاولون بكل جهدهم أن يُضفوا على هؤلاء الرواة صفات الوثاقة و الحسن و العدالة و الضبط و و و... طارحين القدوح و الجروح و الطعون جانباً، كما رأيت في حمران بن أبان اليهودي المضعف، عند البخاري و ابن سعد و لم يوثقه أحد و مع ذلك يصفونه بالفقيه الفارسي، و مثل إبراهيم بن سعد المغنّي المطرب عند الرشيد الذي يغنّي قبل التحديث عن رسول اللَّه، و قد وثّقوه (1) 876 و و و...

هذه الطعون تجدها مبثوثة في كتب القوم رغم تحفّظ رجاليّيهم


1- و حسبك انهم يوثقون عمر بن سعد قاتل الامام الحسين عليه السلام، و يعدوّن عبدالرحمن بن ملجم مجتهداً أخطا فله أجر، و يوثقون عمران بن حطان الذي يمدح ابن ملجم و يروي عنه البخاري.

ص: 245

و أرباب الجرح و التعديل و محاولتهم تبييض الصحائف السوداء للأشخاص الرواة، و رغم أنّ عدداً كبيراً من أئمة الجرح و التعديل و المحدّثين كانوا بصريين عثمانيي الهوى، مثل:

يحيى بن سعيد القطان (1) 877، و عبدالرحمن بن مهدي (2) 878، و علي بن المديني (3) 879، و أبو يحيى الساجي (4) 880، و عمرو بن علي الفلاس (5) 881،


1- توفي بالبصرة في صفر 198 في خلافه عبداللَّه بن هارون. انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد 7: 293، شذرات الذهب 1: 355، تاريخ بغداد 14: 135، تهذيب التهذيب 11: 216.
2- توفي بالبصرة في جمادى الآخرة 198 و له ثلاث و ستون سنة. انظر ترجمته في طبقات الحفاظ: 139، تذكرة الحفاظ 1: 329، الطبقات لابن سعد 7: 297، تاريخ خليفة: 327، تاريخ بغداد 10: 240، شذرات الذهب 1: 355.
3- السعدي مولاهم البصري، قال علي بن المديني: صنفت المسند على الطرق مستقصى و جعلته في قراطيس في قمطر كبير ثم غبت عن البصرة ثلاث سنين فرجعت و قد خالطته الأرضة فصار طيناً فلم أنشط بعد لجمعه، قال عنه الخطيب البغدادي في تاريخه 12: 54 «و كان مولده و منشؤه بالبصرة، ثم سار إلى المدائن بعد حين، ثم سار إلى بغداد فلم يزل بها حتّى توفي بعسكر أميرالمؤمنين الخليفة بسر من رأى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة 234».
4- قال السيوطي: الامام الحافظ محدث البصرة. توفي 307 ه (انظر ترجمته في طبقات الحفاظ: 306، تذكرة الحفاظ 2: 709).
5- الباهلي البصري الصيرفي، قال أبو حاتم: بصري صدوق، و قال أبو زرعة: لم نر بالبصرة أحفظ منه و من علي بن المديني و الشاذكوني، مات بالعسكر في ذي القعدة سنة 249. (انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 11: 471، شذرات الذهب 2: 120، طبقات الحفاظ: 190، ميزان الاعتدال 1: 665).

ص: 246

و شعبة بن الحجاج (1) 882، و أبو داود الطيالسي (2) 883، و سعيد بن أبي عروبة (3) 884، وحماد بن سلمة (4) 885، وعفان بن مسلم (5) 886، و قتادة بن دعامة (6) 887،


1- العتكي الأزدي مولاهم الواسطي شيخ البصرة، توفّي بها في أول سنة 260 و هوابن خمس و سبعين سنة. (انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد 7: 281، شذرات الذهب 1: 247، طبقات الحفاظ: 83، تذكرة الحفاظ 1: 193، تاريخ بغداد 9: 255، 266).
2- فارسي الأصل، توفّي بالبصرة سنة 203 و هو يومئذ ابن 92 سنة، و صلى عليه يحيى بن عبداللَّه بن عمر والي البصرة يومئذ. (انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد 7: 298، شذرات الذهب 2: 12، تذكرة الحفاظ 1: 351، طبقات الحفاظ: 149، تاريخ بغداد 9: 24، ابن الخياط: 227).
3- شيخ البصرة و عالمها و أول من دوّن العلم بها، مات سنة 157 في خلافة أبي جعفر المنصور. (انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد 7: 273، شذرات الذهب 1: 239، طبقات الحفاظ: 78، تذكرة الحفاظ 1: 177، الكاشف 1: 368، تهذيب التهذيب 4: 63).
4- ابن دينار البصري الحافظ، أبو سلمة، و هو مولى لبني تميم، و هو ابن أخت حميد الطويل. (انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد 7: 282، شذرات الذهب 1: 261، تهذيب التهذيب 3: 11، طبقات الحفاظ: 87، تذكرة الحفاظ 1: 202، ميزان الاعتدال 1: 509).
5- مولاهم البصري، أبو عثمان أحد أركان الحديث، نزل بغداد و توفي بها سنة 220، و صلّى عليه عاصم بن علي بن عاصم. (انظر ترجمته في الطبقات الكبرى 7: 298، شذرات الذهب 2: 47، ابن خياط: 228، طبقات الحفاظ: 163، تذكرة الحفاظ 1: 379).
6- ابو الخطاب البصري، توفي 117 و قيل بعدها، و روى ابن أبي حاتم 1: 166 بسنده عن شعبة أنه قال: كنت أجالس قتادة فيذكر الشي ء فأقول كيف إسناده؟ فيقول المشيخة الذين حوله: إنّ قتادة سَنَدٌ، فأَسكُتُ، فكنت أكثر مجالسته، فربّما ذكر الشي ء فأذكره، فعرف مكاني ثم كان بعد يُسند لي. و قال معمر بن راشد الازدي ت 152: كنا نجالس قتادة و نحن أحداث فنسال عن السند فيقول مشيخة حوله: مه إنّ أبا الخطاب سند، فيكسرونا عن ذلك (الطبقات 7: 230). و قال الدكتور أمين القضاة في كتابه «مدرسة الحديث في البصرة: 466»: و هذا يبين أنّ قتادة كان في سنة 110 يحدث بدون سند ولكنّه عرف عن قتادة انه كان يحدث بالسند في آخر عمره، يدلّنا على ذلك ما رواه سعيد بسنده عن حماد، قال: كنا نأتي قتادة فيقول: بلغنا من النبي، و بلغنا عن عمر، و بلغنا عن علي ولا يكاد يسند، فلما قدم حماد بن أبي سليمان البصرة جعل يقول حدثنا إبراهيم و فلان و فلان فبلغ ذلك، فجعل يقول: سألت مطرفاً و سألت سعيد بن المسيب و حدثنا أنس بن مالك فأخبر بالاسناد. (تهذيب الكمال 23: 498، الطبقات 7: 231، تهذيب التهذيب 8: 351، طبقات الحفاظ 47).

ص: 247

و معمر بن راشد (1) 888، و أبو عوانة (2) 889، و يحيى بن معمر (3) 890، و محمد بن


1- الحراني البصري ابو عروة أو أبو عرفة (ت 152 ه) قيل رحل إلى اليمن. (انظرتهذيب الكمال 28: 303، الطبقات 5: 546، مدرسة الحديث في البصرة: 453، 199).
2- الوضاح بن عبداللَّه اليشكري الواسطي، قال أبو أحمد ابن عدي: أبو عوانة من سبي جرجان و هو مولى يزيد بن عطاء، و كان مولاه قد خيره بين الحرية و بين كتابه الحديث فاختار كتابة الحديث على الحرية ... تهذيب الكمال 30: 448. وقال ابن سعد: كان أصله من أهل واسط ثم انتقل الى البصرة فنزلها حتى مات بها، وقد عدّه ابن سعد و ابن معين مع البصريين. (انظر الطبقات 7: 287).
3- البصري أبو سليمان، قاضي مرو أيام قتيبة بن مسلم (انظر تهذيب الكمال 32: 53، الطبقات 7: 368، تهذيب التهذيب 11: 305، سير أعلام النبلاء 4: 441، معجم الأدباء 20: 42، وفيات الأعيان 6: 173).

ص: 248

سيرين (1) 891، و ابن عليه (2) 892، وجابر بن يزيد (3) 893، وجرير بن حازم (4) 894، وحماد ابن زيد الأزدي (5) 895، و أبو عالية (6) 896، و أبو خزيمة (7) 897، و محمد بن سعد (8) 898،


1- مولاهم ابوبكر بن أبي عمرة البصري، إمام وقته، سُئل محمد بن عبداللَّه الأنصاري: من أين محمد بن سيرين؟ قال من سبي عين التمر، و كان مولى أنس بن مالك (تهذيب التهذيب 9: 214، تهذيب الكمال 25: 344، الطبقات لابن سعد 7: 193).
2- مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية (ت 186 ه) (انظر تهذيب الكمال 3: 23، تهذيب التهذيب 1: 275، تاريخ بغداد 6: 229).
3- أبو الشعثاء الجوفي البصري، ت 93 و قيل بعدها، و قد حكوا عن ابن عباس قوله: تسألوني و فيكم جابر بن يزيد (تهذيب الكمال 4: 435، الطبقات لابن سعد 7: 179، تهذيب التهذيب 2: 32).
4- الأزدي، أبو النضر البصري (ت 170 ه)، قال السيوطي: و كان ثقه صالحاً و صدوقاً من أجل أهل البصرة (تهذيب الكمال 4: 525، تهذيب التهذيب 2: 69، الطبقات لابن سعد 7: 278، سير أعلام النبلاء 7: 98- 130).
5- الجهضمي البصري أبو اسماعيل (ت 179 ه) مولى جرير بن حازم، و كان جدّه درهم من سبي سجستان، (الطبقات 7: 286، تهذيب التهذيب 3: 9، تهذيب الكمال 7: 239).
6- رفيع بن مهران الرياحي البصري (ت 90 ه) مولى امرأة من بني رياح (تهذيب الكمال 9: 214، الطبقات 7: 112، تهذيب التهذيب 3: 284).
7- العبدى البصري و اسمه نصر بن مرداس و قيل: صالح. (تهذيب التهذيب 12: 85، الكاشف 3: 331، التقريب 2: 417).
8- ابن منيع البصري صاحب الطبقات الكبرى، ولد و نشأ في البصرة، و بها تتلمذ على يد علماء البصرة منهم أبو داود الطيالسي، ثم رحل إلى بغداد و نزلها و لازم الواقدي، توفي ببغداد سنة 230.

ص: 249

وخليفة بن خياط (1) 899 و غيرهم الكثير الكثير.

فمن كل ما تقدم في المناقشة السندية، والمناقشة المتنية، و نسبة الخبر، نقف على الخيوط و الأصابع التي دبّت و دأبت في نشوء وضوء عثمان و انتشاره بين طائفة كبيرة من المسلمين اليوم، و أنّه ليس وضوءاً أصيلًا، بل هو وضوء عثماني أموي.

و تبيَّنَ من كل ذلك سير التبنيّ لوضوء عثمان، و ماهيّة المتبنين له، خصوصاً في القرنين الأوّل و الثاني، حيث إنّ رأس الحربة في نقل وضوء عثمان هو حمران بن أبان النمري، الذي كان غلاماً يهوديّاً من سبي عين التمر، سُبي في زمان أبي بكر، فظل على يهوديته إلى أن أسلم قبل أواسط حكومته عثمان، و ما أن أسلم حتّى تسنّم ظهر أمور اجتماعية و سياسية و فقهية خطيرة، و كان عنده سرّ الاتفاق الذي كان مبرماً بين عثمان و عبدالرحمن بن عوف، فلمّا أفشاه أُبعد إلى البصرة، فكانت له هناك أيضاً أدوار خطيرة، و كان هو حجر الأساس في نشر الوضوء العثماني، و ما زال اسمه يتصدّر أبواب الوضوء من المجاميع الحديثية، مع أنّه يهودي اسمه «طويدا»، و يبدو أنّه كان يلقب ب «التمري»، ثمّ ادّعى نسباً في النمر بن قاسط، هذا إلى عشرات الحقائق التي وقفت عليها حول كيفية سير


1- العصفري أبو عمرو البصري يلقب بشباب، كان عالماً بالنسب و السير و أيام الناس (ت 240 ه) (تهذيب الكمال 8: 314، تهذيب التهذيب 3: 204، طبقات الحفاظ: 160).

ص: 250

الوضوء العثماني، و من هم الذين ساروا به.

لقد كان قسم كبير منهم من الشعوبيين، و من موالي آل أبي بكر، و عمر، و آل أبي لهب، و آل طلحه، و لثقيف، و لعبس، و لبني أمية و معاوية بن أبي سفيان، و و و و... و كانوا حاقدين على الإسلام، مصابين بعقدة السبي.

و كانت من بؤر تمركزهم البصرة، التي كانت في السرّ تحت قبضة حمران و طابوره الخطير، فترى عدداً كبيراً من رواة وضوء عثمان بصريين، موالي، قدريين، سلطويين، أصحاب مخاريق، و أغلبيتهم الغالبة متكلّم فيهم، و و و و...

على أنّ الكثير منهم كانوا يتلاعبون بالنصوص، ففي حين يرويها الراوي الأمّ بشكل، نراهم يروونها بشكل آخر، و يحورون النص و يسوقونه إلى الوضوء العثماني المنتخب، و بعضهم يرويه بلا حكم الرجلين أو بلا حكم اليدين، أو بتقديم و تأخير، أو...

و بعد كلّه اختلفوا في توحيد مسح الرأس أو تثليثه، و هكذا كانوا يروون ما جاء به عثمان على علّاته، ثمّ يصوغون ما قدروا منه وفق وضوء خاصّ، و مع كل هذا ترى اضطراب الأسانيد و المتون خير دليل على أنّ عثمان جاء بالوضوء الجديد إجمالًا، ثمّ نُقِّح له من بعد.

أضف إلى ذلك انعكاس الهرم الوضوئي، ففي عصر الصحابة و التابعين الأوائل، نرى المسح هو المرويّ عندهم و الملتزَمُ به، و أنّ الوضوء الغسلي عند عثمان- و ربّما عند واحد أو اثنين آخرين- فقط، لكنّه بمرور الزمان راح الوضوء العثماني يحتلّ صدور أبواب الوضوء و تتكثر رواياته عن

ص: 251

طرق الصحابة المغمورين، و يضمحل ذكر الوضوء الثنائي المسحي الاصيل و الذي ذكر عن ابن عباس حبر الأمة، و أنس بن مالك خادم الرسول، و عليّ بن أبي طالب وصيّ الرسول و ابن عمّه، و إذا ذُكر يؤوّل عندهم بتأويلات لا طائل تحتها.

كما تبين لك نشوء الوضوء الثلاثي الغسلي في بذوره الأولى عن عثمان، و مروره بمرحلة المخاض منذ القرن الأول إلى بدء مرحلة التدوين في زمان الزهري و عمر بن عبدالعزيز، ثمّ التزامه بشكل نهائي في العصور اللاحقة.

و هذا كلّه يؤكد أنّ عثمان هو الذي ابتدأ بهذا الوضوء، و عضّده الأمويون عبر فقهائهم و رواتهم ثمّ من بعدهم العباسيون، و دوِّن بشكل فتاوى لا تقبل النقاش في عصر المذاهب الأربعة و ما بعدها.

على أنّ لليهودية دوراً خاصّاً في هذا المجال، فإن عثمان رُمي باليهودية، و حمران كان يهودياً بلا كلام، و مروان أيضاً كان ممن رومي باليهودية (1) 900 و عبداللَّه بن عمرو بن العاص كان قد عثر على زاملتين من اليهود، و مثله معاوية الذي كان على صلات خطيرة مع النصارى هو وابنه يزيد، و غيرهم من رؤوس الحكام، فإنهم كان لهم دور في تبني فقه عثمان و آرائه، و طرح فقه الآخرين من أصحاب التعبد المدونين الراوين لكل ما هو أصيل عن النبيّ، و منه الوضوء.


1- انظر قول الامام علي في مروان: «لا حاجة لي في بيعته انها كفّ يهودية، لوبايعني بيده لغدر بسبته». انظر انساب الاشراف 5: 263 ط. قديم و نهج البلاغة 1: 122/ الخطبة 73.

ص: 252

و يتأكّد هذا لو أضفنا إليه القرائن الأخرى الموجودة آنذاك عند المسلمين عن عثمان؛ كعدم دفنه في مقابر المسلمين، بل دُفن في مقبرة لليهود: «حش كوكب» (1) 901 خارج البقيع.

و قول بعض المنتفضين على عثمان لابن سلام: يابن اليهودية، ما أنت و هذا (2) 902.

و كقول أبي ذر لكعب الأحبار- الذي كان يفتي على عهد عثمان- يابن اليهودية أتعلّمنا ديننا (3) 903.

و قول جهجهاه الغفاري لعثمان: قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر.

و قول محمد بن أبي بكر لعثمان، بعد أن أخذ بلحيته: قد أخزاك اللَّه يا نعثل.

فقال عثمان: لست بنعثَل، و لكن عبداللَّه و أميرالمؤمنين.

قال محمد: ما أغنى عنك معاوية و فلان و فلان.

و قول جبلة بن عمرو الساعدي و هو بفناء دار عثمان: يا نعثل و اللَّه لأقتلنك و لأحملنك على قلوص جرباء، و لأخرجنّك إلى حرة النار، و غيرها من النصوص الدالة على اتّصاله باليهود «نعثل» أو تأثره بهم.

فنحن لو جمعنا هذه القرائن مع ما قالته عائشة «اقتلوا نعثلًا فقد كفر»


1- تاريخ الطبري 4: 412/ حوادث سنة 35. شرح النهج 3: 28، انساب الاشراف 5: 57.
2- المنتظم 1: 55.
3- تاريخ الطبري 4: 284، الكامل في التاريخ 3: 115، شرح النهج 3: 54.

ص: 253

لأمكننا الوقوف على سرّ إطلاقهم لفظ «نعثل» على عثمان، و أنّ ذلك فهماً سائداً عند المسلمين عن عثمان.

فالخليفة عثمان بن عفان كان هو المخترع للوضوء الثلاثي الغسلي الناشر له مع آخرين ممن لهم ارتباط باليهود كحمران و عبداللَّه بن عمرو بن العاص، و لعلّهم أخذوا بالوضوء الثلاثي الغسلي عن اليهود، و أدرجوه في الإسلام اعتقاداً منهم بأنّه الأطهر و الأنقى و الأنظف. إذ كان الوضوء الثلاثي الغسلي و مازال موجوداً عند اليهود، فلا يستبعد أن يكون هذا قد أدخل بين المسلمين لا حقاً و خصوصاً بعد وقوفنا على الروح الاجتهادية عند عثمان و أضرابه.

و يضاف إلى ذلك وجود ترابط بين أفكار عثمان و أبي هريرة و هذا ما كان يفهمه الثوار، حتّى أنّهم انتهبوا دارَيْهما معاً، ففي كتاب المنتظم: لما قتل عثمان انتهبت داره و دار أبي هريرة (1) 904.

و في الختام أقول:

كيف بنا و أحاديث حمران- لكونها أصح الروايات عن عثمان على ما يقال-؟

أنَقول أنّه كذّاب، و مفترٍ على عثمان، و أنّ الخليفة طرده و ضربه ونفاه إلى البصرة لعدم احتفاظة بسر الخليفة عثمان، و إخباره عبدالرحمن بن عوف بذلك، أو لغير ذلك، و أن البخاري و ابن سعد ضعّفاه؟

فإذا قلنا بذلك فيكف تُصَدَّر أبواب الوضوء في الصحاح والسنن


1- المنتظم 5: 59.

ص: 254

بمروياته؟ بل كيف يمكننا أن نطمئن بما أخبر به من الوضوء عن عثمان؟

و إذا جازفنا و جُزنا حدود العلم- كالذهبي- و قلنا بأنّه الفقيه الفارسي المحترم، فكيف نصنع بتاريخه اليهودي و عدم وثاقته و أدواره الخطيرة في التشريع و التاريخ الإسلامي؟

و بذلك نخرج بنتيجة مفادها: إمكان نسبة ابتداع الوضوء الثلاثي الغسلي إلى عثمان إمكاناً ذاتياً، و الذهاب إلى ثبوته عند فعلًا، و تبنّي المجموعة الخطيرة لهذا الوضوء، لأن مثل هذا الوضوء يتفق و يشترك في خلفياته و دوافعه و نتائجه مع عثمان و فقهه وفقه بطانته و عشيرته. (1) 905


1- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، وضوء عثمان بن عفان من النشأة إلي الإنتشار، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.